الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 11th October,2004 العدد : 80

الأثنين 27 ,شعبان 1425

الإسلام في الأسر..!!
أمل زاهد
تابعت بأسى بالغ وحزن عصف بمجامع قلبي فيلما تسجيليا وثائقيا عرضته إحدى القنوات الفضائية الأجنبية عن مأساة مدرسة بيسلان. وفي الفيلم تحدثت مجموعة من النساء والأطفال الذين كانوا شهود عيان لتلك الحادثة عن تلك الأيام الحالكة والقاسية، وعن المشاعر والأحاسيس التي عصفت بهم وهم يتعرضون لتلك المحنة.. تحدثوا عن تلال الخوف والألم والقلق والتوتر والعذابات النفسية التي جثمت فوق صدورهم.. تحدثت إحدى الأمهات المكلومات عن تبلبل نفسها وعذاب روحها عندما اضطرت إلى ترك ابنها (شميل) البالغ من العمر سبع سنوات بين يدي الخاطفين كي تعبر برضيعتها (أمينة) إلى بر الأمان، فقد أجبرها الخاطفون على تركه لأنهم سمحوا فقط للرضع وأمهاتهم بالخروج.
كانت تفوح من كلماتها رائحة الدم وقسوة المعاناة والتمزق النفسي وهي تلوم نفسها لأنها تركته ولم تكن معه في تلك اللحظات، وكانت تلوم نفسها أكثر لأنها لا تزال تتنفس بينما قد وارى التراب جسد ابنها الغض، وتحاكم نفسها وتقسو عليها وهي تردد: كان يجب علي أن أبقى رغم معارضتهم.
وبينما راح أولئك الأطفال يتحدثون عن تلك التجربة التي ستوصم ذاكرتهم إلى الأبد ببشاعة تفاصيلها، توحدت مع تلك الأمهات ورحت أتخيل لا شعوريا اطفالي وجميع الاطفال الذين اعرفهم وهم يمرون بتلك المواقف ويتعرضون لانياب الارهاب القاسية وهي تنهش في نفوسهم الغضة ايلاما وتعذيبا.. وتخيلت ردود افعالهم وانفطر قلبي وانا المح خوفهم وملامح الذعر وهي تكسو قسماتهم البريئة. وتمنيت لحظتها لو استطعت أن أحمي كل طفل وكل أم من براثن الوقوع بين يدي الإرهاب المتجسد في قوم قُدت قلوبهم من صخر وتصحرت مشاعرهم واحاسيسهم، فلم يلقوا بالا إلى تهشيم تلك الزهور اليانعة التي لم تتنفس بعد عبق الحياة وندى نسماتها، بل جعلوا تلك الأرواح البريئة مطية يتسلقون بها إلى أهدافهم ومراميهم السياسية.
وتمزق قلبي أكثر وأنا أشعر أن
الإسلام بات في حصار ليس فقط بيد أعدائه ولكن بيد أهله ومن يرفعون رايته ويتشدقون بالانضواء تحت لوائه، وانهم هم من يشوه صورته ويعبث بملامحه ويهدم قيم المحبة والتسامح التي جلبها إلى العالم في معيته واضاء بها أرجاء الدنيا وأطراف الأرض، حتى بات العالم يرتعد فرقا عندما تذكر كلمة الاسلام أو المسلمين وصارت تلصق به وبهم ابشع التهم وأقسى الجرائم. وهل نملك ان نلومهم والاخبار تتهافت كل يوم على وكالات الانباء وتتدفق على وسائل الاتصالاتها عن ذلك الحدث الإرهابي او ذاك!! والذي غالبا ما ينتهي بوجود علاقة تربطه بالاسلام وبمن ينتمون إلى ديانته، حتى صار هناك ما يسمى في الغرب بالهلع من الاسلام او (Islamophobia)، وامتد هذا الهلع ليغطي كافة أقطار الأرض من شرقها إلى غربها كنتيجة للممارسات الإرهابية التي مدت نشاطها إليه.
وقد يقول قائل ان عدم توازن القوى واختلال الاخلاقيات التي يؤمن بها المجتمع الدولي هو الذي يدفع ببعض المسلمين إلى تبني الإرهاب وسلوك طرقه الوعرة، وحمل أرواحهم على أكفهم والتضحية بها في سبيل ايصال صوت قضيتهم إلى العالم.. فهو لا يستهجن مثلا ما تقوم به أمريكا في العراق من ضرب للمدنيين وانتهاك للحرمات او الممارسات التي تفعلها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، ولا يصنف هذه الأفعال تحت قائمة الإرهاب. والحقيقة ان سكوت المجتمع الدولي على هذه الابادات الجماعية وسلبيته، يشكل الدافع الرئيسي والمحفز الحيوي للقيام بتلك الاعمال الارهابية. فهل يملك العاجز الا ان يخصر نفسه بحزام ناسف او يلغم نفسه بقنبلة موقوتة حتى يتخلص من ذلك الشعور الممّض بالعجز وهو يرى حرماته تنتهك واراضيه تستحل؟!! وهل يملك إلا ان يضحي بحياته كي يسمع العالم ولو قسرا صوت انينه وصراخ شكواه؟!!
ولكن هل هذه هي الطريقة المثلى في ايصال صوتنا إلى العالم؟!! هل قتل الأبرياء وتلويث أيدي الإسلام الطاهرة
بتلك الجرائم البشعة هو الذي سيلفت نظر الرأي العام الدولي لنا؟!! هل ذبح الرهائن بدماء باردة هو الذي سيرفع راية الاسلام عالية خفاقة؟!! وهل سيرفع من ذكر الاسلام اختطاف رهائن على شاكلة البريطاني (بيجلي) والذي تخطى عمره الستين؟! ام ان الضحية استدر عطف العالم بأسره هو وأسرته المفجوعة ووالدته المسنة التي تتحرق شوقا لرؤيته؟!! هل هذه الاعمال هي التي ستدفع الرأي العام العالمي لنصرة قضايانا وإلى محاولة اجتثاث الظلم والاستبداد والطغيان الذي نتعرض له؟! هل هي التي ستساهم في حل مشكلاتنا التي تتراكم يوما بعد يوم؟!! ام انها ستشوه صورة الاسلام الناصعة البياض وستوشمه بما ليس فيه، وستؤلب العالم علينا وعلى الاسلام وتستفز مشاعر الكراهية كي تصب علينا وتنفث حممها فوق رؤوسنا؟!
من أكثر مشاكلنا استفحالا هو اننا نتعامل مع الأمور بعاطفية فجة وحماسة رعناء، ولا نجيد التفريق ما بين النافع والضار، ولا نحسن التمييز ما بين الخسارة التي ننوء بثقلها على عواتقنا وبين الفوائد التي سنجني طيب ثمارها إذا ما انصتنا إلى صوت العقل واستمعنا إلى نداء المنطق والمصلحة العامة، إذا ما حسبنا وبدقة شديدة الخسائر والأرباح التي نجنيها من هذا العمل أو ذاك.
يجب علينا أن نفكر بنفس الطريقة التي يفكر بها الغرب حتى نعبر بصوتنا إليه وحتى نكسب تأييده ومؤازرته لنا.. نحتاج إلى أن نستعير عقله وطريقة تفكيره، ونقدر نتائج أعمالنا ووقعها على آذان العالم الذي لا نملك ان نعيش منفصلين عنه مبتعدين عن رحى الاحداث فيه، كما اننا لا نستطيع الاستغناء عنه أيضاً.
كي نطلق الاسلام من أسره ونفكه من القيود التي كبله بها أصحاب الفهم والقراءات المجانبة للصحة، يتحتم علينا ان نركز على نزعة الأنسنة التي يحفل بها جوهر الدين وروحه السمحة.. فمن ينقذ الإسلام ممن يلبس رداءه ويتوشح بتعاليمه، ومن يفك الحصار الذي يشتد خناقه عليه يوما إثر يوم؟!!


amal_azhid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved