الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 13th March,2006 العدد : 144

الأثنين 13 ,صفر 1427

ثلاثة أيام في معرض الرياض الدولي للكتاب
إيوان اليمامة الثقافي .. طروحات على الهواء

سعدت باختياري ضمن كوكبة المنتمين للحقل الثقافي والفكري الذين استضافتهم وزارة التعليم العالى للحضور والمشاركة في فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2006م.
كما سعدت بالتعرف إلى مجموعة من المجايلين في الحقل الثقافي من جميع مناطق المملكة وإلى كثير من المسؤولين في وزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة والإعلام المشرفين على التنظيم والتنسيق لهذه الفعالية الثقافية الكبيرة في بلادنا.
ومن هنا فإن الشكر والتقدير والدعاء هو أقل ما نقدمه في هذه الورقة لمن دعانا واستضافنا وفتح لنا متنفساً ثقافياً نمارس من خلاله دورنا الثقافي والفكري في جو من الأنس والحرية المعقلنة والإبداع الشعري والسردي والحوار الفكري والأدبي وذلك عبر الأمسيات المفتوحة في إيوان اليمامة الثقافي.
إن هذا الإيوان الثقافي إضافة متميزة وحديث على الفعاليات لمعرض الرياض الدولي للكتاب نلتقي فيه يومياً لنطرح على طاولة الحوار وعبر فضاء واسع من الحرية المسؤولية - جميع همونا الثقافية وأوجاعنا الفكرية التي لا تتمخض عن شيء أكثر من تعليق الأسئلة في القضاء المفتوح على قبة الإيوان.
يكفي هناك أن تلتقي وتتعرف إلى مجموعة المثقفين، ويكفي هناك أن تطرح فكرةً أو تعليقاً، أو تستمع إلى سرد قصصي وإبداع شعري، أو مناقشة فكرية تضيف إلى ذاكرتنا التاريخية مزيداً من العلم والمعرفة.
ويكفي هناك أن تتبادل الحوار والأسئلة التي تفضي إلى فعل ثقافي مستقبلي نترجمه كمثقفين على الورق إما إبداعاً سردياً أو شعرياً أو مقالةً صحفيةً.
استمعنا إلى محمد الثبيتي الشاعر، وفهد المصبح القاص، وعبده خال الروائي، ويحيى الأمير الناقد، وإبراهيم زولي الشاعر، وحسن الصفار المفكر، وعبدالله الصيخان الشاعر، وطلال الطويرقي الشاعر، ومبارك الخالدي الكاتب، وعبدالله القعيد الكاتب، وحمود أبو طالب الكاتب وكاتب هذه السطور.
ومما أسعدني وأبهجني حد التشبع تلك الفعاليات الثقافية المصاحبة على هامش المعرض، فقد كان هناك برنامج حافل بالمناشط، فالندوات والمحاضرات التي استضيف لها أكبر الأسماء الثقافية الفاعلة في بلادنا ومحيطنا الخليجي والعربي، وورش العمل المتميزة التي كانت تعقد لمناقشة بعض الموضوعات المنسية في ثقافتنا السعودية كالتصوير، وفن الكاريكاتير، وغيرها من الطروحات التي تنعقد في منتدى عكاظ بأرض المعارض إضافة إلى الإيوان الثقافي الذي ينعقد يومياً في بهو فندق إنتركونتننتال حيث إقامة الضيوف.
يعجبك هذا الشاب المتنور ثقافةً وفكراً الذي يقود دفة الحوار في الإيوان الثقافي فقد أبهجنا بالضيوف الذين يدعوهم للقاء والمشاركة في الحوار فقد كان ضيف اليوم الأول معالي الدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي، وكان ضيف اليوم التالي سعادة الدكتور عبدالعزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة والإعلام، وكان ضيف اليوم الثالث سعادة الدكتور محمد آل زلفة عضو مجلس الشورى والدكتور محمد الرميحي المفكر الكويتي المعروف.
كما يعجبك هذا الشاب في إدارته للحوار وإعطاء الفرصة لكل مَنْ يريد الحديث وفق حرية مسؤولة ووقت متاح لكل المبدعين شعراً وسرداً وطرحاً ثقافياً.
كان من الموضوعات التي نوقشت ماذا يريد المثقف من السلطة ودار حوار وجدل كبير شارك فيه يحيى الأمير وحسن الصفار وعبدالله الصيخان وغيرهم كثير ولما أعطيت لي الفرصة أشرت إلى أن التوقع يشير إلى الانفصام بين المثقف والسلطة فالمثقف رأي وموقف، والسلطة قمع وتسلط وكأني بالمتحدثين يؤكدون الفجوة الكبيرة بين الطرفين، لكن الذي أراه هو أن المثقف الواعي والشمولي، والمثقف الواقعي والحضاري هو مَنْ يستبطن الدور الفاعل للسلطة وطروحاتها، وبالتالي عليه أن يشكل نفسه وثقافته بأن تكون السلطة جزءاً من المثقف لا خارجاً عنه، يفترض أن يتبنى المثقف مقولات السلطة ويتحرك في ضوئها على اعتبار أن السلطة شيء داخلي ذاتي وليس شيئاً خارجاً حتى لا يحصل الصراع والتسلط، وناديت بأن يتجذر المثقف في الإطار السلطوي بمعنى أن يكون المثقف هو ذاته السلطة التي تحولت إلى شيء داخلي، وهنا يمكن أن يبرهن المثقف على وعيه وحضارته وشموليته.
وكان من الموضوعات المطروحة للنقاش ما حصل في ندوة الرقابة الإعلامية.. وما قام به بعض فئات المجتمع، ولما أُعطيت لنا الفرصة قلت إن على الإيوان الثقافي وضيوف المعرض أن يسجلوا موقفاً رسمياً يُرفع إلى المسؤولين سواء في الإمارة أو سماحة المفتي أو وزارة الدعوة والإرشاد لشرح الملابسات والمطالبة بإيقاف هذا النوع من التشدد الذي يُخشى تماديه، كما طالبت وزارة التعليم العالي المشرفة على المعرض أن تستمر في فعالياتها الثقافية وعدم إيقافها مع الحذر والحيطة في الأمسيات القادمة وطرحت فكرة الاختراق الداخلي لهذه المجموعات ومحاورتهم باللغة التي يجيدونها وعبر أشخاص منهم يمثلون الوسط المعتدل والفكر الديني المستنير ومزيداً من التواصل حتى نمهد لصحوة دينية رشيدة وقبول بالآخر والرأي المخالف.
وفي كثير من الفعاليات والمناشط والندوات كان لنا حضور من خلال المداخلات والتعليق أو قراءات إبداعية شعرية كان لها الوقع الجميل في نفوس وذاكرة الزملاء المنتدين.
إن الإيوان الثقافي بآخره إضافة ثقافية إلى هذه الفعالية المتميزة يُشكر عليها المنظمون والقائمون على المعرض.
لم أكن أتوقع أن مسيرة الحوار الوطني في بلادنا السعودية لم تحقق أثرها المأمول في مجموعة من الشباب الذين نحسبهم في خندق الوعي الديني الصحيح المشمول برؤية مستنيرة من فقه السلف وسيرة الصحابة وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وآيات القرآن الحكيم الحاثة على الدعوة بالحسنى والأمر بالمعروف والجدال بالتي هي أحسن إلى آخر هذه الصفات التي يجب أن يتحلى بها حامل الدعوة والقرآن.
قلت ذلك في نفسي وأنا أشاهد وأعايش أحداث الشغب المنظم الذي ساد قاعة المحاضرات والندوات بمعرض الرياض الدولي للكتاب ممن نحسبهم على قدر كبير من الخلق الإسلامي الرفيع.
ففي ندوة (الأنا والآخر) - وهي أولى الفعاليات الثقافية شارك في التعليق والمداخلات عدد لا بأس به من ذوي السمات الظاهرية للتشدد والانغلاق معترضين على مصطلح الآخر وأنه عندهم هو الكافر، مطالبين بأن يكون أحد المشايخ والعلماء الدينيين - كما يقولون - ضمن المتندين، وملوحين بالتعصب للرأي وعدم الحوار مع غير المسلمين إلى غير ذلك من الطروحات المتشنجة، ولكنها كانت مقبولة لأنها بين عدد قليل حضر للاستماع والمحاورة وخرجت الندوة بكل هدوء وانسيابية رغم ما تعرض له مدير الجلسة معالي الأستاذ فيصل بن معمر وضيوف الندوة من تهكمات وسخرية.
ولكن في الندوة الثانية المعنونة ب(الرقابة الإعلامية في مجتمع متغير) التي شارك فيها كل من معالي الدكتور محمد عبده يماني، والمفكر محمد الرميحي من الكويت والأستاذة ناهد باشطح وأدارها الأستاذ تركي السديري، رئيس تحرير جريدة الرياض - اتضح أن أولئك الذين حضروا في الندوة الأولى قد نظموا صفوفهم وأحضروا تلاميذهم ومريديهم ورتبوا طريقة جلوسهم وحملوا معهم كل أساليب وآليات الإدانة المسبقة للمنتدين ودخلوا القاعة وهدفهم إفساد الأمسية والتأثير على مجرياتها وفرض الصوت الواحد عليها.
ولم يكتفوا بالمقاطعات لمدير الجلسة والمنتدين والمطالبة بعدم التصفيق بل امتد دورهم إلى إجبار مدير الجلسة أن يغير من سياسته للمداخلات وإعطائهم أكثر من الوقت المحدد للمداخلة والتعليق مما جعلهم يتمادون في الطرح الاستفزازي.
ولما أراد مدير الجلسة إنهاء الندوة تدافع المتشددون إلى المنصة، قائلين: أحسن الله عزاءكم في الأمسية، وتطاولوا على تركي السديري والدكتور محمد عبده يماني، ولم يستطع رجال الأمن التابعون لشركة المعارض إخراج الضيوف إلا بصعوبة بالغة!!
إن هذا التشكل وفق منهجية قمعية من شأنه أن يقوض كل البنى التقدمية التي سارت فيها بلادنا نحو تأسيس ثقافة ووعي بالحوار ومنطلقاته وأدبياته، فقد كان بالإمكان لكل صاحب رأي أو صوت أن يطرح رؤيته وفق نظام وآليات الجلسات العلمية وما يقرره مدير الجلسة سلفاً.
وكان بالإمكان أن يدلي كُلٌّ بدلوه في الموضوع المطروح للنقاش دون تشدد أو مصادرة لآراء الآخرين أو التهجم على الرموز والأشخاص ومحاكمة النيات.
وكان بالإمكان إخراج هذه الأمسية بشكل أكثر وعياً وتحضيراً لنقدم للناس روح الإسلام وسماحته وأخلاقه في الحوار والمناقشة، ولكن القوم كانوا منغلقين فلم يستطيعوا أن يستوعبوا الحراك الثقافي الذي تعيشه بلادنا وآثروا ما يمكن أن يسمى بصراع وصدام الثقافات لا على المستوى الخارجي وحسب بل على المستوى الداخلي، وهذا مما يؤكد حاجتنا نحن السعوديون إلى الحوار الداخلي حوار الأنا - الأنا حتى تنقشع هذه الصور القاتمة في القريب العاجل إن شاء الله.


*مدير إدارة الثقافة بتعليم جدة
د. يوسف حسن العارف

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved