الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 12th July,2004 العدد : 67

الأثنين 24 ,جمادى الاولى 1425

أدب الكاتب وتهذيب المذاهب:
السعوديون والأدب الإسلامي
فائق منيف
اطلعت على ما كتبه الأخ عبدالله السمطي في العدد الواحد والستين من المجلة الثقافية تحت عنوان (السعوديون.. كيف تلقوا المذاهب الفكرية الغربية؟)، ووجدت أن هناك نقاطاً تستحق الوقوف عندها وتوضيحها حتى لا يستغفل القارئ بمحاولات تنظير لا تستند على حقائق وخلفية علمية ولا على قراءة واقعية لمجريات الأحداث. وقبل أن أبدأ أؤكد أن المثقف الذي يريد أن يوثق مرحلة أو مراحل من عصره أو يحلل ظاهرة ثقافية أو اجتماعية يتحتم عليه أن يلم بكل الجوانب والمؤثرات والمتغيرات إلماماً يرتفع بنقده من نقد ارتجالي الى نقد موضوعي معتدل مبني على أسس علمية لا على الميول والأهواء الشخصية وحكايات المجالس وأقوال الصحف. فالنقد البناء يجب أن يرتكز على قاعدة معلوماتية تمنح مستخدمها النظرة الشمولية الثاقبة وتكشف له العلاقة بين المتغيرات والعناصر بدلاً من أن يرى المجتمع من نظرة أحادية ضيقة متقمصاً بذلك شخصية المدعي العام لا شخصية الناقد الأريب الذي يأنف من أن يدير عقله طائفة من البشر أو يقع في الخطأ والتجني. وسأضع الردود على شكل نقاط لأن المقالة كانت متشعبة المواضيع والأفكار يجمع بين بعض أفكارها رابط ويشتكي بعض أفكارها من عدم وجود صلة بالأخريات لا من قريب ولا من بعيد. وكنت احب أن يحرص الكاتب على سلاسة الأفكار ووحدة الموضوع وتنقيح مقالته من الزوائد التي لا تخدم الموضوع ولا يؤثر حذفها على الفكرة المطروحة.
النقطة الأولى: ذكر الكاتب أن من الأمور التي ترتبط بتلقي المذاهب الفكرية الغربية العصبية القبلية، وذكر أن الولاء للقبيلة ما زال طاغياً في المجتمع السعودي، والمعلومة التي تقول بطغيان الولاء للقبيلة في المجتمع السعودي هي معلومة صحيحة لكنها ناقصة، فالمجتمع السعودي تتناهشه العصبية القبلية والإقليمية، وهي ظاهرة اجتماعية يحتاج تحليلها وبيان مخاطرها بسط في القول قد يخرج عن هدف هذه المقالة.
أما ربطها بتلقي المذاهب الفكرية الغربية فهو أمر يحتاج الى تفسير من الكاتب. فما علاقة العصبية القبلية بتقبل التيارات الفكرية الغربية؟ وربما كان الأجدر بالكاتب أن يكتفي بذكرها فقط ضمن عامل الوضعية الاجتماعية.
النقطة الثانية: عند حديث الكاتب عن الوضعية التاريخية نسي الكاتب أن يضمن تعليله لدور هذه الأمر في التلقي عاملاً مهماً وهو أن السعودية لم تتعرض في تاريخها للاستعمار الأجنبي الذي أثر في بعض المجتمعات العربية وزاد من وتيرة تسارع بعض أفرادها الى تبني الحضارة الغربية بمزاياها وعيوبها.
النقطة الثالثة: في معرض حديث الكاتب عن الأمور التي ترتبط بتلقي المذاهب الفكرية الغربية تطرق الى ما سماه السياق الثقافي المهيمن بعد أن ذكر الخلفية التعليمية والعصبية الدينية والوضعية التاريخية والوضعية الاجتماعية وذكر السياق الثقافي بعد ذكر الأمور السابقة هو خطأ فادح حيث ان السياق الثقافي المهيمن أو ما سماه د. عبدالله الغذامي النسق الثقافي هو نسيج من الامور السابقة وحصيلة تفاعلها وتمازجها، فذكره كعامل مستقل قد يوحي بانفصاله عن العوامل الأخرى وهو خطأ لا أعتقد أن المثقف الواعي يقع فيه أو يتجاهله.
النقطة الرابعة: ربط الكاتب بين ظهور الأدب الإسلامي وتأسيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية وبين متغيرات وحوادث سياسية مثل ظهور الأفغان العرب واغتيال السادات وإعلان الجهاد في أفغانستان، وفي ذلك خروج عن الموضوعية وقفز على الحقائق، فالنظام الأساسي لرباطة الادب الإسلامي العالمية ينص في فقرته الأولى على الالتزام بالبعد عن الصراعات السياسية والحزبية، وتاريخ الرابطة ومجالاتها وندواتها المحلية والعالمية ومؤتمرات الهيئة العامة تؤكد هذا التوجه وهذا المنهج الذي هو منهج مؤسسها ورئيسها الأول سماحة الشيخ أبي الحسن الندوي.
النقطة الخامسة: تحدث الكاتب عن مناهج الحداثة فقسم المثقفين السعوديين الى قسمين: حداثيين وغير حداثيين، وتحدث عن أولى الطائفتين بكلام معسول فقال إنهم: (يعلون من قيم الفن والكتابة، بالتجديد الادبي والفكري) بينما قال عن الطائفة الأخرى(إنهم يضمون خليطاً من التراثيين ومروجي مصطلح (الأدب الإسلامي) وهم يعلون من قيمة الالتزام الأدبي والأخلاقي، ما يطابق قيم الشرع حسب تأويلهم، دون نظر أو اعتبار للقيمة الفنية العالية للإبداع الأدبي)، ولا يخفى على القارئ الحصيف أن الكاتب قد أصدر حكمه النهائي، لذلك بدا عند حديثه عن الحداثيين كما أسماهم هادئاً رومانسياً بينما كشر عن أنيابه عند حديثه عمن أطلق عليهم لقب غير الحداثيين وكال لهم التهم، مما يتنافي مع طبيعة الناقد المعتدلة التي حثت على تلمسها مبادئ رابطة الأدب الإسلامي العالمية حيث رفضت النقد الأدبي المبني على المجاملة المشبوهة أو الحقد الشخصي، ودعت الى نقد واضح بناء يعمل على ترشيد مسيرة الادب وترسيخ أصوله، وقد يكون لجهل الكاتب برابطة الادب الإسلامي وبمبادئ الأدب الإسلامي وقيمه سبب في هذه اللهجة المتشنجة فالمرء عدو ما جهل، ولو أن الكاتب اهتم بمصداقية ما يكتب وقرأ عن الرابطة وأهدافها ومبادئها في الكتب أو في موقعها على الشبكة على العنوان التالي : htpp://www.adabislami.org لربما كان نقده أكثر اتزاناً وعقلانية فالأدب الإسلامي كما ذكرت الفقرة الثانية عشرة من مبادئ الرابطة
(يفتح صدره للفنون الأدبية الحديثة، ويحرص على أن يقدمها للناس وقد برئت من كل ما يخالف دين الله عز وجل، وغنيت بما في الإسلام من قيم سامية وتوجيهات سديدة)، والادب الإسلامي هو كالغشاء الشفاف الذي يسمح باستنشاق الهواء في كل مكان وزمان ولكنه يمنع دخول الغازات السامة والأبخرة الضارة الى الرئتين، فهو يعترف بجميع النصوص الأدبية التي تتواءم مع القيم الإسلامية التي فطرت عليها النفس البشرية السوية ويمقت كل ما ينافيها مما تمجه الذائقة السوية. والأدب الإسلامي هو نقيض الادب المنفلت الذي لا تحده حدود الأخلاق والدين والقيم الإنسانية، تلك الحدود التي وجد العالم بدوله المتقدمة والنامية نفسه مجبراً على احترامها فوقف لحرية المتاجرين بالأطفال وحرية المتبادلين لصور استغلالهم الجنسي وحرية العابثين بأمن الغير.
النقطة السادسة: قال الكاتب (لكن الحساسية الشديدة من المصطلحات الجديدة في مجتمع محافظ جعلت البعض يطلق أوصافاً غير علمية مثل حاخام الحداثة)، والملاحظ لما سبق يرى أن الكاتب وقع فيما نبه إليه حيث ظهرت في حديثه الحساسية الشديدة من المصطلحات الجديدة كمصطلح (الأدب الإسلامي) واتهمه بعدم النظر أو الاعتبار للقيمة الفنية الأدبية مع أن من مبادئ رابطة الأدب الإسلامي العالمية تنص على أن ( الأدب الإسلامي أدب متكامل، ولا يتحقق تكامله إلا بتآزر المضمون مع الشكل) كما أن نقاد الرابطة طالما نبهوا الى اهمية التجويد الفني وأشاروا الى أن النص الأدبي القاصر فنياً يعد حجة على الأدب الإسلامي لا حجة له.
كما أن التركيز على بعض البعض ممن أطلق عبارات غير منطقية هو إغفال للحقيقة واستغفال للقارئ المثقف الذي يزن المقال بميزان المصداقية والدقة فهؤلاء القلة لا يمثلون الشريحة العظمى ممن وقفوا بوجه الحداثة بمفهومها التغريبي، وإلا فأين يوضع أدباء مثل د. سعد البازعي الذي وضعه الغذامي في صف المتصدين للحداثة، وأين يوضع د. عبدالله المعيقل ود. حسن الهويمل وغيرهم الكثير ممن تصدوا لبعض الأفكار والأطروحات الهدامة التي حملها الحداثيون من حيث يعلمون ولا يعلمون.
النقطة السابعة: ذكر الكاتب أن هناك سلاسل كتب تضع الإسلام في كفة وأي مذهب قديم أو جديد في الكفة الأخرى من مثل الإسلام والعولمة.. الخ، وهذا توهم من الكاتب وقلة دراية وقراءة لهذه الكتب. فمن الكتب التي قرأت كتب تشرح بأسلوب علمي المتغيرات المستجدة وكيفية الاستفادة منها ونشر الخير عن طريقها والتصدي لعيوبها ولمكامن الضعف التي قد تستغل من بعض الفئات لترويج معتقداتها وتدمير ما تبقى من قيم لدى المسملين. لذلك لم تكن تنظر هذه الكتب الى الظواهر بمنظار الكاتب الاسود والأبيض بل كانت تعطي نظرة شمولية قدر الإمكان ليتمكن القارئ بعدها من إحسان التصرف في التعامل مع المستجدات.
النقطة الثامنة: أتفق مع ما ذكره الكاتب في خاتمة مقاله بأن المملكة تتجه (صوب مدنية فكرية حضارية هي طريق جديد يتم فيه تلقي الأنا أيضاً لتقف فكرياً في محاورة الآخر ومواجهته)، وأنا هنا أوجه رسالة لصحفنا تساهم في هذا التطور عن طريق إشراك جميع شرائح المجتمع في الحوار وإعطائهم المساحة لإبداء آرائهم، فالأدباء والكتاب الملتزمون يعانون من الظلم الإعلامي. لذلك فإن على رعاة الإعلام أن يفتحوا النوافذ لكل الأطياف ويتركوا للقارئ حرية التمييز والاختيار. وفي النهاية فإن سنة الله التي لن نجد لها تبديلاً هي أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض وأما الزبد فيذهب جفاء.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved