الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 13th March,2006 العدد : 144

الأثنين 13 ,صفر 1427

السينما والعولمة

* قاسم حول
هل تحتاج السينما إلى عولمة، وهي الفن الذي ظهر أساسا في الغرب منذ عام 1894م وحرك الصورة قبل هذا التأريخ توماس أديسون، واستوردنا نحن هذا الفن تقنية وشكلا وحتى إيقاعا!؟
هذا السؤال طرحته على نفسي بعد خمسة أيام عشتها داخل معرض التقنيات للفنون السمعبصرية والبث التلفزيوني، ذلك المعرض الدولي الكبير الذي تقدم فيه الشركات العملاقة أحدث المعدات التقنية في التلفزة والسينما في مدينة أمستردام في هولندا. ما أثار انتباهي في ذلك المعرض ودفعني إلى هذا السؤال، دليل لبرنامج قدم لنا مجانا ضمن ملفات الإعلام التي تقدمها عادة شركات الإنتاج، هذا الدليل الذي فتحه لي الكومبيوتر أرشدني إلى برنامج يختصر لي كمخرج سينمائي مراحل كثيرة في إنتاج الفيلم السينمائي وأنا حقيقة محتاج إليه في عملي، فهو يوفر علي وعلى المساعدين وعلى مدير الإنتاج الكثير من الجهد، حيث يفرغ للمخرج شخصيات الفيلم وينظم الميزانية ويجدول لوحات اللقطات ويفرغ كافة الإكسسوارات التي يحتاج إليها كل مشهد من الفيلم.
هل يستطيع البرنامج عبر الكومبيوتر ان يفعل ذلك، لو قدم له المخرج العربي السيناريو الذي كتبه لينفذ له البرنامج كل تلك المهام ويختصر له الوقت، حتى وإن كتب المخرج العربي السيناريو باللغة الإنكليزية؟ الجواب.. لا عليك إذا أنت تكتب السيناريو بالطريقة الأمريكية وليس باللغة الأمريكية فحسب!؟ نموذج السيناريو الأمريكي هو الذي يستطيع هذا البرنامج قراءته. هذا هو مبدأ العولمة.
ولغتك ليست الأبجدية، ولكن نظامها، هو مبدأ العولمة.. وهو أساس العملية الاقتصادية.. عملية العولمة. كانت ثمة عولمة اشتراكية أطلقوا عليها اسم (الأممية) وكانت ساذجة حقا وتحتاج إلى قدر كبير من الذكاء، لأنها تعتقد إمكانية توحيد العالم إيديولوجيا في إطار المعسكر الاشتراكي والشيوعي.
العولمة الآن هي عولمة علمية. وليست طوباوية! كانت العولمة الرأسمالية أبان عملية الصراع الإيديولوجي، تكاد أن تقترب من العولمة الاشتراكية الأممية ضمن عملية الصراع الروسي الأمريكي، ففي مجال السينما على سبيل المثال فإن الغرب منتج ومبتدع فن السينما قد نقل الشكل الفني والدرامي وأسلوب الإنتاج إلى مناطق كثيرة من العالم ومنها العالم العربي والشرق الأوسط، فالسينما العربية نشأت أول ما نشأت في مصر وضمن مبدأ (صراع العولمة) الذي لم يعرف العلم والتقنية وإنما عرف الإيديولوجيا، عمدت شركة مترو جولدين ماير الأمريكية أن تنقل منهجها وأسلوبها إلى مصر منذ الثلاثينات عندما بدأ طلعت حرب باشا رئيس مجلس إدارة بنك مصر باستثمار السيولة النقدية في الصناعة السينمائية ودوره في إرسال البعثات السينمائية إلى أمريكا وإيطاليا وإنشاء ستوديو مصر التابع لبنك مصر.
السينما العربية في مصر لو تأملناها مليا وبشكل عام كقاعدة وليس كاستثناءات لوجدناها بأن الفيلم المصري هو فيلم أمريكي ممصر. أسلوب الإنتاج هو أمريكي. طريقة صناعة النجوم أمريكية. مجلة الكواكب هي مجلة فيلم الأمريكية ولكن بطباعة أقل جودة. والفيلم المصري هو فيلم أمريكي أقل جودة بكثير، بل أن السينما ذهبت إلى أبعد من ذلك حيث استنسخت القصص الأمريكية كقصة وسيناريو فقد ورد أن المخرج المصري والمؤلف المصري كانا يجلسان أمام جهاز المفيولا - طاولة المونتاج، ويشاهدان فيلما أمريكيا ويكتبانه لقطة بلقطة ويعربانه ويمصرانه.
العولمة كانت سائدة في العالم العربي قبل أن تبرز العولمة كنظرية! العولمة ضمن منهجها الجديد هي غير تلك العولمة التابعة وغير تلك العولمة الاستنساخية.
هي الآن منهج فكري ومنهج فني تقني وبهدف اقتصادي قريب وبعيد المدى وسوف يحدد مصير المجتمعات وهو أوسع وأكبر من مخيلتنا وتحليلنا مهما بلغ تحليلنا في علميته.
سلم تكن السينما الأمريكية قد سيطرت على السوق اعتباطا منذ أن دخلت المصارف للإنتاج السينمائي في استثمار السيولة النقدية لأنها وضعت الأسس الإنتاجية السليمة وأسس التوزيع السليم، واليوم بدخول عصر العولمة فرضت لغتها على هذا الجهاز وسيكون السينمائيون مجبرين على العمل وفق أسس الإنتاج الأمريكية.
الذي لا يتعلم لغة الإنتاج السينمائية سوف يبقى محليا وسوف لن يمر كثير من الوقت حتى يصبح الذي لا يدخل عولمة الإنتاج السينمائي سوف يصبح كما في لغة الدواء القديم (expire).
العالم يتسارع والعلم يتسارع والمتغيرات أصبحت يومية والمنافسة على اقتناء العلماء لشركات إنتاج التقنيات في منافسة شديدة والذي يزور معارض التقنية التلفزيونية والهاتف والسينما والفضائيات يخرج مندهشا. وفي المعرض الأخير دعوت وزيرا عربيا ليجلس إلى جانبي في عرض فيلم سينمائي عن الفضاء الخارجي. وكان مسحورا بالصورة وبالصوت. وعندما انتهى العرض حدثني عن طبيعة الأجهزة التي وفرت لنا هذا العرض الساحر الأخاذ فأخذته إلى قسم الأجهزة وشاهد بضعة علب صغيرة في داخلها الكاميرات وعلب أخرى في داخلها جهاز العرض وكانت قيمة جهاز العرض الذي وفر لنا ذلك العرض الجميل يستطيع أن يحمله معه في حقيبته وكان سعره يومها ما يقرب الخمسة عشر ألف يورو.
ذهب إلى بلده وقرر إلغاء تقنيات كل صالات السينما ليشتري أجهزة عرض جديدة وقرر إعادة النظر في أرشفة بلاده وغادرني وهو يمشي وفي رأسه حلم واحد وهو أن يركض قبل فوات الأوان.


* سينمائي عراقي مقيم في هولندا
sununu@wanadoo.nl

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved