سطور بغداد... هل يجدي الكلام ؟ فوزية محمد الجلال
|
بعد أن غرقت بغداد في قاع المأساة، وعلى تلك الصورة الكثيفة التي شهدها العالم... ماذا بعد ؟!
تتابعت حلقات المستحيل وتصاعدت حدتها الدرامية مع بروز أحداث تلت نفوق النظام وتهشيم رموزه، كان التعبير لحظياً عنيفاً مباغتاً، اندفعت سيول الكراهية باتجاه كل ما هو نادر وثمين ولا يعوَّض.. وفي يومين أحكمت فلول صغيرة، مدفوعة بالغضب ورغبة الثأر، قبضتها على العمق الثقافي للعراق، وفي سرعة وتنظيم عجيبين، استباحت المتاحف والمكتبات والجامعات ودور النشر وكل رمز ثقافي في بغداد والبصرة والموصل ! ولم تكتف بالسرقة والاغتصاب، بل في سادية يصعب تصديقها، شوهت وحطمت ومثلت ثم أشعلت النار في كل ما عجزت عن حمله.. ارتفعت أعمدة النيران لتلتهم أندر المخطوطات وأثمن الكتب، وتصبغ نهار بغداد، التي لم تنهض بعد من جراحها، بالسواد ورائحة الهشيم.. فبدت بغداد وكأنها تخطو بسرعة مخيفة نحو معبر ضيق إلى التعاسة في أبشع صورها.. آثار وشواهد تحكي حياة امتدت لأكثر من ثمانية آلاف عام، وتفاصيل لأقوام استوطنوا خصب الرافدين وصنعوا مجداً للإنسان القديم، ما زالت الدنيا إلى اليوم تتباهي به.! «فعلها مغول محليون»! هكذا يقولون.. خلايا سرطانية نهضت من أتون محنة بغداد، وعاثت فساداً وتخريباً في أقدم حضارات الدنيا وأعرقها، مما دفع بالكثيرين إلى تصديق أنها «مافيا»، مدربة تستهدف الهوية الوطنية والتاريخية والثقافية للعراق.. في ساعات تحول «متحف بغداد» أحد أهم عشرة متاحف في العالم، إلى أشلاء، 170 ألف قطعة أثرية تختفي من أجنحته، وتواترت الأنباء سريعاً : حضارة بغداد، عمرها وتعب سنينها، يغادر الحدود بتسهيلات أمريكية إلى متاحف «مراغي الجديدة»: باريس ولندن وواشنطن وبرلين وإسرائيل. ! ورامسفيلد يعلِّق: لا داعي للقلق.. ستكون آمنة في الولايات المتحدة الأمريكية ! «ولتذهب اتفاقية لاهاي وكل اتفاقيات الدنيا إلى الجحيم». ماذا نقول للتاريخ بعد أن عبث الأقربون برفاته ؟ اليوم تنهض بابل وآشور وعشتار ونينوى وأربيل وسامراء وجلجامش وحمورابي ونبوخذ نصر من«روزنامة»السنين لتسأل ماذا بعد.. ؟ ومن خلف النار والهشيم يئن صوت عراقي: «اتركوا لي ما تبقى من حطامي / وعودوا لأفلامكم خلف المحيط /اشربوا من كؤوس النفط حتى الارتواء / اتركوا لي ما تبقى من حطامي».
fjallal@hotmail.com
ص.ب 106447 الرياض 11666
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|