الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 12th April,2004 العدد : 54

الأثنين 22 ,صفر 1425

شرنقة تماثيل الزينة..!!
سهام القحطاني
(دعني اولا أصنع القارب وأنا واثق بأني سأجد طريقة أو أخرى لجره بعد اكتماله)
لا أدري لماذا تذكرت عبارة روبنسون كروز هذه التي أحفظها منذ قراءة هذه الرواية الرائعة، لعله ايماني ان على المرء أن يتعامل مع الممكن كحقيقة قابلة للفعل (ذلك جائز).
عندما نناقش حقائق الأشياء وممكناتها فنحن نسعى بذلك إلى إقامة التمييز بين الحقيقة والممكن، وهذا الامر هو الذي يحدد موقع الإنسان في التصنيف الفئوي للوجود المتغير، إن فكرة الامكان والتجريد والتمييز بين الوقائع ورموزها ومعانيها ومعطياتها فكرة خاصة بالإنسان تكونت نتيجة ذكائه المكتسب كما يقول أرنست كاسيرر، الذكاء الذي يعينه أمام تلاحق الممكنات أن يبحث عن ارتباطها التأصيلي بالحقائق، والتأصيل هنا مرادف لمعنى الثابت والركيزة، فما دون الإنسان من مخلوقات تفتقد قدرة تخيل الممكن فهي تعتمد في تصنيف الحقائق وفق مدركاتها الحسية كأفعال وردود أفعال انعكاسية وفق عادات الدوافع الفطرية التي تحددها ظرفية الثابت من المؤثرات.
ما بين العدم والوجود قوة الممكن، هذا الوسيط الجبار الذي أعان الإنسان على الخروج من شرنقة تماثيل الزينة في عهود طوطم تأليه الواقع على اعتبار أن التوازي والتطابق من محركات الصيرورة، ما قبل قوة الممكنات، إن فكرة الهيلويزمي هي التي أوحت للمصلحين فلسفة الممكن، فللأشياء ممكناتها في الانبثاق من الممتنع، الممتنع الذي تتجوهر عليه مألوفاتنا لتحويلها الى حقيقة مطلقة تترفع عن احتمالات الصيرورة، إن الوجوب والامتناع والحدوث والإمكان، محركات فعل الوجود الإنساني، ومواقفنا منها تختلف وفق ما تآلفنا عليه من الممتنع والمقبول من المحمولات الايديولوجية للمجتمع، لكن الممكن لا يتعامل مع الموجود بالفعل، لأنه ابدي الوجود غير قابل للعدم، لكن الممكنات تستنبط من الموجود الجائز القائم على اعتبار العللية.
إن إدراك الممكن كوجود جائز في ثقافة اي شعب هو امر ليس باليسير، لانه يصطدم بالمألوفات المترسبة داخل اعماق المنظومة المتعارف عليها التي تمثل سلطة ثقافية، إن الجاهزية لا تعني دوما عدوا للتجديد إلا إذا تجاوزت وظيفة الاحتماء، وتحول الوظيفة المعنوية إلى وجود اجرائي يعني تحولا إلى فعل سلطة، وفي ذات الوقت علينا أن نميز بين التجديد والاستجابات الشاذة التي يصنفها بعضنا فتحا جديدا ليلغي من خلالها الوظيفية الاحتمائية للجاهزية (البيئة الثقافية الموروثة) فالمقايسة وان حملت صيغة التجديد ليست معيارا للتجديد بل هي وجه آخر للجاهزية السلفية عن طريق صورة التقليد اذا مارسنا تكرارها بذات المقايسة، لذا ففعل سلطة التكوين للبيئة الثقافية هي سلطة طاغية سواء كجاهزية او مقايسة فحينما نولد نتهيكل داخل فيوض من المقولبات التي تمثل لنا نظاما ترميزيا كاملا هو ما يؤلف انتماءاتنا وخبراتنا التي تغلب عليها الطابع النقلي السلفي المنحدر من أنظمة اعرافنا، باعتبارها حقائق مطلقة صاغت طرائق تفكيرنا واطر تعاملنا مع الاشياء وفق نظام المحاكاة التي ألغت قدرة التنبؤ بالممكنات على نحو جزئي في انتاج نظام ثقافي مستحدث يطور النظام الجاهزي باعتبار ان الإضافة الممكنة لانساق ثقافة الترميز التي تشكلنا داخلها هي قابلة للامتزاج مع أنساق وبنى الثقافة الخاصة.
ان ممارسة تجريب الممكنات لا تعني صراعا داخل الثقافة الخاصة بل تعني فعل قابلية التطور، فالثقافة عالم من المستحدثات ذو حركة وتفاعلات وتشابكات تصطرع فيه المنظومات القياسية والممكنات.
ان تنضيد الممكنات ضمن سياق الثقافة البيئوية لاشك انها من مؤرقات الفكر الثقافي لاي شعب يسعى الى ايجاد علاقة اتزان بين الحراك الثقافي ومنظومة الأعراف من خلال الاستدعاء والتضمين والتحول وجائزية الممكن، والشرطية هاهنا لتجويز ارهاص الممكن تختلف من شعب لآخر، فنحن مثلا نشترط التماثل دوما في التغير مع الجاهزية الموروثة وبذا فنحن نحول الوجود الجائز (النظام العرفي) الذي يقبل الممكن الى وجود بالفعل، غير قابل للممكنات، وهذا ما يسبب التقاطع بين ثنائية التجديد والقديم في البيئة الثقافوية ثم الخلل في التفاعل الداخلي للتأثر والتأثير كون الممكنات هي نصوصاً قابلة للتحول الى تجربة ثقافية.
(فكم هو جميل ان نبحر نحو جزر تختبىء وراء أفق السماء الرائعة) هكذا يجب أن ترهص متعة الممكن.

++++++
sehamha@hotmail.com

++++++
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved