الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 12th September,2005 العدد : 122

الأثنين 8 ,شعبان 1426

أعر اف
سعدي يوسف:
الشاعر الذي رأى.. الشاعر الذي لعن!!
محمد جبر الحربي

يقول سعدي يوسف الشاعر العربي الكبير مخاطباً تمثال معروف الرصافي من لندن بتاريخ 1252005م.
(لنا أن نتباهى بك في الساحة
يا معروف!
لنا أن نستقبلك اليوم رفيقاً
أما أنت فمن حقك أن تشتمنا
من حقك أن ترفع عينيك
وأن تترفع عنا)
ويقول في أخرى:
(وماذا عن المشهد الآن؟!
لا مشهد الآن.
إن رمت نوراً فخبئ شآبيبه في نبيذ العروق
ولا تنتظر أن يكون الصباح المباح بهياً
ستشهد كل الصباحات غائمة
ومدججة بالعفونة
حتى تموت)
لا يختلف اثنان على أهمية الشاعر المبدع سعدي يوسف، ودوره الرائد في حركة الشعر العربي الحديث شاعراً وكاتباً ومترجماً عبر رحلة غنية بالتجارب، تنقل فيها من الخليج إلى المحيط، ومن الشمال إلى الجنوب حاملاً همومه ومشاغله ورؤاه الثقافية، وحفرياته المعرفية، ناقشاً قصائده على جذوع الأشجار في العواصم والمدن العربية التي تلبسته ثم غربته أو لم تحتمل بوحه، وصولاً إلى لندن الضباب.
والأخضر بن يوسف الذي شاخ مشغولاً فعلاً بقضايا أمته العربية بدءاً من وطنه العراق إلى المغرب العربي إلى اليمن، إلى فلسطين التي احتلت الصدارة، إلى لبنان وبيروت التي عاش غزوها وحصارها.. قدم الكثير للثقافة العربية، وما أعماله الشعرية التي تتجاوز المجلدين الضخمين بدررهما التي تتنوع بين اليومي والعام، والبسيط والمركب، والبصري والمتخيل، إلا خير دليل على إضافاته الجادة للمكتبة العربية.
فعبر نزوعه للتجريب والتجديد، وعبر ترجماته الدافئة الساحرة تعرفنا على ريتسوس، وكفافي، وبوبا، وأونغاريتي، وإلى مكامن إبداعية ثرية ومتنوعة ومعه تعرفنا إلى أغاني الناس التي لا تنتهي كما يقول:
(كل الأغاني انتهت إلا أغاني الناس
والصوت ما يشترى لو تشتريه الناس
وحدي نسيت الذي بيني وبين الناس
بالأمس بتنا هنا، واليوم في بغداد)
والكتابة عن سعدي وتجربته الشعرية والثقافية الرائدة موضوع حميم وحبيب لا تغطيه الصفحات ولو من الذاكرة وحدها، ولكن هذا ليس بيت القصيد هنا.
إن ما يدفعنا للكتابة هنا هو ذلك السؤال المحير حول أسباب الهجمة الشتائمية التترية عليه في معظم الساحات المشتراة بثمن بخس في سوق العمالة، ومن قبل نفس الأشخاص الذين كانوا يمجدون تجربته أو تتلمذوا عليها ولكنهم في النهاية رسبوا في الامتحان الأهم كما رسبوا في امتحانات الموهبة والقبول، إضافة إلى غيرهم ممن لا علاقة لهم بالإبداع لا من قريب ولا من بعيد.
المحير في الأمر أن أحداً لم يكن ليتجرأ على المساس بسعدي يوسف أو بتجربته من العينات التي تشتمه اليوم عندما كان معارضاً للنظام العراقي، بل كانت العواصم تتسابق بمثقفيها لدعوته واستقباله والاحتفاء به وتمجيده.
لكن الصورة تغيرت عراقياً ولدى بعض العرب عندما قال كما توقع محبوه ومريدوه لا لاحتلال العراق، ولا لتفتيته وتقسيمه ولا لقتل أبنائه، ولا لدستوره الأسود، ولا لسكان المنطقة الخضراء من محبي العملة الخضراء.. وأصبح الرفيق من المغضوب عليهم، والمفترى عليهم بالكذب المجاني في وسائل الإعلام الفائحة برائحة الخيانة عليهم، اللاهثة خلف المستعمر الماضي في خططه القديمة الجديدة لتجزئة العراق، وتدميره، وطمس هويته العربية.
واللافت هنا أن معظم من يشتمون الشاعر الفارع هم من العراقيين قناصي الفرص تحت أي راية، وأي عنوان ممن لم يعانوا معاناة سعدي في رحلة الاختلاف الطوعية التي اختارها عندما كانوا ينعمون براحة الثراء التي يستجدونها من أية يد حتى ولو كانت يد المحتل ابان مناورات ما قبل الحرب بسنين.
إن السعدي يوسف يتواجد كغيره من المثقفين العرب أصحاب المواقف الحرة والشريفة عندما تحتاج الأمة إلى مواقف ثابتة صادقة واضحة من طليعتها المثقفة، ولقد قال لا كبيرة لمشروع تشويه وإلغاء هوية الأمة وتاريخها وحضارتها في وجه من أرادوا بها شراً لتحقيق مآربهم الآنية.
يقول سعدي العراقي في مقال جديد بعنوان الدستور وغباره: (معروف حد اللعنة، أن المستعمرة، أي مستعمرة، مثل العراق الحالي، لابد لها بعد فترة من الاحتلال، من أن يكون لها قانون ما، يؤسس للعلاقة بين الإدارة المحلية العميلة ذات اليد السفلى، والإدارة الاستعمارية ذات اليد العليا).
و(البلاء المستحكم يزداد استحكاماً مع فرض القانون الأساس للإدارة الاستعمارية هذا القانون الذي سمي زوراً دستوراً).
بعد ذلك يمكننا أن نفهم سر طوابير الشتّامين الممتدة من رصيف من لا يتمتع بالحد الأدنى من الأدب، إلى جحور عديمي العروبة والمروءة من المرتزقة على موائد المارينز.
وأن نفهم لماذا يشهّر بكل مثقف يعبر عن رأيه المناهض للاستعمار، وللمسار الذي تختطه أمريكا وأحبابها في العراق، والذين فضحهم عشقهم كما يفتضح الصب.
وليهنأ مثقفو الثبات لأن التاريخ يطمئنهم فيقول: سيبقى الأخضر بشعره وثقافته ومواقفه الشجاعة نخلة باسقة من نخيل العراق، وستتلاشى طوابير الشتيمة اللئيمة مع فلول الغريب، كما حدث مع المستعمرين وظلالهم قبل وقت ليس بالبعيد.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved