الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 11th October,2004 العدد : 80

الأثنين 27 ,شعبان 1425

الفنان والناقد أحمد منشي لـ«الثقافية»:
غالبية التشكيليين ثقافتهم سطحية تعتمد على الخواء الفكري
* لقاء محمد المنيف:

الفنان والناقد التشكيلي أحمد منشي اسم لا يمكن أن يمر مرور الكرام على التشكيليين المتابعين لما يُطرح في الساحة عبر الصفحات التشكيلية. منهم مَنْ يراه مندفعاً يطلق سهاماً جارحة، ومنهم مَن يرى أن في عباراته المؤلمة أحياناً دليلَ صدق العلاج ووضعه يده على الجرح لتضميده. ساهم بالكثير من المقالات، منها ما يتعلق بالعموم وبالأنشطة التي تقوم عليها الجهات الرسمية، ومنها ما يتعلق بالنقد المباشر للفنانين، مستعرضاً الأسماء والأخطاء دون تردُّد أو تحفظ، مع أن مثل هذا الأسلوب لدى الفنان منشي يحتمل الكثير من الشكوك؛ فقد يراها البعض نوعاً من تسجيل الموقف، ومنهم مَن يرى فيه شيئاً من إحداث شحنة منافسة لتحريك المياه
الراكدة، ومنهم مَن يراه أسلوباً صائباً ومفيداً لتطهير الساحة من الشوائب.
من هنا ومع علمنا ان هناك كثيرا من الأصوات المعارضة للصحافة التشكيلية ولنقادها أمثال ضيفنا لن يعجبهم صراحته وصدق مشاعره إلا اننا نعتز بالأسماء التي ساهمت وتحملت الصدمات وواجهت ما يسيء للساحة بقول الحقيقة فكان لها الدور الكبير في تقييم وتقويم وإصلاح ما يمكن إصلاحه تحسباً لما نحن عليه الآن من نقلة نحو مستقبل جديد، فما قدمه الناقد أحمد منشي وأمثاله من الأقلام الصريحة باقية في ذاكرة الزمن التشكيلي دون تلون أو تغير في جلدتها من حين إلى آخر بناء على مصالحها بمقالات ساذجة كغثاء السيل تبعثرها الريح فلا تبقي لها أثرا.
*من البديهي أن نسأل عن بداية كتاباتك النقدية، ولماذا اخترت هذا التوجه؟
البداية كانت عام 1402ه بجريدة (البلاد)، وكانت مقالا بعنوان: (المتجهون للسريالية إلى أين؟!!) ، ومن ثم جريدة (الجزيرة) ، فجريدة (الرياض) ، وجريدة (المدينة) ، وكانت بداية كتابتي للزاوية التشكيلية بجريدة (اليوم) تحت عنوان: (منعطفات) ، و (الرياضية) ، وبعدها كان الاستقرار بجريدة المدينة مع بداية حياة الصحفي اللامع الاستاذ الشريف، فكانت انطلاقتي الحقيقية، ناقلاً زاويتي: (منعطفات تشكيلية، وزووم تشكيلي) معي إلى جريدة المدينة ملحق الأربعاء، ثم ابتدعت عنوانا جديداً لزاويتي تحت عنوان: (بصر وبصيرة) ، ثم قمت بتغيير اسم الزاوية إلى (صدى الريشة) ولقد كان الواقع التشكيلي والمتغيرات المتتالية التي شهدت الساحة التشكيلية عاملاً رئيسياً في استحداث اسماء الزوايا التي أطل منها على القراء.
أما لماذا اخترت هذا التوجه، فذلك مرده لعدة عوامل من أبرزها:
* حاجة الساحة التشكيلية للتنظير والنقد.
* زيادة خبرتي الثقافية والمعرفية والفنية والمهارية والفكرية المتواضعة وتنوعها، مما ولّد لدي بما يعرف بالاستعداد والرغبة في الارتقاء بالوعي العام.
* الإحساس بالمسؤولية تجاه الدين والوطن والمجتمع، للإسهام بقدر متواضع للتخفيف من أثر المعاناة التي يعاني منها الوسط التشكيلي إثر المحن المتعاقبة التي حلت بها.
* البحث عن الحقيقة وصيانة حقوق الآخرين.. لكشف الحجاب عن كل ما هو زائف لتصحيح بعض الأوضاع غير المتناسقة في الوسط التشكيلي والعمل على نشر الوعي لا تغييبه.
*كيف تتم عملية تقييم واقعنا التشكيلي باختصار..؟
ليس بالسهولة بمكان تقييم واقعنا التشكيلي، كما انه أمر غير مستحيل حيث إننا.. ما زلنا في بداية الطريق، نحتاج إلى عدة مقومات تجمعنا تحت سقف واحد ومن أبرزها الدعم المادي من الجهات التي تعنى بالفن التشكيلي سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى غير الرسمي الذي تمثله الجهات الراعية للفن التشكيلي من مؤسسات وهيئات أهلية، حيث إن عملية التقييم والتقويم لا يمكن اتمامها من قبل نتاج فردي، بل هي نتاج دراسات علمية لفريق عمل علمي متكامل يضم (الأكاديمي والناقد والمنظر والفنان والمتلقي) .
* هل هناك نظرية نقدية تجذبك؟
ليس هنالك نظرية نقدية ما.. تجذبني، وإنما هي خليط متعدد النظريات الفلسفية الجمالية والفكرية والاجتماعية، وأقول اجتماعية كوننا أمة لها قيم اجتماعية راسخة هي ميزان كافة المعايير.

* نجدك مندفعا في مساحة النقد إلى حد يراه البعض تجريحاً، ما تعليقك؟
ليس اندفاعاً كما يتصوره المغرضون، وإنما هي غيرة مقترنة بشجاعة لمواجهة واقع زائف بلا أدنى خوف، كما اني لا أعتمد التجريح بقدر ما اعتمد على كشف تحركات الخفافيش التي لا تظهر في بقعة الضوء، بكل أمانة وصدق مما يتسبب في حدوث ألم نتيجة مواجهتهم بالحقيقة.. فالحقيقة مُرّة على من يحاول تغييبها، مما يؤدي لردة فعل عنيفة لمن كشف النقاب عن تحركاتهم، فيكيل التهم ويعتبر تلك المصداقية المقترنة بالأمانة.. تجريحاً ونقماً وعداوة وحسداً، وحقيقة الأمر تكمن في تفتيق الجراح وتطهيرها كي يبرأ جسد الامة، فلقد قيل: جراح الصدق ولا سمنة الكذب، فالسمنة التي يحدثها الكذب والخداع والمراوغة، تعد مرضا عضالا لا يرجى الاستشفاء منه..
لذا استوجب الأمر بتر العضو الفاسد كيلا يستشري المرض إلى باقي أعضاء الجسد.
* كتاباتك جمعت بين نعومة الريشة وطراوة وحدّة السيف، هكذا يقول البعض، فبماذا تعلق؟
لم يخالف الحقيقة من قال ذلك.. حيث إننا جبلنا على الصدق وشفافية الرأي.
* البعض يرى أن في مقالاتك الكثير من التناقض، ويراها البعض مجرد إسقاط حجر، والبعض الآخر يراها تسجيل موقف، وبحثا عن حضور، كيف ترى ذلك؟
قد يرى البعض وجود تناقض فيما اكتب.. ولكن التساؤل المطروح في هذا المقام هو: من هو ذلك البعض الذي يرى وجود التناقض؟ يا عزيزي ان امثال ذلك البعض هم ممن قد حرم نعمة البصيرة، فأصيب بعسر هضم وعدم القدرة على الاستيعاب، وهذا لا يسبب بالنسبة لي اشكالية، وإنما هي اشكالية وقع تحت وطأة براسنها من يفسر ويؤول ما اكتبه حسب اهوائه ونوازعه.. وليس عن علم ودراية وفهم وادراك ابعاد ما اطرحه..
كما انني لا انكر ان بعض مقالاتي معتمدة على إسقاط حجر، وتسجيل موقف، فكما يعلم الجميع اني وغيري من النقاد لا نملك موقعا لصنع القرار، إلا انه بمقدورنا.. الاسهام في صنع القرار من واقع مسؤولياتنا تجاه ديننا ووطننا ومجتمعنا.
أما القول بأن مقالاتي هي بحث عن حضور، فأقول: وان كان ذلك البحث حقا مشروعا للجميع، إلا انه.. ليس من أهدافي التي رسمتها قبل او بعد ممارستي الكتابة.
* تعرضك لبعض الفنانين المعروفين في الوسط الفني، كيف ترى قبولهم لما تكتبه عنهم؟ ولماذا يؤخذ عليك الميل مع جانب على حساب الآخر..؟
الفنان الحقيقي هو المتمكن من استثمار منتقديه دون تعالٍ أو كبر، فهدف الناقد الارتقاء بمستوى وعي الفنان وقدراته، وليس العكس، أما مسألة القبول والرفض فيتوقف على مستوى وعي الفنان، فمثلاً على سبيل المثال
الفنانون: (طه صبان، يوسف جاها، مهدي الجريبي، عبد الرحمن السليمان، صديق واصل، وغيرهم..) يعتبرون ممن يقدرون النقد، بل ويسعون لاستثماره لصالحهم، فهم كالمعدن النفيس الذي إذا نفض عنه الغبار ازداد بريقا
ولمعانا، وعلى النقيض من ذلك نجد ان هنالك فئة اخرى تكابر في غطرسة وتعالٍ.. حيث اعتبرت ما نسطره عنهم.. من مشاعر حب وتقدير.. حقدا وكراهية ونقما، لينضح الاناء بما فيه.. فنلاحظ ان ردود افعالهم مواكبة مع مداركهم ومستوى وعيهم رافضين عملية النقد قلبا وقالبا، بل ان بعضهم منذ أكثر من عشر سنوات رافض القاء السلام عليّ في اي مناسبة تشكيلية وغير تشكيلية، فمن هو الذي يكره أو يبغض أو يحقد في هذه الحالة..؟
أما القول باني اميل مع جانب على حساب الآخر.. فذاك كلام مردود إلى أصحابه.. فليس من طباعي أو سلوكياتي الميل مع جانب على حساب الآخر.. إلا في الحق.
* حينما يكون هنالك حوار أو ندوة يتهمك البعض بأنك دائما تميل للمعارضة وغير راضٍ عما يطرح، مع ان هنالك من يبدي الرضا، هل يعني هذا رغبتك في الاثارة، ولماذا؟
هنالك حقيقة يجب ان يدركها الجميع وهي انني ممن يميلون إلى أسلوب استفزاز الخصوم، فكل من يحاول تغييب الحقائق والوعي أعده خصما لدودا اقارعه الحجة بالحجة، وذلك الاستفزاز يستهدف البحث عن الحقيقة فقط ولا شيء غير الحقيقة، حتى يسلم أو اسلم، فيعتقد البعض خطأً اني أميل للمعارضة من اجل الاثارة لعلة فيهم.. وليست بي.. إذ انهم.. لا يفرقون بين الاثارة والمعارضة والاستفزاز والاختلاف.. لذا يجب ان ندرك ان المعارضة او الاستفزاز او الاختلاف في الرأي تعد عوامل إثراء.. لا عوامل خلاف..
أما الفئة التي تبدي الرضا فتنقسم لقسمين، الأولى: تفضل الصمت رغبة في عدم احداث أي تصادم مع الآخر.. للمحافظة على مكتسباتها.. دون الاهتمام
بما يعقب ذلك الصمت من آثار سالبة على الوسط الفني، ولو انك طلبت وجهة نظرهم.. لرأيت انهم يختلفون مع ما طرح.. أما الفئة الثانية: فئة آثرت مراعاة المحافظة على المصالح الشخصية، دون الصالح العام، وكلاهما يلعب دوراً سلبياً.. كمعاول هدم لا سواعد بناء.
* يلاحظ على كتاباتك أنك صريح ومباشر تطرح الأسماء دون تردد، ألا يسبب لك هذا الأسلوب أي عداوات مع الآخرين..؟
أحب أن أؤكد على أن من يحب لا يعرف الكراهية أو العداوة، لذا أجد في الصراحة والوضوح دون مراوغة راحة نفسية لجميع الأطراف.. فهناك أخ أو صديق أو ولد، وفي المقابل نجد ان هنالك وطنا، إذن القضية محسومة ولا تقبل المساومة، فولدي واخي وصديقي لكل واحد منهم قدره، إلا ان تقدير الوطن لا يوازيه أي تقدير لما سبق.
* يقول الكثيرون من المتميزين والناجحين في الحياة أن مجرد النجاح يخلق العداوة؟
اسمح لي بان اغير عبارة (ان مجرد النجاح يخلق العداوة) ، فأقول: إن مجرد النجاح حسب صياغتك للسؤال قد يؤدي للغضب أو التضجر أو التعصب، أو أي شيء من هذا القبيل.. فالاختلاف هنا.. يجب أن يكون اختلافا في الرأي لا اختلافا في القلوب، لذا استبعد معاداة الآخرين.. لمجرد الاختلاف معهم في الرأي، فمجتمعنا ولله الحمد يتمتع بخصوصية مميزة عند تطبيق قيمه الاجتماعية وواقع الساحة بخير على الرغم من وجود المتضجرين والغاضبين والمتعصبين، فتلك حالات مؤقتة تزول بزوال المؤثر، لتعود الألفة والمحبة فيما بين أعضاء الجسد الواحد، وإن وجدت حالة أو أكثر تحول الغضب والتضجر إلى حقد وكراهية وعدوانية، فتلك.. من الشواذ.
اما عن كيفية تعاملي مع من يختلف معي، فإني احترم اختلافه.. بشرط ألا يخرج ذلك.. عن أدب الاختلاف، إلى اختلاف التضاد المسبب للفرقة والتشتت.
* مع ان لك صولات وجولات ولغيرك من القلة الذين اخذوا على عاتقهم الكتابة عن الفن التشكيلي إلا ان الاعتراف بالنقد والناقد المحلي لا يزال محدودا، فهل يسبب لك ذلك اشكالية محبطة لعزيمتك في الاستمرارية لتحقيق أهدافك..؟
عندما قررت خوض غمار تجربة النقد التشكيلي كان هاجسي صون الحقوق وابراز الحقائق، وترك اثر حسن.. لذا فإن مسألة الاعتراف.. غير واردة في قاموس حياتي الفنية، فهي.. تحصيل حاصل، فالأهم هنا.. أن نعمل بما نرى أنه صواب وفق خبراتنا وقدراتنا، ولو كانت تلك المشكلة.. تشغل جزءاً من تفكيري لكنت توقفت منذ زمن عن الكتابة.
* لا يمكن لأي ناقد أن يكون له تأثير ما لم يكن هنالك أرضية صالحة، ومنها الوعي بالنقد، فكيف ترى مستوى وعي الوسط الفني والمتلقين بصفة العموم؟
أوافقك الرأي، وحسب اطلاعي على افرازات الوسط الفني على الرغم من احتوائه على الكثير من الغث والعديد من الزيف، إلا انه في تطور ونماء على المستوى المهاري والفكري والتقني والمعرفي، وهنا أنفي الكثرة.. فكثرة الممارسين لا تعد مقياسا حقيقيا للتطور والنماء، وإنما نوعية الأعمال التي تحمل الجدة والحداثة بمفهومهما الحقيقي، وان كانت تلك النوعية تمثل الاقلية إلا انها تعكس واقعنا المستقبلي الذي يبشر بالخير.
أما بالنسبة للمتلقين بصفة العموم، فتلك الكارثة التي ما زلت احذر منها.. فإلى متى تقف المؤسسات المسؤولة عن التربية والتعليم عاجزة عن تحقيق أهم أهدافها وهو القدرة على انماء الادراك البصري للفرد، وهي الجهة الأولى المسؤولة عن تفعيل هذا الجانب ومن ثم يأتي دور القنوات الاخرى كالإعلام والفنان
والمعارض والمتاحف.
* الثقافة عامل مهم لنجاح أي فنان، كيف تري ثقافة الفنان المحلي؟ ومن هو الفنان المثقف في نظرك؟
بدون زعل إن ثقافة غالبية الممارسين للفن التشكيلي دون المستوى المأمول فهي لا تتعدى كونها سطحية تعتمد على السبهللة والخواء الفكري، بمعنى جوفاء لا اثر لها.. أو جود.
والفنان المثقف في نظري هو القادر على التعايش مع معطياته البيئية والاجتماعية والفكرية والثقافية والمعرفية، يعتمد على البحث المتعمق، ويجيد الاستقراء والاستنباط، ووضع الحلول والمعلومات، للكشف عما هو جديد ومتأصل بروح عصرية، متقمصاً الكيان الكبير المحيط به.. داخل كيانه الصغير في توحد بنائي وفق نسيج عضوي متكامل، بمعنى أن تشكل الثقافية جزء لا يتجزأ من كيانه.
* في احد اجزاء المناظرة التي كانت بينك وبين الاستاذ سهيل سالم الحربي جاء ضمن الحوار انتقاده لتدني مستوى مؤهلك التعليمي (الدبلوم) فقط، وأنه حاصل على درجة الماجستير ويحضر لنيل درجة الدكتوراه، فكيف ترى مستوى عطاء الأكاديميين؟
إن الشيء بالشيء يذكر، ففي الواقع إن تلك المناظرة ليست ذات صلة بمفهوم المناظرات العلمية، فقد أبلغت من قبل الأخ خير الله زربان، بأن الاستاذ عبد العزيز قاسم، قد أقنع الاستاذ الحربي بإقامة مناظرة بيني وبينه، بعد نقدي لكتابه (التصوير التشكيلي في المملكة) ، حيث تكلفت الجريدة بمستلزمات هذه المناظرة، القاعة وحضور عدد من الأكاديميين، ونخبة من الفنانين، وسوف يكون هناك خط اتصال ساخن، لمتابعة مجريات المناظرة المزعومة.. وكانت المفاجأة عندما تحولت المناظرة إلى مساءلة أو أشبه بالمحاكمة كما أطلق عليها د. محمد الرصيص.
ولقد لوحظ عبر المحاكمة.. ردة الفعل العنيفة التي كان عليها الحربي، فلقد تجاهلت العديد من عباراته وتساؤلاته ولم أقم بالرد عليها.. احتراما للمنبر الثقافي الذي أتحدث عنه من خلاله، كما أن لدي قناعة بأن بعض العبارات والتساؤلات لا يحتاج المرء للإجابة عليها، فالإجابة نجدها ضمن طيات تلك التساؤلات.. التي تعبر عن صاحبها وتكشف عن هويته..
ورداً على السؤال المطروح، فأجيب بقولي: ان البعض من الأكاديميين يعتقد خطأ أنه فوق النقد، لا يحق لأي فرد منا.. انتقاده، في حين أن كل ما يصدر عن المرء قابل للرفض أو القبول، كما ان النقد ليس إنقاصا أو انتقاصا لمجهود المرء، بل هو مرآة صادقة لذلك المجهود سلباً كان أم إيجاباً، ولكن شعور المرء بالنقص.. ليس مشكلة الناقد، بل هي مشكلة المنتقَد.. وهنا أكرر مقولتي في هذا المقام حيث سبق أن قلت: أنه لا يستطيع كائنا من كان أو يكون أو سوف يكون أن ينتقص شخصا ما.. إلا أفعال ذلك الشخص.
كما أن بعض الأكاديميين قد تناسوا أن عملية الإبداع لا تخضع للمؤهلات الأكاديمية، وإنما تخضع لمقومات أخرى.. أكثر أثراً, وهذا مؤشر يؤكد انعداما للوعي، ومن
خلال متابعتي للممارسة التشكيلية في المملكة منذ نشأتها.. وحتى وقتنا الحاضر، أجد أن العديد من المؤشرات المؤكدة لتفوق الحاصلين على الشهادة الثانوية لمعهد التربية الفنية، فكرياً وتقنياً ومعرفياً، فهم من أسس هذه التجربة الجمالية في هذه البقعة الطاهرة من الأرض، جنباً إلى جنب مع خريجي الأكاديميات الإيطالية، أما خريجو أقسام التربية الفنية بكليات التربية لم يكونوا على نفس النسق الذي كان عليه خريجو المعهد لا من حيث الاستعداد أو الرغبة.
والجدير ذكره هنا.. أن بعض الأكاديميين في أقسام التربية الفنية بكليات التربية، قد قام ببيع الوهم للدارسين وطلاب الماجستير، خاصة فيما يخص رسائلهم العلمية مما تسبب في اتساع بؤرة الفجوة التي يحاول النقاد ردمها، وتمهيد الطرق وتعبيدها لتقريب المسافات.
* بدأنا مؤخراً نطالع إصدارات عن السِّيَر الذاتية لبعض الفنانين يغلب عليها أسلوب فرض الذات، قام بإعدادها بعض مدعي التأليف، كيف تراها؟ وما مدى أهمية المادة على الساحة؟
ـ لقد أوردت عبارة (أسلوب فرض الذات) في نص سؤالك، وكأنك تشير لتشكيلي السوري، الذي أعد كتاباً عن السيرة الذاتية للتشكيلي السعودي سعيد العلاوي، وهو بصدد ضخ إصدارات أخرى.. يا أخي الفاضل إن مثل هذه السلوكيات وافدة إلينا وليست متأصلة، فانظر إلى معد السيرة الذاتية وأين تمت عملية طباعة تلك السيرة، كي تحكم بنفسك، فلا حسيب ولا رقيب، إذن لماذا نستنكر فقط مثل هذا الوضع الرديء؟ الذي يعد من ضمن إفرازات مخاض رحم قوى الاستعمار الفرنسي، الذي ابتدع قضية صناعة النجوم، فليس هنالك مؤلف، بل معد من
المرتزقين الذين يأكلون بثدي أقلامهم، بعد أن يعمد على غسل عقول بعض من الممارسين المبتدئين لعمل شغل (بزنس) ، إنها علة لنفس مريضة مقترنة بنفس عليلة أخرى.. آثرت تغييب الوعي وتزييف الحقائق، عمادها الكذب والخداع والتدليس، وفي النهاية سوف يدعي من يدعي بأنه ممن ساهم في تأسيس الحركة النقدية التشكيلية في المملكة، وفي الوقت نفسه نجد ان كل من بدأ ببذر بذرة النقد التشكيلي بكل أمانة وصدق من مواطنين أم مقيمين مخلصين يُحاربون عقاباً على مصداقيتهم وصراحتهم.
إن تفشي مثل هذه الظاهرة يعد من أبرز المحن التي تواجه تجربتنا التشكيلية بل وأشرسها.. إنه سرطان يعمل على تفتيت وحدة المجتمع وقيمه ومبادئه ولحمته، فهل نحن مستعدون للمواجهة؟
* هنالك أسماء أخذت موقعها الريادي عطاءً وتواجداً، ماذا عن علاقتك بهم؟ وكيف تكتب عنهم؟ وما مدى استجابتهم لنقدك؟
العلاقة ولله الحمد علاقة حميمة مبنية على الاحترام والتقدير المتبادلين، وليكن في علم الجميع ليس هنالك محاباة أو مجاملة عند الكتابة عن أي فرد منهم، حيث إني أجيد فن الفصل فيما بين الصداقة والعمل الجاد المثمر، كما أني أجد ان استجابتهم لنقدي استجابة إيجابية مثمرة لكلا الطرفين، من خلال فتح باب الحوار والجدل العلمي وتفعيل أدب المخالفة.
* لما تقتصر كتاباتك على حال التشكيل في المنطقة الغربية، مع أنك مطلع على كل قديم وجديد على الساحة التشكيلية المحلية والإقليمية؟
تساؤل جيد وأثمن توجيه نظري إلى كل شبر من وطننا الحبيب، وأشكرك على ثقتك في قدراتي، لا أقول: ليس بالإمكان أفضل مما كان، بل أقول: نحن على موعد مع كل ذرة تراب ونفحة هواء لوطننا الحبيب تداعب نفوسنا وأرواحنا، فالوطن غالٍ، واللهِ غالٍ، فبدعواتك ودعوات المحبين سوف نصل إلى أهدافنا المنشودة معاً، هنالك قدرات وطاقات مبدعة في كافة أنحاء وطننا الغالي، تستوجب الإشادة وإبراز خبراتها وتجاربها للأجيال القادمة من المواهب الفنية والمتعطشة لتنهل منه ماء سلافا، هذا هو واجبنا تجاههم، ولن نبخل.. بما نملك من خبرات.. متواضعة في إلقاء الضوء على تجاربهم التي أثروا بها الساحة التشكيلية، فهنالك قصور واضح منا.. والله المعين.
* هل هنالك ما تود إضافته في نهاية حديثنا؟
أشكر جريدة الجزيرة (المجلة الثقافية) ممثلة في الفنان الناقد: محمد المنيف، على إتاحة هذه الفرصة، والشكر موصول لكل من رحب صدره لقراءة هذا الحوار، عسى ان يعم بنفعه الجميع، وأختم بقولي: إن البيت الذي يبنى حسب أذواق الآخرين يبقى بدون سقف، فلا معارضة قبل الفهم، ولا حكم قبل العلم، فان من يتكئ على شجرة ضخمة يجد نفسه تحت ظلالها، وعلى من يحاول الفرار من المطر ألا يقعد تحت المرزاب، كما وأن القفص الذهبي لا يطعم العصفور، فالذين يستحقون الإطراء هم الذين يستثمرون الانتقادات، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved