الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 12th January,2004 العدد : 43

الأثنين 20 ,ذو القعدة 1424

أوراق مشاكسة
مقالات في الفكر والأدب

تأليف: أحمد يوسف داوود.
دمشق: اتحاد الكتاب العرب دمشق، 2002.
«أوراق مشاكسة» هي مقالات تلامس مشكلات وقضايا ذات صلة بآثار الوضع الحضاري العالمي الراهن وانعكاساته على حياتنا العربية حسبما تتبدى في نماذج واتجاهات في الفكر والأدب.
حيث يعتبر المؤلف ان الوضع الحضاري العالمي الراهن هو بداية مرحلة انتقالية في البنيان الحضاري الرأسمالي القائم منذ قرون وهي مرحلة ستسفر عن جديد في نهاية الأمر ربما لا يكون ثمة مكان فيه إلا للأمم التي عرفت كيف تحل مشكلاتها التي خلقتها وتخلقها الفعالية الابتزازية والنهائية التدميرية للهيمنة الرأسمالية الامبريالية على الأرض لا بل ان المتشائمين من الدارسين المستقبليين يرجحون حدوث كوارث مختلفة قد لا تسمح إلا لقة قليلة من بشر الأرض بالبقاء والعيش وفي مدى زمني قريب.
فالمرحلة الانتقالية المشار إليها ليست وليدة بضع سنوات أو عقد أو عقدين من الزمن، بل هي محصلة تراكمات تاريخية لفعالية الرأسمال ولتطوراتها علميا وتقنيا واقتصاديا وعسكريا وسياسيا وثقافيا منذ ابتداء ما يسمى بنهضة أوروبا، فقد كانت الحرب العالمية الثانية بداية انعطاف حاد في معطيات تلك الفعالية وآثارها على العالم كله.
ويشير أحمد يوسف داود في تقديمه «لأوراقه المشاكسة» إلى جملة أمور تخص أوضاعنا العربية حيث كان الوطن العربي ولا يزال هو الأكثر استهدافا للفعالية الرأسمالية الغربية لأسباب كثيرة حيث ولد ذلك الاستهداف مزيدا من المشكلات المزمنة وفاقمها وجددها وأضاف عليها.
وتحت وطأة ذلك لم يصبح العرب مجرد مستهلكين نمطيين لنفايات الإنتاج الحضاري المادية منها والثقافيةومجرد منفعلين لا فاعلين ومن موقع التبعية بمختلف أشكال القوة بمعطيات النمط الحضاري الرأسمالي بل أصبحوا أيضا مثالا نمطيا للعجز المزمن والمتفاقم عن حل أية مشكلة تواجههم مهما كانت درجة حيوية حلها ومهما كان طابعه المصيري بالنسبة إليهم.
وخلال النصف الثاني من القرن العشرين تجلت التبعية في الفكر والأدب تجليا كشف مع نهاية مرحلة الحرب الباردة لا عن صورة مضحكة مبكية مؤسفة وحسب كما يقول المؤلف بل ايضا عن زيف وعي عام كانت له أسوأ النتائج والمردودات حتى الآن. فمع انتهاء الحرب الباردة أخذ التخبط الفكري في فهم الذات والهوية وعلاقتهما بمستجدات حركة العالم يتزايد بوتيرة فادحة فاضحة لدى غالبية المشتغلين بقضايا الفكر بينما دخل الأدب بأجناسه المختلفة في أنفاق تبدو مسدودة، وفي الوقت ذاته برزت هشاشة التكوينات البنيوية المجتمعية والدولتية معا وأخذ النكوص نحو البنية القرابية الانحطاطية بخرافية وعيها وبدائية علاقتها يشتد مع اشتداد العجز والتخبط أمام المعطيات الجديدة للفعالية الامبريالية التي صارت عميقة التحصين بوضوح بالغ.
وعن الكتابة ومشكلاتنا في النصف الثاني من القرن العشرين يتساءل السوري هل التقدم التقني المرتبط بإنتاج الأدوات والسلع ومختلف الأشياء التي تعطي الوجود الإنساني مظهرا خارجياً بالغ الثراء والغنى وحقائق داخلية روحية بالغة الفقر وسيكولوجية بالغة التصدع إلى حد تبديد الشخصية وقيمية بالغة السطحية والاهتزاز والابتذال، مع ما لا يحصى أو يحصر من المخاوف الفردية والجمعية الصغيرة منها والكبيرة إضافة إلى حقائق شاذة أو بالأحرى مفزعة الشذوذ في التركيب الاجتماعي الإنساني الذي يبيح لبضعة ملايين من البشر المتمولين والمتحكمين أن يسيطروا على مصائر عدة مليارات سيطرة استعبادية تدميرية وشمولية.. هل هذا التقدم هو التقدم الإنساني الفعلي أم أنه النسخة الزائفة لما يجب أن يكون، فالوضع البشري الراهن ليس أكثر من وضع انتقالي إجمالي على المستوى الكلي الراهن، هذا الوضع الانتقالي لا يمكن له أن يطول حتى لبضعة عقود وذلك بسبب التسارع الشديد في وتائر عناصر التغير وفواعله الأمر الذي يسرع حركة التاريخ ذاتها بحكم انعكساته على أوضاع القوى البشرية المختلفة والمتناقضة والمتصارعة علنا أو ضمنيا.
وما يمكن استنتاجه بسهولة من ذلك هو أن الاستقطاب الأحادي القائم محكوم عليه ألا يبقى كذلك في الحاصل الأخير وبالتالي فإن قيادة أمريكا لمجريات حركة الأوضاع الدولية الآن هي قيادة مؤقتة وعارضة فما الذي سيحدث حين تنحسر هذه القيادة أو تزول.
حول قضية الكتابة والكاتب المفهوم والوظيفة وعلاقتهما بالعملية الاجتماعية يؤكد أحمد يوسف داود أن الكتابة فعالية يقوم بها الكاتب أديبا كان أم باحثا أم مؤرخاً أم ناقداً أم مفكرا أم فيلسوفا حيث هو يدون تمثلاته لطبيعة الوجود الإنساني وأبعاده ومعناه ولآفاقه وغاياته ووساله وداخل هذا التدوين يسجل عواطفه ورغبته وانفعالاته الذاتية تجاه مختلف القضايا التي تثيرها كيفية تلك التمثلات وكل ذلك خاضع لشروط مركبة من معطيات الزمان والمكان.
ويؤكد الباحث ان إحدى النتائج الكبرى لتلك الهيمنة الثقافية على الوطن العربي هي إحباط المشروعات النهضوية القائمة أساسا على تحديث الثقافة العربية وقد بات المعنيون جميعا بحداثتنا الثقافية يعترفون بفشل تلك المشروعات النهضوية ويبحثون عن بدائل حيث يبدو وفي ظل التخبط والفوضى انعدام المعيارية الموضوعية في التقويم اذ هي لا ترتكز إلى مرجعية غائية تنتج منظومة قيم جمالية مهمتها إظهار الدلالات المتناغمة مع الحاجات الحقيقية لمجتمع أو «خليط مجتمعات» يسعى إلى إزاحة الهيمنة ومنعكساتها ومستجراتها وإلى الاستجابة الصحيحة للتحديات الحضارية الكبرى التي صارت اليوم تهدد كل مجتمع فقد مشروعه النهضوي بالإفناء أكثر ما تعده بالبقاء.
ويشير الباحث في هذا الإطار إلى أن ضرورة تجديد البنيان الثقافي العربي لا بد له من إعادة تمثل التراث العربي الإسلامي في ضوء الاحتياجات التي تفرضها تحديات العولمة وبالاستناد إلى مصدر هذا التراث القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حيث لابد من اعتماد منظومة القيم الأساسية المقرة فيها من إيمان وتوحيد وعدالة ومساواة ويسر وجهاد ضد الشر ونفي للخرافة إضافة إلى طلب العلم وأخذ «بالمصالح المرسلة» التي استنبط الإمام محمد عبده أصلها من السنة النبوية الشريفة وإعادة استبناء ذلك كله في نسيج ثقافي واضح الاستهدافات بحيث يراعي كرامة الإنسان العربي وحريته وحقوقه العامة والخاصة مراعاة تحفز طاقاته الإبداعية وتضعها في نطاق الحفاظ على الخصوصية القومية والهوية الحضارية المتمايزة دون شوفينية أوعرقية أو استعلاء.. ورفع ذلك كله إلى مستوى عال من التفاعل الإنساني السوي المتوازن الذي يحقق للبشرية الخير والعدل والسلام في أطر التسامح والنبل والعمل الدائم على مكافحة الشرور ورفع الظلم بمختلف الوسائل عن سائر المخلوقات الإنسانية وسائر الأمم والمجتمعات.
أما القسم الثاني من الكتاب فيأتي في إطار القضايا الفكرية والمناقشات، فيما جاء القسم الثالث بمثابة مقالات ومراجعات في الأدب واللغة.
فعن حق التجريب المستمر يرى أحمد يوسف داود أن التجريب هو ابدا طريق الإبداع والتجدد وفي الأدب يبدو التجريب للأشكال الممكنة ولاستكشاف الطاقات الكامنة في اللغة عبر أنماط جديدة من الأداء نوعا من الضرورة الواجبة حيث لا شرط هنا إلا شرط التقيد بالأسس العامة للبنيان الثقافي القومي الخاص بالأمة حيث يستلزم ذلك شرط التقيد بالتوجهات التي تمليها ظروف العصر حرصا على تمايز الهوية وضمانا للبقاء والازدهار في مستقبل حضاري يبدو مقلقا إلى حد كبير.
كذلك الأمر بالنسبة إلى القديم والجديد عند المثقفين العرب ومقاربة في العلاقات بين السياسة والثقافة والإعلام وملاحظات حول علاقة الإعلام بالأدب وعالم لا يستحق حتى الرثاء.. هي عناوين مقالات ضمها الكتاب الجديد.
يقع الكتاب في «280» صفحة من القطع العادي.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
كتب
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved