الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 11th October,2004 العدد : 80

الأثنين 27 ,شعبان 1425

الطفل والثقافة السوداء!
سهام القحطاني
لم يعد الطفل ذلك (الداجن) الأليف الذي يسمح لنا بالمرور فوق ظهره دون أن يحطم أقدامنا إذا لم نمتلك زلاجات تعيننا على رياضة التزحلق الصعبة، فأشكال التطور قد قضمت مساحات خضراء من ريش براءته لتزرعها (بثقافة سوداء)، وأصبحنا نتقابل اليوم مع مخلوق آخر قد يؤمن بما نكفر ويكفر بما نؤمن وهذا يوسع فجوة اختلاف لغة التفاهم بيننا وبينه، وما يزيد (الطين بلة) أننا كثيرٌ ما نحوّل مسئوليتنا نحوه إلى أسواط نعتليها لتشرع لنا جلد وجوده الفكري ومصادرته! لقد أصبح الطفل قادراً على التمرد والرفض وقادراً على استقبال المضاد البراق واستيعابه من خلف ظهورنا أو أمام وجوهنا، وهنا تكمن خطورة (الثقافة السوداء) التي يكتسبها الطفل عبر الوسائط الثقافية التي لا نوليها أي اعتبارات تربوية، لأننا ما نزال نؤمن بأن أسلوبنا القمعي في تربية الأطفال منذ الميلاد هو الأصح، وبذلك فنحن نفرضه عليهم عبر مسلمات أكثر من قبيل هكذا وجدنا آباءنا عليها عاكفين، دون إعادة صياغته ذلك الأسلوب أو الاستعانة بمساعدات لتطويره، ليتناسب مع مقدار النضوج الثقافي للطفل الذي يكتسبه بطريقة ضمنية خفية عبر وسائط التقنيات المختلفة.
ومن السذاجة أن نقول إننا نستطيع الآن بناء جدار برلين بين أطفالنا والثقافة السوداء التي تختبئ في ألعابهم وأطعمتهم وملابسهم والبرامج التي يشاهدونها، وفيروس هذه الثقافة لا ينتهي بطرد الدم الفاسد الذي نمارسه عن طريق الحجامة التربوية، فالحماية بالوعي تظل الأفضل من الحماية بالحجب، وأحصنة حماية أطفالنا تحتاج أولاً إلى هيكلة تربوية صحيحة ثم ثقافة تتميز بعمق التفكير وانفتاحية الرؤية، وهذا الأمر يجعلنا ننظر للأمور المعقدة من الجهات الأربع، مع وضع وجوب التفاعل مع التطور العالمي في الاعتبار وتجاوز عقدة الخوف من التأثر بقوى هذا التطور، إن ثقافة العولمة من أخطر الأمور التي تواجه ثقافة الطفل وتهدد تفكك كيانه الديني والاجتماعي لأنها تجلس بين أصابع يديه وقدميه الصغيرتين على شكل أصابع حلوى تبتسم له، فما هو المنهاج المتوازن لمواجهة هذا الخطر؟ إننا نحتاج اليوم إلى إنتاج وتفعيل ثقافة تتناول الطفل وتسعى إلى بناء أسسه ومعاييره وقيمه وقدراته الشخصية، وتتميز بالتركيز على أسلوب صياغة انتمائه لمجتمعه الخاص والعام والإحساس بأهمية ذاته وتقديره والاهتمام بمواهبه وتنمية سلوكه الاجتماعي وأدبيات الحرية الشخصية وأشكالها وطرق تنفيذها، والتعامل معه كمسئول قادر على خلق الضبط الذاتي داخله (الضمير)، فهل أدب الطفل لدينا قادرٌ على صناعة ثقافة بهذه المضامين؟
فحينما تسطع الأشياء كشمس نهار، فذلك يعني أنها تنحدر من ثباتٍ مستقر، وتتجذر من تكوين قوي، أصلها ثابت وفرعها يتصاعد إلى السماء... إنها القمة عندما تكتمل قامتها.. تلكم هي القيمة الحقيقية التي تتخلق من جذورها.. نواتج الإنجاز والإبداع.. فالوعي لا ينمو من فراغ.. من عبثية.. ومن تخبط.. تختلط فوق بوصلتها الاتجاهات.. والظلمة لا تصنع نوراً.. بل الضوء هو الذي يصنع النور.. (أظن ذلك).
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved