الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 11th October,2004 العدد : 80

الأثنين 27 ,شعبان 1425

ظفار قصة الحضارة في معجم الذاكرة
2 صلالة
د. سلطان سعد القحطاني

أول ما يستقبل الزائر لظفار (إذا كان قادماً من الجو أو من البحر أو البر) أشجار النخيل الباسقة، على مدّ النظر، تحف بها وبينها الحدائق الغنَّاء ذات الرسم الهندسي البديع، وعندما يقترب منها يكتشف أن النظر خدعه، فليس ما رأى بنخيل تقليدية، كما تركها في محافظة مسقط، أو قل شمال عمان، من صحار إلى مسقط والباطنة، لكنها نخيل من نوع آخر، يطلق عليها السكان (نخيل النارجيل) والبعض يقول عنها نخيل النارجين، وهي ما يُسمى جوز الهند، وقد ذكرها ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ 12 197)، هذه ظاهرة من ظاهرتين في صلالة، أما الثانية فبرج النهضة، معلم من معالم التطور الحضاري الحديث، يجمع بين عراقة الماضي ومعطيات الحاضر، ونعود إلى ما كنا نتحدث عنه، من حفاظ على البيئة، فالعماني أنيس بطبعه، وهذه شهادة لهم من كل الناس، ولا حكم على من شذَّ عن هذه القاعدة، وحضاري بطبيعته، فكل المنجزات الحضارية الحديثة محافظ عليها من قِبله بل إنني وجدت منهم من يرشد بعض السائحين إلى أماكن الجلوس في الحدائق العامة وإلى أماكن وضع النفايات وعدم العبث بالأشجار والزرع.
وصلالة مدينة أثرية تجمع أصالة الماضي إلى حداثة الزمن الحاضر، المدينة القديمة ملاصقة للبحر والميناء، تتمازج مبانيها بأشجار النارجيل الباسقة، وفي أطرافها مزارع الحبوب والموز، وجوها يميل إلى الرطوبة، وأهلها يشتغلون بالتجارة والبحر، وهذه سمة من سماتها منذ القدم، أما ميناؤها فيُعد من أكبر الموانىء العربية، وقد تحدث عنه بعض الكُتَّاب العرب، والصحافيين الذين زاروا المدينة في الزمن القديم والحديث، فقد نشر عنه مجدي العفيفي مقالاً عن هذا الميناء، قال فيه: دخلت الميناء، وتصادف الدخول مع رسو سفينة من أوروبا من النوع العملاق، بكل يسر وسهولة، وكانت أول تجربة للميناء مع الطراز العابر للمحيطات، قد تمت للأسبوع الأول من ابريل 1999م، لتفتح الطريق لما بعدها، حيث استقبلت المياه العمانية في صلالة السفينة (سوزان ميرسك) عرضها 43 مترا، وطولها 347 مترا، وغاطسها 14.5 مترا، ووزنها 104 آلاف طن، وحمولتها 6500 حاوية نمطية،
وهي واحدة من 12 سفينة من هذا الطراز، ولاشك أن هذا المشروع (توسعة الميناء في الوقت الحاضر) من أهم المشاريع في القرن الحادي والعشرين قرن التكتلات التجارية، بحيث يخدم المنطقة العربية، من حيث النقل الجوي وتجنب المضايق البحرية بالنسبة لهذه السفن الكبيرة، فموقع ظفار على كل من بحر العرب والمحيط الهندي موقع إستراتيجي مرموق منذ القدم، وقد كتب عنه الكثير من الرحَّالة والمؤرخين، منهم الظفاريون وغيرهم من المؤرخين في القديم والحديث، وهذا عالم من علماء ظفار (سليمان بن أحمد المهري) فصَّل كل شيء في كتابه (العمدة المهرية في ضبط القواعد البحرية) وضع فيه جدولاً للمسافات بين موانىء ظفار والهند وبقية الموانىء المجاورة، والفصول المناسبة التي تصلح للإبحار والرياح المعاكسة، والدرجات، والقياسات، والعلامات الجغرافية البارزة التي تهتدي إليها السفن أثناء الإبحار.. وبما أن صلالة تقع في السهل الظفاري بين البحر والجبل، فقد كان لهذا الموقع أهمية بالغة في مجال السياحة والتجارة، مما أكسب أهلها وداعة وطيبة وكرماً فطرياً بكل ما في الكلمة من معنى، كرم البادية ووداعة البحر، كما هو معروف عند علماء الاجتماع، وهذا الرحَّالة العربي ابن بطوطة يصف اهل هذه البلاد، فيقول: (السكان أهل تواضع وأخلاق وفضيلة وآداب مع الضيوف) ولم يكن هذا القول الذي وصف ابن بطوطة به أهل ظفار بالنظري بل هو الواقع، وقد لمسنا هذا الفعل على ارض الواقع، فأول ما يُقابل به الضيف كلمة العرب القديمة الموروثة (أهلاً وسهلاً ومرحباً)، وهذه الكلمات تترجم في الحال، بل إن من الموروث الظفاري أسطورة الكرم، وهي أن البيت الذي لا يأتيه الضيف تقل بركته، وأن الضيف يأتي برزقه معه، وهذا يذكرنا بقصة الكرم العربي التي سطَّرها الشاعر العربي المعروف (الحطيئة) في قصيدته
المشهورة (قصة كرم) التي صوَّر فيها أسرة بائسة في الصحراء، لم ترزق بأكل حتى جاءها ضيف جلب الله لهم الأكل بسببه.. ومطلع القصيدة:
وطاوي ثلاثٍ عاصب البطن مرمل
ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما
وقد سطَّر سعيد بن مسعود المعشني في كتابه (ظفار) الكثير من هذه القصص، سواء في المدن أو الريف أو البادية، فالمدينة الزائفة والتفكك الأسري لم يغز هذه البقعة من الأرض بعد، وإن كان أهلها يستعملون كل وسائل التكنولوجيا، وأدوات الحداثة، من الراديو والسيارات ووسائل الاتصال، إلا أنهم لا يزالون يحافظون على العادات والتقاليد، وينبذون بعض العادات غير الحسنة، وهذا يدل دلالة وافية على أنهم واعون للتعامل مع هذه المبتكرات، وأنهم ينطلقون من ارضية ثقافية متينة، فلا تزال الأسواق التقليدية على حالها، بجانب الأسواق الحديثة.
وتنقسم صلالة إلى ثلاثة أقسام، حسب العرف، صلالة الغربية والشرقية والوسطى، ويتعانق فيها البناء الحديث بالقديم في انسجام، مما جعل المدينة تحتفظ بطرازها المعماري وشخصيتها الاعتبارية، ومنها المدرسة السعيدية الابتدائية التي درس بها جلالة السلطان قابوس بن سعيد، وهي من المعالم التاريخية، ولا تزال تعمل إلى اليوم، حيث ولد في صلالة، في الثامن عشر من نوفمبر 1940م، ويُعتبر هذا اليوم مناسبة وطنية يحتفل بها كل العمانيين، ويتبع هذه المحافظة حسب التقسيم الإداري ثماني ولايات هي:
طاقة, وثمريت, ومرباط
وسدح، ورخيوت، وضلكوت، ومقشن، وجزر الحلانيات.. ولكل ولاية والٍ يدير شؤون الحياة فيها ويرجع إلى المحافظ، في الأمور الرسمية.
وتتباين الطبيعة في ظفار، بين الجبل والسهل والصحراء والسواحل، والوديان الساحلية الخضراء، وتوجد فيها المحميات الطبيعية، ومن اكبرها محمية جبل سمحان، ومساحتها 450 كيلو متراً مربعاً، ويعيش فيها أهم الحيوانات البرية النادرة، مثل النمر العربي، وهناك محمية خور المغسيل، في الأطراف الشرقية لجبل القمر، ومحمية خور الدهاريز الكبير، ومحمية خور صولي بالقرب من ولاية طاقة، وفيها العديد من النباتات الطبيعية.. تقول الدراسات البيولوجية إنها تبلغ 70 نوعا، والطيور بها تبلغ 66 نوعا، والأسماك 36 نوعا، وفي الغرب من ولاية طاقة تقع محمية خور طاقة، وتبلغ مساحتها 1.7 كيلو متر، وهي مرتبطة بالجبل عن طريق الينابيع العذبة التي تتدفق عليها من وادي روري، ومن أكبر المحميات محمية خور روري وتمتد على طول ساحل صلالة، ويبلغ طولها 2.5 كيلو متر، وعرضها 400 متر وتبلغ مساحتها الكلية 8.2 كيلو مترات مربعة، ويفد على هذه المحميات العديد من الطيور المهاجرة، ويعيش فيها وخارجها عدد من الطيور المحلية، ولها مسمياتها عند السكان، مثل العقاب ودجاج الماء والحجل والوقواق..، كما أن وادي دوكة يعتبر محمية طبيعية لأشجار اللبان، مثلما حدَّثنا مرافق الرحلة الأستاذ محمد بن مسلم المعشني من أهالي ولاية طاقة.. كما تضم المحافظة العديد من الأودية والعيون التي تتغذى على مياه الأمطار في الخريف، مثل عين دربات، وهي من أهم العيون في ظفار، وتبعد عن مدينة صلالة بنحو 42 كيلو مترا وتكثر في وادي دربات الكهوف التي يسكنها بعض مربي الأبقار.. وعين صحنوت، وهي مكان لتجمع الطيور المهاجرة، وتبعد عن مدينة صلالة بنحو 15 كيلومترا، وعين حمران وهي مكان لتجمع الطيور المهاجرة، وتبعد عن مدينة صلالة بنحو 15 كيلو مترا.. وعين حمران
وهي مكان لتجمع الطيور المهاجرة والمحلية، وتبعد عن صلالة 29 كيلو متراً، وعين جرزيز، وتبعد عن صلالة 14 كم، وتقع في منطقة أتين.. وعين أرزات، وتضم عددا من الينابيع، في مكان تكثر فيه الكهوف، ويسكن في هذا الوادي بعض السكان، ويتكلمون اللغة الجبالية (المحلية)، أما الأخوار (جمع خور)، وهو شبه خليج يخرج من البحر إلى اليابسة، فقد تميزت ظفار بكثرة أخوارها، وهي المنطقة الساحلية، ومن تلك الأخوار: خور المغسيل الذي مرَّ ذكره معنا، كمحمية من المحميات الكثيرة التي صدر بها القرار، في 286 1997م، كمحمية طبيعية، وهذا الخور مرتع خصب للطيور، وفيه الشلالات الطبيعية التي يحدثها ضغط المياه البحرية فترتفع لعدد من الأمتار.. أما أكبر الأخوار فهو خور طاقة: يقع في ولاية طاقة، التي تبعد عن صلالة 30 كم، وتكاد الطيور تغطي الشمس من كثرتها في هذا الخور، وقد بالغ بعض سكان هذه الولاية الجميلة في عدد أنواع الطيور، فقال: إنها تبلغ أكثر من مائتي نوع، والأسماك تزيد على عشرين نوعاً، وفي شرقي صلالة يوجد خور الدهاريز، أو الخور الشرقي (كما يسميه بعض سكان صلالة) ويقع في الطرف الشرقي للمدينة، وفيه الكثير من الأسماك والطيور، ومثله خور القرام الصغير وخور القرام الكبير، ويقعان بجوار ميناء صلالة، وتنسب التسمية إلى كثرة شجر القرام فيهما.. وخور البليد، يقع على ضفاف مدينة البليد الأثرية، التي يقال: إنها ظفار (صلالة) في العصور القديمة، كما يذكر المؤرخون العرب، في القديم والحديث، ففي القديم تحدث عنها الإدريسي، وقال إنها تعرضت في سنة 1265، لغزو دمرها، ثم أُعيد بناؤها باسم (المنصورة) ويذكر المؤرخ العماني ابن رزيق، أنها المدينة التي عرفت في العصور الإسلامية الوسطى باسم البليد.. وخور العوقدين (الخور الغربي) ويقع داخل الحدود الغربية لمدينة صلالة، أما خور روري، فيقع على ضفاف مدينة (سمهرم) الأثرية في ولاية طاقة، وهو من أكثر الأخوار أهمية، حيث ينحدر إليه وادي دربات، فيختلط الماء العذب بالمالح، مما يجعله صالحاً لكل الكائنات، التي تعيش على الماء العذب والتي تعيش على المالح، وكانت مدينة سمهرم الأثرية ميناء مشهوراً لتصدير اللبان في العصور القديمة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved