Culture Magazine Monday  12/03/2007 G Issue 190
عدد خاص
الأثنين 22 ,صفر 1428   العدد  190
 

الغذامي والمشروع الثقافي
الأستاذ الدكتور وجيه فانوس

 

 

يحضر عبدالله الغَذَّامي في الحياة العربيَّة المعاصرة عبر ما بات يُعْرَفُ بـ(النَّقد الثَّقافيّ)، وهذا حضور يميِّز صاحبه عن كثيرين سبقوه في مجال السَّعي إلى تغيير ما في الحياة العربيَّة عبر ما يُعْرَفُ بـ(الدَّرس الثَّقافيّ). فالتجربة الثَّقافيّة العربيَّة، من رفاعة الطهطاوي وأحمد فارس الشِّدياق مروراً ببطرس البستاني وقاسم أمين وعبدالرَّحمن الكواكبي وعبدالحميد بن باديس، وصولاً إلى أمين الرَّيحاني وطه حسين ومصطفى عبدالرَّازق وساطع الحصري، كانت تشهد لمصلحين فكريين واجتماعيين وسياسيين، لكن قلَّما عرفت فاعلاً ثقافيَّاً ينهض في آرائه على المنهج الذي يتِّبعه الغَذَّامي وينادي به. لقد شكلت جهود هؤلاء محاولات إصلاحيَّة؛ إذ كان لكلٍّ منهم رؤيته الخاصة في ما حسِب أنّه نقاطُ تخلُّفٍ في الحياة العربيَّة؛ وعلى أساس هذه الرؤية كان سعيه إلى طرح ما اعتقده منقذاً من التخلُّف الذي رآه. والذي يميِّز ما يقوم به الغَذَّامي، عمَّا قام به هؤلاء وأمثالهم، يكمن في المنهج الذي اعتمده في بذل جهوده تجاه الثقافة الإنسانيَّة عامَّة والعربيَّة خاصَّة. فلئن نهض أولئك على أساس من رؤى أو مشاريع، فالغَذَّامي يسعى للنهوض على أساس ما يسميه هو بـ(النَّقد الثَّقافيّ). ولا بدَّ، ههنا، من الاعتراف للغذَّامي بريادةٍ عربيَّة ما في مجال (النَّقد الثَّقافيّ).

عرفت الثقافة العربيَّة ممارسات نقديَّة في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والتربية والأدب، ولعلَّ الأدب، بشعره ونثره، استحوذ على الحصَّة الكبرى في النتاج الثَّقافيّ العربي طيلة عهود قد تكون بدايتها من مرحلة ما قبل الإسلام ولن تكون نهايتها في الزَّمن الحالي؛ إذ هي مرشَّحة للاستمرار طيلة مراحل زمنيَّة مقبلة. وهذا النَّقد كان في غالبه، وربما ما برح كذلك، نقداً قواعديَّاً يسعى إلى قراءة موضوعاته عبر مقابلتها بقواعد وأصول مثاليَّة مُتَّفقٌ عليها بين جمهور المُنَظِّرين والنُّقاد والمتلقِّين على حدٍّ سواء. ومن هنا، كان على (المُنْتَجِ)، أيّ مُنْتَجٍ كان، فكريَّاً أو اقتصاديَّاً أو سياسيَّاً أو تربويَّا أو أدبيَّاً أو سوى ذلك، أن يخضع، في العمليَّة النَّقديَّة، لامتحانِ مدى تطابقه مع تلك القواعد والأصول المثاليَّة المُتَّفق عليها؛ ومن هنا يَصْدُرُ الحُكْمُ النَّقدي بقبول هذا (المنتج) أو رفضه أو اقتراح تعديلات معيَّنة عليه. فالنَّاقد، في هذه الحال، أشبه ما يكون بالشُّرطي الذي لا مناص له من تطبيق قانون وضع سلفا لحالات هي قيد الحصول. وبالفعل فإن هذا ما وسم ممارسات معظم، إن لم يكن كل، الذين عملوا على درس الثقافة العربيَّة وسعوا إلى تعليق ما عليها أو إصلاح ما في أحوالها؛ فكانوا في مساعيهم (وُعَّاظا) اجتماعيين أو سياسيين أو اقتصاديين أو تربويين أو أدبيين يسقطون الأحكام والتَّوجيهات بناءً على فكر أو أفكار مسبقة، وقَلَّ أن تمكَّن أحدٌ منهم من تقديم درس عضوي حقيقي لواقع الحال الثَّقافيّ، ينبع من طبيعة وجود هذا الحال ويكشف عن عوامله وأسباب تكوينه وحصوله.

يأتي الغَذَّامي، إلى الفعل الثَّقافيّ العربي، بإيقاع آخر، وبمنهج مختلف؛ وهذا ما يفترض أن يصل بالغَذَّامي ومعالجاته والنتائج التي تنبثق عن هذه المعالجات إلى ضفَّة متميِّزة في دنيا الفعل الثَّقافيّ العربي. من الواضح أن الغَذَّامي متأثِّر بما يُعْرَفُ في الثقافة الغربيَّة المعاصرة بـ:النَّقد الجديد؛ وهو النَّقد الذي لا يسعى إلى إصدار أحكام القبول والرَّفض والتوجيه، بقدر ما ينهد إلى فهم القضايا التي ينظر فيها والكشف عن مكوناتها وطبيعة تفاعل هذه المكوِّنات فيما بينها لتصل بالقضيِّة إلى ما وصلت إليه. إنَّه جهد لا يقوم على قواعد مسبقة وأصول مثاليَّة متَّفق عليها، بل هو سعي إلى قراءة موضوعاته عبر العلم والمنطق والتَّحليل لفهم آليَّة الفعل في هذه الموضوعات. أمَّا الفلسفة التي تكمن وراء كل هذا، فتكمن في القول بأن فهم آليَّة الفعل تقود إلى معرفة حقيقة الفعل ومعرفة كيفيَّة العمل إمَّا لتعزيزه أو تعديله أو هدمه. ومن هنا، لم يعد النَّقد مجرد كشف لعيوب ونواقص تنهض على فكر مسبق، بقدر ما صار فهماً لواقع معيَّن واستكناهاً لآليات فعل هذا الواقع، وسعياً إلى الكشف عن آفاق جديدة للوجود من خلال هذا الواقع بالذَّات. ولقد تخلَّى النَّاقد، بذا، عن دوره الخطابي الوعظي أو الإصلاحي، ليبدأ دور الكاشف لما كان وما يمكن أن يكون عبر التَّحليل الموضوعي والرؤية العلميَّة. ومن هنا كانت انطلاقة الغَذَّامي في العمل على قضايا الثقافة العربيَّة، بل من هنا يأتي تميُّز الغَذَّامي، وربما ريادته في مجال النَّقد الثَّقافيّ. ولعل الغَذَّامي من أوَّل الذين أطلقوا مصطلح النَّقد الثَّقافيّ، إن لم يكن أوَّلهم، في هذا المجال؛ من غير أن يغمط المرء ما قد يستحقه عبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم عبر محاولتهما في الدَّرس الثَّقافيّ في كتابهما المعروف (في الثقافة المصريَّة).

لئن تبنَّى الغَذَّامي، كما يبدو في قراءته للثقافة العربيَّة، مناهج (النَّقد الجديد)، فإنَّه يعمد في معظم قراءاته هذه إلى منهجيَّة (التَّفكيك) و(إعادة التَّركيب). وإذا ما كان الغَذَّامي يُفَضِّل اعتماد تعبير (التَّشريح) للدلالة على ما يعرف عادة بالتَّفكيك، فالتَّشريح يرتبط، في السياقات المفهوميَّة التَّقليديَّة، بما هو موات أو ميت؛ ولأن الثقافة خاصَّة، وما تقوم عليه من نصوص أدبيَّة، وجود حي فاعل، فإن في (التَّفكيك) ما يعطي نَفَسَاً إنعاشيَّاً، ولو ظاهرياً، في هذا المجال، ويحافظ للثقافة ونتاجاتها على حيوية وجود هي لب ما يعمل الغَذَّامي، ومن هم مثله في هذا المجال، على تعزيزه.

عالج الغَذَّامي عبر منهجية التَّفكيك معظم الموضوعات التي تطرَّق إليها منذ أن نشر عمله الأول (الخطيئة والتكفير) سنة 1985، إلى آخر مرحلة من أعماله المتمثِّلة في (النَّقد الثَّقافيّ) سنة 2000 و(الثقافة التلفزيونية) سنة 2004، وصولاً إلى (حكاية الحداثة في المملكة العربيَّة السعودية) 2004، مروراً بـ(المرأة واللغة) سنة 1996 و(ثقافة الوهم، مقاربات عن المرأة واللغة والجسد) سنة 1998 و(تأنيث القصيدة والقارئ المختلف) سنة 1999، وغير ذلك من الكتابات والمنشورات. والملاحظ أن فاعليَّة الأنثى والتأنيث والأنوثة في الثقافة العربيَّة شكَّلت اللُّحمة لكثير من سَدى منهج الغَذَّامي ومنهجيَّاته التطبيقيَّة. ومن هنا، فقد يكون لتعامل الغَذَّامي، عبر النَّقد الثَّقافيّ، مع موضوع الأنثى والتأنيث والأنوثة في الثقافة العربيَّة ما يمكن أن يشكل مساحة معطاء للبحث في منهجه النَّقدي هذا، وما قد يلحق بهذا المنهج من منهجيات، وما يترتب على كل هذا من سمات ونتائج تتوجَّه إلى الوجود الثَّقافيّ العربي مخاطبةً لناسه، ومضيئة على بعض ما هم فيه، أو مشيرة إلى بعض ما يطمحون إليه أو ينفرون منه في مستقبل ثقافتهم ودورها في تشكيل حياتهم. يمارس الغَذَّامي (تفكيكه) الثَّقافيّ في (المرأة واللغة) بدءاً بمي زيادة والجاحظ، ومروراً بابن جنِّي وبنت الشاطئ (عائشة عبدالرحمن) ناهيك بنوال السعداوي وغادة السمان، مع توقف متأن عند حكايات ألف ليلة وليلة عبر شخصيَّة شهرزاد، من غير أن يغفل كارل يونج وكلاريسا استيز، فضلاً عن الإفادة من تجربة مارغريت تاتشر وبعض مسرحيات سوفوكليس مع إبقاء العين يقظة على مسارات النَّحو واللُّغة والدِّراسات القديمة والمحدثة في هذا المجال بالذَّات. أمَّا في (ثقافة الوهم - مقاربات حول المرأة والجسد واللغة)، فالغَذَّامي يسعى إلى تفكيكٍ لإحداثٍ ومفاهيم ثقافيَّة تبدأ بحركة معاصرة لنشر الكتب التراثية، معرِّجة على ما يمكن استشفافه من قضايا الأنثى والتأنيث والأنوثة في هذه المنشورات ودلالاتها الزَّمانيَّة عبر الماضي والحاضر؛ فيسعى إلى تفكيك فكر النفزاوي وابن قيّم الجوزية وابن حزم وسواهم، مع التفاتات إلى ومضات من نصوص الأدب العربي بدءاً من مرحلة ما قبل الإسلام وصولاً إلى المراحل الإسلامية الأخرى، ثم يتطرق إلى تفكيك ثقافي لحكايات غير عربيَّة من حضارات متعددة ليست حضارة الهنود الحمر إلا واحدة منها.

يشكِّل كتابا الغَذَّامي (المرأة واللغة) و(ثقافة الوهم - مقاربات حول المرأة والجسد واللغة) أنموذجاً طيِّبا لـ(تفكيك) يسعى إلى استكشاف بعض ما في منهج الغَذَّامي ومنهجياته في مجال النَّقد الثَّقافيّ؛ إذ يكاد الكتابان يكونان متفرغين لتفكيك الثقافة عبر فاعلية الأنثى والتأنيث والأنوثة فيها. ومن الواضح أن الغَذَّامي، وإن أكثر من الاعتماد على نصوص عربيَّة قديمة ومحدثة، بيد أن تعويله على كثير من النصوص غير العربيَّة قديمة كانت أو محدثة، وعرضه لشهادات وخلاصات مستلَّة من أبحاث من مجتمعات غير عربيَّة، يوضِّح أن الهدف الأساس عند الغَذَّامي هو تفكيك فاعلية الأنثى والتأنيث والأنوثة في الثقافة الإنسانيَّة إجمالا، قبل أن يكون تركيزه على تفكيك لهذه الفاعليَّة في الثقافة العربيَّة بشكل خاص. فالغَذَّامي، ههنا، ناقد ثقافي إنساني، يتعاطى الثقافة باعتبارها سمة إنسانية عامة ووجودا إنسانيا شاملاً، قبل أن يتعاطى معها باعتبارها وجوداً عربياً له ميزاته وشمائله الخاصة به. ولعل في هذا التأسيس من قِبَلِ الغَذَّامي ما قد يشير إلى اعتقاد له بإنسانية الثقافة قبل أن تكون الثقافة تمايزا مناطقيا أو تاريخيا بين الناس.

يصل الغَذَّامي، عبر تفكيكه النُّصوص والممارسات الثَّقافيّة، إلى خلاصة حول الثقافة الإنسانيَّة، والثقافة العربيَّة جزء لا يتجزَّأ منها؛ وتقول خلاصة الغَذَّامي، في هذا المجال، إن الثقافة الحضاريَّة للإنسان هي ثقافة ذكوريَّة بامتياز تغلغلت ذكوريتها في اللغة والفكر والمفاهيم والتعبير والطموح والمثال، بل في جميع أمور العيش وقضاياه. ويلاحظ الغَذَّامي أن ثمَّة خروجا على القاعدة في هذه الثقافة يتمثَّل عبر نتاج أدبي وفكري لرجال ونساء سعوا إلى كسر ما لهذه الهويَّة الثَّقافيّة للوجود الإنساني. وهنا تقف بعض نصوص لأمثال أحلام مستغانمي وابن قيم الجوزية مثالاً على هذا الكسر للهويَّة السَّائدة.

ومن الواضح أن ما يصل إليه الغَذَّامي، ههنا، ليس بالجديد على الإطلاق، بل هو ممَّا يكاد يكون من باب تحصيل الحاصل أو الإقرار بالمُسَلَّمِ به. الجديد والمثير وربما المُرعب في عمل الغَذَّامي أنَّه، بتفكيكه للنُّصوص الثَّقافيّة، استطاع أن يشير، بمنهج علمي ومنطق موضوعي ودليل معرفي، إلى ما هو من باب المُسَلَّم به والمُتَّفَق عليه. وواقع الحال، فإن ثمَّة فرقا مفهوميا معرفيا، ربما، بين أن يكون الأمر من باب المسلَّمات المتَّفَق عليها تواتراً أو توارثاً، فيصبح وقد تجلبب بهالات من القداسة أو الغيبيَّة أو ما يمكن أن يُسَمَّى بـ(التَّابو) ويصبح، بطبيعة هذا التجلبب، عصيَّاً على المناقشة وبعيداً عن أي معالجة علميَّة موضوعيَّة؛ أو أن يكون الأمر من باب النتائج الموضوعيَّة لحالات قابلة للدرس العلمي والتَّفكير العقلاني، فيصبح، بهذه الحال، قابلاً للمناقشة وعرضة للتغيير أو التَّبديل أو التَّطوير أو الإلغاء. ولذا، فكل فضل للغذَّامي، عبر تفكيكاته هذه، يتمظهر في أنَّه جعل مما كان غير قابل للنقاش قابلاً للنقاش، ومما كان صامداً في قوقعات التَّحجُّر قابلاً للتغيير وإعادة النَّظر. ولعلَّ في هذا ما يُفَسِّر ما يلقاه الغَذَّامي من إقبال ونفور وتأييد ومعارضة وتشكيك وتصديق. إنَّه ناقد تمكَّن عبر منهج جديد وآليَّات منهجيَّة طريفة أن يميط اللثام عن حقيقة المعروف وطبيعة المسلَّم به؛ ولا بدَّ من الإشارة، ههنا، إلى أن كثيراً من النَّاس لا يهتزون، فرحاً أو جزعاً، من معارفهم، لكن غالبيتهم لا تستطيع إلا أن تنفعل عند معرفة حقيقة هذه المعارف وطبيعتها.

ويبقى ثمَّةَ أسئلة مُلِحَّةً ومُقْلِقَةً وعاصفةً:

- هل يشكِّل ما يقدمه الغَذَّامي، عبر ممارسته النقد الثَّقافيّ، مشروعاً ثقافيَّا؟

- هل يمكن، لما يصل إليه الغَذَّامي من نتائج أو إشارات، أن يُشَكِّل مدماكاً في بناء ثقافة إنسانيَّة، أو عربيَّة، مختلفة تعيش فيها الأنثى حقيقة أنثوتها على مختلف مستويات العيش ونتائجه؟

- هل بإمكان كتابات الغَذَّامي أن تبني ثقافة الإنسان، بوصفه إنساناً وليس باعتباره إنساناً يهيمن على الوجود الثَّقافيّ بذكورته أو أنوثته؟

وإذا ما كان من سعي للإجابة أو إجابات عن هذه الأسئلة، فلعلَّ بالإمكان الإشارة إلى عدة أمور لعلَّ من أبرزها:

- يقدِّم الغَذَّامي قراءة تفكيكيَّة لما هو معروف لا من أجل معرفته، ولكن من أجل معرفة أسبابه؛ وبذا فهو يختلف عن كثيرين سبقوه في مجالات الفعل الثَّقافيّ لأنه كاشف يطلب التحليل والبحث عمَّا يمكنه الوصول إليه من عوامل الفعل، وليس واعظاً ينطلق من أفكار مسبقة يلقيها في خطب إصلاحيَّة.

- يمكن أن يشكِّل ما يقدِّمه الغَذَّامي نواة لتأسيس مشروع ثقافي، لكنه ليس المشروع الثَّقافيّ بعينه؛ إذ للمشروع الثَّقافيّ، عناصر وجود تتجاوز مساحات الكشف والتَّحليل لتقع في أعماق الإحاطة المعرفيَّة والفاعليَّة التَّنفيذيَّة والتَّأثيرية على مستوى الجمهور. والغَذَّامي، في نهاية المطاف، أكاديمي، ومثل أي أكاديمي فهو محدود الإمكانيات بحكم أكاديميته، ومحدود الاهتمامات، بحكم تخصصه وممارسته. ومن هنا، فقد حصر جهوده بالكتابة ونشر ما يكتب ومقارعة خصوم الأكاديميا، كما حدَّد مساحات كشفه بالنصوص الثَّقافيّة الأدبيَّة، ولم يدخل رحاب ما يمكن كشفه عبر مساحات وجود كثيرة ومتنوعة فاعلة في الثقافة الحضاريَّة للإنسان لعل الاقتصاد والدين والجغرافيا وتطور العقل الإنساني بعضها.

- إنَّ أيَّ مشروع ثقافي يطمح إلى تغيير حقيقي في طبيعة الحضارة الثَّقافيّة الإنسانيَّة المهيمنة لا يمكن إلا أن يكون نتيجة تضافر جهودٍ لكثير من المفكرين والسياسيين والاقتصاديين، ناهيك بالفقهاء وقادة الجماهير والفنانين. إنَّه مشروع، بحكم ما فيه من سعة، وما يقوم عليه من تعدديَّة تأثيريَّة، لا يمكن أن يكون مشروعاً فرديَّا ينهض به (فدائي) أو (استشهادي) أو (مغامر فذ). ولذا، فإن (تفكيكات) الغَذَّامي تبقى مؤذنة بضرورة إعادة النَّظر في فهم النَّاس لفاعليَّة الحضارة الثَّقافيّة الإنسانيَّة، ويبقى معها الغذَّامي، ومن هم مثله، مجرَّد أصوات رائدة تصرخ حناجرها، من أعماق قلوبها ونزف قلقها ووجع وعيها وغزارة علمها وسعة طموحها، طالبة من يتجاوب معها حاضَّة إيَّاه على تبنِّى مجرَّد إمكانية القبول بأن الثقافة الإنسانية قابلة لأن تكون موضوع تحليل ونقاش وإفادة من تفاعلات العيش ونتائج الرُّقيِّ العقليِّ والمعرفيِّ للإنسان.

الجامعة اللبنانية - بيروت


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة