الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 12th April,2004 العدد : 54

الأثنين 22 ,صفر 1425

حكاية الشجرة
منصور الجهني

قابع فوق شجرته
يردد لحنه القديم
وإذا ما سمع صوتا آخر تحمله الريح أو نسمات الصباح العذبة، نفض ريشه غاضبا وقال: ماهرا الصوت النشاز الذي كدّر علي هدوئي، ولوث سكون الطبيعة؟
كل ما عدا صوتي نشاز
كل ما عداه نعيق غربان، أو نقيق ضفادع
كل ما عداي تافه، أنا علمت الطيور معنى الحكمة، أنا علمتها أصول الغناء
لكن تلك الطيور اللعينة لا تمكث على شجرة واحدة
لا تستقر على غصن وحيد
إنها تحلق عاليا
تهاجر الى جزر بعيدة
تعبر آفاقا وبحارا
تجرب أشجارا كثيرة
وتعود بألحان لم يألفها المكان
فتتعدد الأصوات، ويضيع صوتي العذب في هذا الزحام
لكن هذا لا يهم.. فكل ما عدا صوتي تبدده الريح
هذه العصافير الطارئة لا تستقر على غصن
سترحل سريعا دون أن تترك أثر
ونبقى نحن.. من جمعتنا تلك الشجرة منذ القديم
نستعيد أغانينا
ونحرس هذا الفضاء من أي صوت عابر
نطرب المكان.. نحافظ على الذائقة السليمة لسامعي أصواتنا
نحميها من التلوث
حتى هؤلاء الملاعين (الهداهد) من كانوا يطبلون لنا
ويتراقصون على صدى أصواتنا
من كانوا يحملون أغانينا
ويفسرون مناماتنا، وحتى كوابيسنا.. اختفوا
ماعادوا كسابق عهدهم.. يتحلقون حولنا ويهتفون لنا
انشغلوا بأمور أخرى تافهة.. اللعنة!.
مرّة حطّ طائر صغير على ذات الشجرة
كان عائدا من رحلة طويلة..
عبر خلالها آفاقا.. اجتاز فصولا ومواسم
حلق فوق أشرعة بيضاء.. وأحيانا ملونة بحمرة الشفق
استمع الى أغنيات البحارة المسافرين إلى جزر بعيدة
تاه في ضباب الحقول والمدن.. تنقل من شجرة إلى أخرى
ومن فصل إلى فصل
فرد جناحيه تحت ظلال قوس قزح
عانق ألوان الطيف
التقى هناك طيوراً عديدة.. استمع إلى كل الأصوات
بدءا من البلابل حتى الغربان
ووجد الفضاء رحبا.. يسع الجميع
تساءل الطائر الصغير: أما زلت هنا يا سيدي فوق غصنك القديم؟ لماذا لا تجرب الخفق.. تحاول أشجاراً جديدة.. ترافق الفصول والمواسم في تجددها.. تقطف أزهار الدهشة.. تتأمل ألوان الفراشات؟
قال الطائر الكبير: لا يوجد أجمل من هذه الشجرة.. ولا أعذب من صوتي.. إن الفصول تمر بي دون أن ألاحقها.. تأتي إلي الطيور والفراشات ويمر النهر من تحتي.. لا حاجة بي إلى طيشك أيها التافه الصغير
ولكني أخشى عليك أن تشيخ مبكراً.. أن يذبل صوتك.. ويتساقط ريشك.. أن ينسى المكان صوتك.. لقد رأيت طيورا أكبر منك كثيرا.. طيور كانت تحلق قبل أن توجد أنت.. وربما هي التي علمتك الغناء.. طيور جاءت من حقول القصب ومن غابات النخيل لتغمس مناقيرها في جبال الجليد.. رأيتها ترافق اسراب الطيور الصغيرة.. تغني معها.. تجدد ريشها باستمرار.. فتصبح أكثر ألفا وحيوية.. بينما أنت.
غضب الطائر الكبير.. نفش ريشه.. قبل أن يسترخي على غصنه القديم ويردد: تافهون.. تافهون.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved