الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 12th April,2004 العدد : 54

الأثنين 22 ,صفر 1425

رحلة السيرافي
تحقيق: عبد الله الحبشي
أبوظبي : المجمع الثقافي ، 2000م

نسمع كثيراً ونقرأ كثيرا عن رحلات ابن بطوطة، ولكن قلّما سمعنا عن رحلات التاجر العماني النضر بن ميمون الذي تاجر بين عمان والهند والصين، وعاش فترة طويلة في الصين، وقلّما نقرأ عن رحلات سليمان التاجر الذي سافر من مسقط إلى الهند والصين في تجارة، أو الرحالة ابن وهب القرشي الذي ترك بغداد بعد ثورة الزنج عام 257هـ وسافر إلى الصين في تجارة ودعوة الى الله.
وهناك كثير من البحارة والرحالة العرب لهم صولاتهم في التاريخ، إلا أن كتبهم لم تلقَ الاهتمام الذي لاقته رحلة ابن بطوطة، لأنها رحلة جاءت متأخرة عنهم كثيراً، كما أن رحلة ابن بطوطة كانت سياحة برية وبحرية، هؤلاء الرحالة وإن كانت التجارة هدفهم إلا أنهم أمتعوا رجال الجغرافيا والتاريخ والأنثروبولوجي بكتاباتهم الوصفية للحياة اليومية للناس والسكان في مناطق مختلفة، وكانوا يسجلونها أو يحكونها من باب التعجب والتندر على اختلاف الطبائع والملل. أي أن هذه الكتب هي سجل لما كان عليه الناس في ذلك الزمن والذي مضى عليه ما يتجاوز ألف عام.
وهذا الكتاب واسمه (رحلات السيرافي) قام بتأليفه المؤلف أبو زيد السيرافي وهو لا يحكي قصص رحلات قام بها هو، بل يحكي عن رحلة اثنين من الرحالة العرب وهما: سليمان التاجر العماني وابن وهب القرشي، وكلاهما عاشا في أوائل القرن الثالث الهجري، وجمع هذا المؤلف تاريخ وقصص رحلاتهما ونسبها إلى نفسه، إلا أنه أدى الأمانة وذكر أن هذه القصص رواها سليمان التاجر وابن وهب. وهذا الكتاب كتبه المؤلف بعد وفاة الرحالة الحقيقيين بأكثر من مائة عام، امتلأ بالقصص الغريبة والعجيبة، وحيث إن الخرافة كانت سيدة القصص والروايات فإن الكاتب حاول بقدر استطاعته تنقية الوقائع من الخرافات التي يرى أنه يصعب التصديق بها، ويقول :إنه كتب ما يمكن تصديقه ولم يثبت في كتابه إلا ما وافق عليه رجال ثقاة استشارهم وناقش معهم هذه القصص.
ونحن في زماننا الحاضر نرى أن بعض هذه القصص غير معقولة، ولكنه كتبها في زمانه الذي مضى عليه الآن أكثر من ألف ومائتي عام. وله العذر في ذلك فإن الأعاصير التى كانت تهب على السفن في المحيط الهندي وتسمى (التيفون) في عصرنا الحاضر كانت حقيقة يتحدث عنها الجميع، ولكنه وصفها وسجلها كحقيقة كما يلي: ( وربما رؤي في هذا البحر سحاب أبيض يظل المراكب، فيشرع منه لسان طويل رقيق حتى يلصق ذلك اللسان بماء البحر فيغلي له ماء البحر مثل الزوبعة، فإذا أدركت الزوبعة المركب ابتلعته، ثم يرتفع ذلك السحاب فيمطر مطرا فيه قذى البحر.. وكل بحر من هذه البحار تهيج فيه ريح تثيره وتهيجه حتى يغلى كغليان القدور فيقذف ما فيه إلى الجزائر التي فيه ويكسر المراكب، ويقذف السمك الميت الكبار العظام وربما قذف الصخور والجبال كما يقذف القوس السهم. فهنا تختلط الحقيقة بالخرافة. الكتاب عبارة عن قصص قصيرة، وهي سجل ويوميات رحالة وما يحدث لهم وما يشاهدونه وما يسمعون به أو يقال لهم، تتزاوج فيها علوم التاريخ والجغرافيا والطبيعة والإنسان لتخرج علينا قصص تتوالى واحدة بعد أخرى كما يلي: وفي الطريق إلى جزيرة سرنديب ، جزيرة يقال لها (النيان) سكانها لهم ذهب كثير وأكلهم النارجيل وبه يأتدمون ويدهنون، وإذا أراد أحدهم أن يتزوج لم يزوج إلا بقحف (جمجمة) رأس رجل من أعدائهم، فإذا قتل اثنين تزوج اثنتين وكذلك إن قتل خمسين تزوج خمسين امرأة بخمسين قحفا، وسبب ذلك أن أعداءهم كثيرون. وفي هذه الجزائر أعني (الرامني) فيلة كثيرة... وفيها قوم يأكلون الناس.
ويواصل المؤلف كتابة أقوال الرحالة كما سمعها فيقول عن أهل الصين:
إنهم أحذق خلق الله في الصناعة، بل إن لديهم ما يسمى بوقتنا الحاضر حقوق الملكية والاختراع، فعندما يصنع أحد الصينيين اختراعا حتى ولو كان لوحة فنية فإنه يأن فيها عيباً، وإن لم يستطع أحد أن يجد ما يعيبها فإنها تقبل عند الملك ويعطى صاحب الاختراع مكافأة سخية، ويحكي عن قصة الفنان الذي رسم صورة سنبلة وعليها عصفور على قطعة حرير، وكانت من جمالها وحسن صنعتها أن يظنها الناظر إليها حقيقة وليست رسماً، وعرضها الملك للفحص وكانت محل إعجاب الجميع إلا شخصاً واحداً اعترض على أن الطير واقف على السنبلة، وكان من الواجب أن تميل السنبلة بسبب ثقله عليها، والرسام لم يلاحظ هذا فعاب ذلك رسمه، وقد فشلت تلك اللوحة أن تنال الإجازة والقبول بسبب هذا العيب في الملاحظة وليس في الفن ذاته.
وأما النقود في الصين فيسجلها الرحالة بأنها كانت خليطاً من نحاس ومواد أخرى رخيصة، وكانت مخرومة من الوسط ويجمعها خيط يقسم إلى عشرة أقسام، أو عقد كل قسم فيه مائة فلس أي أن الخيط الواحد كأنه قطعة عملة مقدارها ألف فلس، ويقول الرحالة إن لهم فكرة جميلة في هذه الطريقة، فاللصوص سيجدون من الصعب عليهم حمل هذه المبالغ التافهة التي لا تساوي سوى عشرة دنانير من الدنانير العربية، ويقول: إن اللص في بغداد يستطيع حمل عشرة آلاف دينار، ولكنه في الصين لن يستطيع حمل أكثر مما يوازي عشرة دنانير، أي أن العملة ثقيلة ورخيصة جداً ليمنعوا اللصوص من السرقة!!
يقع الكتاب في ( 139) صفحة من القطع العادي.

++++
http://www.thamarat.com

++++
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved