الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 12th April,2004 العدد : 54

الأثنين 22 ,صفر 1425

التوظيف الشعري «210»
د. سلطان سعد القحطاني

لم تكن الثقافة في المملكة العربية السعودية مجددة ولا مبتكرة، حين ظهورها، في الثلث الأول من القرن العشرين، ولهذا السبب ظروفه التي جعلت من الأديب (شاعراً أو ناثراً أو ناقداً) مقلداً لمن قبله من الأدباء والشعراء والنقاد، ولم تتكون مدرسة ذات طابع معين، قبل ظهور الصحافة السعودية، التي بدأت بصحيفة (أم القرى) التي ظهرت على أنقاض صحيفة (القبلة) التي تأسست في العهد الهاشمي. وكان الكتاب والشعراء ينشرون إنتاجهم في الصحافة العربية، في مصر وبلاد الشام، وعدن. ولهذا ظهر الشاعر السعودي مقلداً لمن قبله من الشعراء، مقتفياً آثارهم، بسبب تأثره بالثقافة العربية الموروثة، من ناحية، وعدم تمكنه من توظيف المعطى المحلي، من ناحية أخرى، والبعض تنقصه الموهبة الفنية الإبداعية، ولم يستطع الانفلات من هذه الربقة التقليدية، للأسباب التي أشرنا إليها، لأنه تأثر بالقراءة، ولم يستطع اختراق هذا النمط الشعري في بناء مفردات جديدة، لضعف الثقافة الجديدة، وضيق محيطها المحصور في نمط عروضي محاط بأسوار البلاغة الخاوية من المعنى، مما جعل الكثير من القصائد يتحول إلى نظم بارد، مزخرف بالبديع والجناس والطباق.. في محتوى فارغ من المضمون، يقوم على تركيب لغوي من المفردات القديمة على موضوع جديد، بل إن اللفظ يستعار برمته، في غير الاستعارة المعروفة في البلاغة العربية. ولا نود أن نردد العبارة، التي سار عليها القدماء، في النقد القديم (السرقات) تلك المفردة الثقيلة على السمع، وقد حولها النقد الحديث إلى (المعارضات) وهي المفردة الشائعة اليوم، على عدم دقة معناها، فالفعل (عرض) سار حذاءه، وعارض فلان فلاناً، أي سار بجانبه أو اقتفى أثره. وما نجده صور طبق الأصل لشاعر آخر، خاصة في مطالع القصائد، ولا تنطبق هذه المعارضات، في الكثير من الأحيان، أما في البيت بكامله، أو في المفردة الموظفة، لأن المفردة لم يعد لها وجود، أو أنها لا تنطبق على البيئة التي نظم الشاعر فيها قصيدته. والأمثلة كثيرة في هذا المجال، مثل (الخلاخل، والأطناب). ومنهم من استعار تراكيب القرآن الكريم، في غير محلها، ولم تكن هذه الاستعارات من التضمين المعروف، وان كانت جائزة في النثر، فإنها غير جائزة في الشعر، على رأي الدكتور عبد الله الحامد، ونختلف مع الدكتور الحامد حول هذا الري ونحترمه، على أي حال، فشعراء صدر الإسلام كانوا متأثرين باللفظ القرآني الكريم، مثل حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة، وغيرهما من الشعراء، والأدب الصادق وليد بيئته، وما زال اللفظ القرآني مؤثراً في النظم والنثر ما بقيت اللغة كائناً حياً، لكن يبقى توظيف اللفظ وما له من أهمية في السياق اللغوي والدلالة الفنية، دون التكلف واعتساف الشعر من أجل الوصول إلى الهدف المرسوم في ذهن الشاعر مسبقاً، وكان من المفترض أن يكون العكس تماماً. وقد امتد هذا النمط التقليدي،كتعبير مرتبط بالإسلام، يقول احمد محمد جمال:
(رب هب لي زوجي وأصلح شبابي
بهواها وحبها بالسلام)
وهذا البيت، على ما فيه من الضعف والتكلف، مضمن بآية من القرآن الكريم، فهو نظم يخلو من المعنى، أراد الناظم أن يظهر فيه توجهه الإسلامي، لكن المعنى سطحي، ولم يتفق مع معنى الآية الكريمة {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74) سورة الفرقان. وقد سيطر هذا المنهج التقليدي على شعراء الجيل الأول، مثل حسين سرحان، وهو يقول على النمط الجاهلي، وحتى الأموي، الذي يذكر فيه الشاعر أدوات الزينة الموجودة في بيئته، ولا نرى مانعاً من ذلك، في غير تقليد النص بالنص، ومنهم من سماه (التناص) والتناص له شروطه في غير هذا السياق، يقول السرحان:
(يا رب عاذلة وعاذل
في حب خرساء الخلاخل
بكرا يلوماني
ويحتدمان في جور وباطل)
وخرساء الخلاخل التي قال عنها حسين سرحان لم تكن ذات الخلاخل التي يعنيها خالد بن يزيد عندما قال في رملة بنت الزبير، يصف خلخالها، وأن ساقها تملؤه، فيقول:
(تجول خلاخيل النساء ولا أرى
لرملة خلخالاً يجول ولا قلبا
أقلوا عليّ اللوم فيها فإنني
تخيرتها منهم زبيرية قلبا)
وفؤاد شاكر، يذكر الطنب، في تعليل ليس في مكانه، عندما قال:
(قد سالمتك الليالي وهي طائعة
تلوذ منك بركن شامخ الطنب)
فالطنب غير شامخ، إنه حبل طويل تربط به الخيمة، لكن تقليدية الشاعر جعلته يختار هذه القافية، على ما فيها من النشاز، دون التفكير في انسجام المعنى في سياق القصيدة، ولم يقف فؤاد شاكر عند توظيف المفردة، التي ذكرنا شيئاً منها، بل تعدى ذلك إلى البيت كاملاً، في مطلع قصيدته (يوم اللقاء) التي استعار فيها مطلع قصيدة الشاعر العباسي، أشجع السلمي، عندما وصف قصر أحد الخلفاء في عصره فقال:
(قصر عليه تحية وسلام
نثرت عليه جمالها الأيام)
فقال فؤاد شاكر:
(يوم اللقاء تحية وسلام
رنت القلوب إليك والأيام)
ولا تكاد قصيدة من قصائد شاكر تخلو من المعارضة أو التقليد لشعراء العربية في كل العصور، إما البيت كاملاً أو كلمة، فقلد أحمد شوقي، وفؤاد الخطيب، وأبا الحسن التهامي، وخاصة قصيدة الأخير، حيث استعار منها جملة بكاملها. ومطلع قصيدة التهامي:
(حكم المنية في البرية جار
ما هذه الدنيا بدار قرار
وإذا رجوت المستحيل فإنما
تبني الرجاء على (شفير هار)
يقول فؤاد شاكر:
(قدر الرجال بكلفة الأقدار
لم يعله غير القدير الباري
أرأيت في الدنيا وفي تاريخها
مجداً يقوم على (شفير هار)
وليس من حق أي باحث أن يقوم بحكر المفردة اللغوية أو الجملة على شاعر دون آخر، فاللغة مشاعة للجميع، ما دامت الجملة تعبر عن معنى مبتكر، ليس مقلداً للسابقين، في الدلالة المعجمية. وإبراهيم الغزاوي، وهو رائد هذه المدرسة التقليدية من المغرمين بالتقليد، خاصة في مطلع قصائده التي قلد فيها السابقين والمعاصرين له من شعراء العربية، وها هو يقول:
(مرحباً بالأمير في أفيائه
وبأنواره وطيب زمانه)
ونجد أتباع هذه المدرسة يكثرون من النظم على منوال القدماء، من شعراء العربية، بل أن صورة السابق تظهر في قصيدة اللاحق، سواء من الجاهليين أو من المعاصرين، ولا تختلف إلا في لفظة عن أخرى، أما المضمون فواحد في كل الحالات، ومنهم الدكتور زاهر الألمعي. الذي يكاد الشاعر الجاهلي يطل علينا برأسه، في معظم قصائده فهو يتقمص شخصية بشامة بن حزن النهشلي، والمرقش الأكبر، وطرفة بن العبد، من الجاهليين، وأبي البقاء الرندي، وابن زيدون وابن خفاجة، من الأندلسيين، وغيرهم كثير. يقول:
(إنا بنو أمة تأبى مكارمها
أن تستكين لأطماع المعادينا)
ويقول النهشلي:
(إنا بنو نهشل لا ندعي لأبٍ
يوما، ولا هو بالأبناء يشرينا)
وقول المرقش الأكبر:
(إنا لنرخص يوم الروع أنفسنا
ولو نسام بها في الأمن أغلينا)
ويظهر تقليده واضحاً لأبي البقاء الرندي، في قصيدته المشهورة في رثاء الأندلس:
(لكل شيء إذا ما زاد نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان)
يقول الألمعي:
(لكل قول مدى الأزمان خذلان
إن لم يقمه على الإنصاف ميزان)
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved