الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 13th September,2004 العدد : 76

الأثنين 28 ,رجب 1425

تأملات في كتاب
أمريكا التي تعلمنا الديمقراطية والعدل.. (شيلوك) (34)
سهام القحطاني
يقول: توماس هوبز في كتابه التنين: إن عدوانية الإنسان غير قابلة للتفسير إلا بخضوعه لدوافعه الغريزية من حب للذات وخوف عليها بما يدفعه للمحافظة على الذات من خلال مقاومة الآخر واستخدام العنف ضده، وقد اشتهرت منذ ذلك الحين عبارة هوبز القائلة (الإنسان ذئب للإنسان) 1.
إن (رغبة التملك) هي أساس الخطيئة الإنسانية الأولى منذ هابيل وقابيل، وسواء تجسدت في الاستيلاء على امرأة حسناء أو بيت أو حقل أو دولة، أو اختبأت تحت مظلة مفاهيم مختلفة كالحب والمصلحة والعدالة والحرية والمساواة، تظل هي ذاتها، تغير الأشكال لا يطور مفهومها الحيواني، وهي بذا تعكس لنا قانون اللذة المشترك بين الإنسان والحيوان، كنمط من السلوك الاستعلائي.
والهيمنة سواء العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية، هي طريقة إجرائية لتنفيذ (رغبة التملك) عند الآخر، ليشعر أنه الأقوى، إنه إحساس لا يتوافر إلا عند من يمتلك القوة المادية او السوبرمان ( الإنسان الأعلى) وفق نظرية نيتشه، والإمبراطوريات لكونها نموذجا للأعلوية، تسعى حثيثا لتحقيق السيطرة من أجل تلك الرغبة التي تشعرها بأحادية قوتها، وحينها قد تسمى الأشياء بغير أسمائها، لتجويز حكم الرغبة، وهذه المرة الأسماء هي ( الديمقراطية والعدل والحرية) وأمريكا لكونها أضحت إمبراطورية فعليها أن تمارس تلك الرغبة وفق مسمياتها وتشكلاتها الخاصة التي تتكئ على غاية لاهوتية فهي (أمة مباركة من الله) ص 131 كما يقول رونالد ريغان، لذا من حقها (القبض على العالم برمته) من خلال (إقامة المستعمرات أو ضمها حتى لا نترك أي ركن في العالم) ص 241 بتصرف والهدف شريف، تعليم الشعوب الحضارة، ولذا فهي المركز الأوحد لأنها في (اتحاد مع الله، ولا تتحالف الأمم الأخرى معها إلا من موقع التبعية والخضوع، فيما يشبه العلاقة بين الأطراف والمركز (فالأمم الغربية ملك الولايات المتحدة والولايات المتحدة في حلف الله) ص 311 إنه جزء من المهمة الإلهية التي منحت للبطل الإله لتحقيق رغبة امتلاك الأمم (.. فنحن لا نستطيع أن نتهرب من مسئولية وضعتها علينا العناية الإلهية لإنقاذ الحرية والحضارة، ولذلك فإن العلم الأمريكي يجب أن يكون رمزا لكل الجنس البشري) ص 323 وبذا (يتحول إنكار الذات الفردي إلى غرور الأنانية الذي لا تحده أية موانع وكوابح دينية أو أخلاقية) كما يقول هوبز 2 (لتصبح أمريكا هي العالم والعالم هو أمريكا)، وهكذا لا يستطيع احد أن يتنفس (إلا من رئتها) ولا يرى (إلا بعينيها)، ولا يسمع إلا (بأذنيها) ص 231.
إن أشكال الاستعمار تتعدد مع ثبات المفهوم، فهناك الاستعمار العسكري والاقتصادي والثقافي (وكل الطرق تؤدي إلى روما) والعولمة أو الأمركة أو الرسملة، اليوم بكل مفرداتها ونتائجها وأشكالها وجه آخر من وجوه الاستعمار، لكنه أشد قوة وقبحا وفعالية، يعرف البعض العولمة بأنها نوع من الاقتصاد الدولي الاحتكاري فهي (حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها، وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ) كما يرى الأستاذ صادق العظم، وهكذا تصبح
العولمة صورة استعمارية على شكل Bank not، مجددة الهدف ذاته للاستعمار بمفهومه القديم لتعني (ما كان يعنيه الاستعمار الأوروبي الذي اكتسح العالم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.. أعلى مراحل الرأسمالية (التقليدية) التي أفرزتها الثورة الصناعية في أوربا والعولمة الأمركة اليوم هي أعلى مراحل الرأسمالية (الجديدة) التي أفرزتها الثورة المعلوماتية، وما يرافقها من تطور في مجال الاتصال والإعلام) ص 219 والرأسمالية القديمة كما يذهب لينين ( المنافسة الحرة) التي تعتمد على تصدير السلع، والرأسمالية الجديدة (الاحتكارات) وهذا النهج الذي تتبعه الإمبراطورية الأمريكية عبر نظام الكارتلات والترستات، من خلال (إنشاء مجموعة من المنظمات والوكالات والأحلاف التي تعمل على بسط نفوذ أمريكا القوية.. ففي المجال الاقتصادي تمكنت واشنطن من إنشاء مجموعة من الهيئات الدولية، تحولت إلى أذرع للسياسة الأمريكية وراحت تفرض من خلالها على بقية العالم المعايير الاقتصادية التي يجب اتباعها وصولا إلى تعميم النموذج الرأسمالي) ص250 ولا شك أن سياسة التفقير والخراب، ثم الضغط التي ينتهجها كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير والاتفاقيات الدولية، بزعامة أمريكا، يجعل مصير اقتصادات الدول في يد الشركات الأجنبية، التي تفرض على الدول (التنمية الأكثر تلاؤما مع مصالح المركز، أمريكا خصوصا والغرب عموما) ص 250 حتى تصبح التجارة العالمية كما يقول السيناتور الأمريكي البرت بيفرج (تجارتنا وهي ستكون كذلك، فنحن سنملأ البحار بأساطيلنا التجارية، وسوف نرسم معالم طرقاتنا التجارية مستوطنات كبيرة تحكم نفسها بنفسها.. وسوف يبلغ القانون الأمريكي النظام الأمريكي والحضارة والعلم الأمريكيان الشواطئ الدافئة المعزولة حتى الآن) ص240 وهكذا يرتبط (الاقتصاد العالمي بالدولار، وبالاقتصاد الأمريكي.. فيما تولت منظمة التجارة الدولية اكتساح ما تبقى من حواجز الحماية الوطنية، وفتح أسواق العالم أمام البضائع والمنتجات الأمريكية) 251 ، لتستطيع أمريكا من تحقيق هدفها الأساسي في (إعادة ترتيب أوراق الحالة الاقتصادية في العالم بما يخدم اقتصاداتها) 211 وهكذا تصبح الرأسمالية الاحتكارية، كما وصفها لينين (امبريالية)، إن الحكاية تبدأ بقصة حب تسمى (القيم الإنسانية، الحرية والحقوق والعدالة) وتنتهي بالاستعمار، ف(النظام الرأسمالي الطبقي لا يمكنه التغلب على أزماته الاقتصادية إلا بالحروب، فالحروب كانت وما زالت ميزته الأساسية للتغلب على أزماته إذا لم تكف القوة الاقتصادية لفرض الهيمنة المطلوبة على الشعوب التي يدعي أنه
يساعدها على النهوض الاقتصادي، بينما هو ستار لاستعمارها واستغلالها بأسماء مختلفة، كالقروض والبنك الدولي و (المساعدات) المشروطة وبفوائد عالية تنهك اقتصاد تلك الدول وتبقيها مستعبدة للدول الدائنة وشركاتها العملاقة) كما يقول الأستاذ موسى نصيف إنه الوجه الخفي للنظام العالمي الجديد الذي تدعو له أمريكا، ويذهب (بات روبرتسون) ان النظام العالمي الجديد نظام ماسوني عالمي، ويعلل ما يقول:( بأن على وجهي الدولار مطبوع علامة الولايات المتحدة، وهي عبارة عن النسر الأمريكي ممسكاً بغصن الزيتون رمز السلام بأحد مخالبه، وفي المخلب الآخر يوجد 13 سهماً رمز الحرب. وعلى الوجه الآخر هرم غير كامل، فوقه عين لها بريق المجد، وتحت الهرم كلمات لاتينية (Novus Order Seclorum) وهي شطرة من شعر فرجيل الشاعر الروماني القديم معناها (نظام جديد لكل العصور، إن الذي صمم علامة الولايات المتحدة هذه هو تشارلز طومسون، وهو عضو في النظام الماسوني، وكان يعمل سكرتيرا للكونجرس، وهذا الهرم الناقص له معنى خاص بالنسبة للماسونيين، وهو اليوم العلامة المميزة لاتباع حركة العصر الجديد).
إن النظام العالمي الجديد هو الذي ينظم اليوم العلاقات الاستعمارية التي تعني (تبعية عسكرية وسياسية، تسمح للمستعمر او المهيمن، بتحويل المستعمرة، أو الدولة التابعة، إلى ملحق للاقتصاد المركزي، كما تسمح له بفرض قواعد التبادل والجمارك أحادية الفائدة لصالحه، وهذا الذي أعلنه مرارا قادة الولايات المتحدة) ص 208 لذا فالخطة الأمريكية للقوة الاقتصادية تستلزم منهم (المحافظة على تواصلنا مع الأسواق في العالم، وكذلك استمرارية حصولنا على المواد الخام التي تلزمنا لدعم حاجتنا الاقتصادية دون أي صعوبات ستحتمان علينا امتلاك قدرة عسكرية ذات مصداقية، فهذه القوات يجب أن تتمتع بالقدرة على الهجوم والمبادرة وشن حملات توسعية حقيقية) ص 291.
والإمبريالية تظل إمبريالية لا فرق بين سفلى و (إمبريالية ما فوق العليا) كما يذهب كارل كاوتسكي الذي يسمي الرأسمالية الاحتكارية بـ (ما فوق الإمبرالية، التي يرى أنها مرحلة الاتحادات لا الصراع بين إمبرياليات العالم كله، مرحلة توقف الحروب في ظل النظام الرأسمالي.. مرحلة استغلال الكون استغلالا مشتركا بواسطة الرأسمالي المالي الموحد على النطاق الدولي،) بتصرف والاستغلال وفق رؤية كاوتسكي يتم (عبر التبادلات غير المتوازنة وغير المتعادلة، وعبر فرض المنتجات الأمريكية بالقوة، وعبر غزو رؤوس الأموال الأمريكية للدول التي تنخفض فيها المرتبات،
وعبر الفوائد الاستغلالية للقروض) ص 321 و (تعني بشكل عام اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة، وانتقال الأموال والقوى العاملة والثقافات والتقانة ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق، وتاليا خضوع العالم لقوى السوق العالمية، مما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية وإلى الانحسار الكبير في سيادة الدولة، وأن العنصر الأساسي في هذه الظاهرة هي الشركات الرأسمالية الضخمة متخطية القوميات) كما يقول محمد الأطرش، وحينها لا فرق بين شيلوك الواحد أو المجموع، لأن الثمن يظل دائما أرطالا من لحوم الشعوب الضعيفة، ف ( القصة كلها لا تخرج أبدا عن هذا الإطار) ص321 . إن الاختلاف في تقييم الرأسمالية الاحتكارية بين كاوتسكي المتمركس الذي كفر بها ولينين الماركسي المتعصب، يذكرني بعبارة لشكسبير (ليس هناك ما هو حسن وما هو سيئ، ولكن التفكير هو الذي يجعلنا نرى بعض الأمور حسنة والبعض الآخر على أنها سيئة) نعم لا يتوحد تقييمنا للأمور، أقصد في المختلفات.
لكن الحقيقة التي نؤمن بها جميعا أن الرأسمالية الوجه الأقبح للاستعمار الذي نستقبله بمعية العولمة، فمن المؤكد أن العولمة (هي الشكل المعاصر لهيمنة وسيطرة الرأسمالية بأبعادها المختلفة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والعسكرية، وهي في جوهرها وتجلياتها تسعى سعيا حثيثا لفرض إرادة ونفوذ الولايات المتحدة على العالم وهو ما يعرف الآن ب( الأمركة) استنادا إلى التفرد والتفوق الأمريكي) ص218 .
إن إمبريالية الرأسمالية الاحتكارية التي تنتهجها الإمبراطورية الأمريكية كسياسة اقتصادية للهيمنة على العالم كله تحقق لها أهدافا عدة هي:
1 أن تحتفظ لنفسها بكل مصادر المواد الأولية التي نعرف فعلا أهميتها، وتلك التي لم نتمكن من التنبؤ بوجودها بعد.
2 امتلاك المستعمرات للتمكن من تصدير جزء مما في يده من رؤوس الأموال، كما أن من الممكن التغلب على المنافسة بين رؤوس الأموال الأجنبية في المستعمرات بسهولة.
3 قيمة دعائية ثمينة في سبيل تحقيق الرأسمال المالي، فإن الصراع في سبيل اقتسام العالم الذي ليس الا مشروعا ضخما لتدعيم الاحتكارات يقدم إلى الرأي العام وكأنه مشروع وطني يتعلق بشرف البلاد المستعمرة (بكسر الميم) ويضمن الربح للجميع، كما انه يصرف الأنظار عن المشاكل الداخلية).
3 الطموحات (إذن) تتشابه لان حلم الهيمنة يظل لونا واحدا، منذ الحملات الصليبية الأولى مرورا بالاستعمار ووصولا الى الامبراطورية الأمريكية، الغايات هي هي، الحصول على مصادر الطاقة والمواد الأولية، فرض الهيمنة على مناطق النفوذ التجاري
واستحواذها، فتح الأسواق التجارية لصادرات الدولة العظمى والتحكم في التجارة العالمية، دائما وراء كل امبراطورية عظيمة (شيلوك ومورجان وفاوست) إنها سياسة عامة علمنا إياها التاريخ منذ الرحلات الجغرافية كرحلات المبشر التنصيري ماجلان ونحن في حاجة الى قراءة عميقة لتاريخ التنصير واهدافه ووسائله ورحلة فاسكو داجاما صاحب المقولة الشهيرة (الآن طوقنا رقبة الإسلام ولم يبق إلا جذب الحبل فيختنق ويموت) واكتشاف رأس الرجاء الصالح ورحلات تجارب الغرب إلى كل من إندونيسيا والهند، جميعها كان الهدف منها استعماريا لاكتشاف منافذ حيوية لتأمين تجارة الدول الكبرى والسيطرة على مصادر المواد الخام والتحكم في التجارة العالمية، فقد (دأبت الحكومات الغربية منذ قرون، على فتح الأسواق لمنتجاتها، وتوفير المواد الخام لمصانعها، في كل أنحاء العالم، وذلك بأي وسيلة يمكنها استخدامها: من غزو عسكري، أو صفقات خادعة، أو مكائد سياسية ومالية كما يقول جارودي) ص 241 الإيديولوجية واحدة لكن (القناع) يختلف و (الولايات المتحدة تتصرف كبقية القوى الأخرى ومن الصدف أن الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى هذه المرة، ولهذا فهي الأكثر عنفا. وغيرها لم يكن يختلف عنها، فعندما كان البريطانيون يديرون العالم كانوا يفعلون الشيء نفسه) ص 229 من دروس التاريخ التي لم نستفد منها.ان الاقتصاد القوي هو الذي يضمن (القوة وحمايتها ودعمها، أيا كانت هذه القوة، فإن هذه المسألة، بالنسبة إلى الولايات المتحدة بالذات، مسألة مصيرية، ويتوقف عليها مستقبلها كله، من حيث تأكيد استمرار القوة المنفردة، ومن حيث الاستئثار بكل المقومات الأساسية للهيمنة) ص 208 وحتى وإن كانت (قوة بيضاء) بلا عنف كتلك التي لمح بها السيد غير الوسيم وغير الجذاب (جون كيري) في خطابه الانتخابي، فالقوة دائما هي التي تغذي القوة العسكرية والسياسية، وترعى مصالح الإمبراطورية العظيمة او كما يرى أستاذنا العرابي بأن التصرفات الأمريكية (القائمة على تأكيد قوتها العسكرية والسياسية هي الطريق الأقرب والأنجع من أجل أن تكمل الولايات المتحدة ما تبقى لها من عناصر الهيمنة، أي العنصر الاقتصادي) ص 222 ، وهو بذا أوقفني في حيرة أمام سؤال (هل الهيمنة الاقتصادية مسوغ أم حاصل، للهيمنة العسكرية والسياسية؟؟)
* قوة أمريكا من أجل حماية مصالحها، هذه المصالح التي يعرفها، (سيتوارت آيزن شتاين) وكيل وزارة الشؤون الاقتصادية في محاضرة له بمعهد واشنطن بقوله: يجب إيجاد تعريف جديد للمصالح الأمريكية:
1 مصالح حيوية.
2 مصالح مهمة.
3 مصالح مفيدة.
والشرق الأوسط في مركز المصالح الحيوية بسبب (أمن اسرائيل الطاقة عملية السلام دعم التعددية والديموقراطية الموقع الاستراتيجي). {أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ}.
1 التداخل ما بين عسكري ومدني في حروب اليوم د. خير الدين عبدالرحمن.
2 المرجع السابق.
3 كتاب : القوانين الأساسية للاقتصاد الرأسمالي جان بابي ترجمة حليم طوسون. ص 202.


sehama@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved