الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th October,2003 العدد : 32

الأثنين 17 ,شعبان 1424

قراءة في مجموعة
«للأعراس وجهها القمري» لزينب غاصب (12)
سهام القحطاني
لا أدري على المستوى النظري ما المقصود بمفهوم (القراءة النقدية) وإن كان لي بعض المحاولات في هذا المجال منذ أن كنت طالبة في الجامعة وإن كنت حينها أغرمت بالقراءة البنيوية للنص لأن التعامل مع النص ككائن لغوي فقط يتيح لك مساحات لا نهائية من التخمين والاستقراء، اعتقد أن مفهوم القراءة النقدية ما زال لدينا غير أحادي التعريف فتجد هناك من يشرح لك نصوصاً شعرية أو نثرية تحت عنوان قراءة نقدية، وهناك من يقوّم بعض النصوص الأدبية تحت عنوان القراءة النقدية، وهناك من يعتمد على نظرية التناص أو تفاعل النصوص، تحت عنوان القراءة النقدية، كما نجد ذلك عند أستاذنا الدكتور عبدالله الغذامي، وهذا النوع من القراءة النقدية يحتاج إلى ثقافة واسعة في التراث.
يقول الفيلسوف باشلار إن كل قارئ متحمس يكتب في ذاته من خلال الفعل القرائي وكأن القارئ طيف للكاتب، و(إن فعل القراءة عملية معقدة تغدو فيها إثارة العلامة المكتوبة من دون جواب محدد سلفاً، بل بحسب القارئ، وزمن القراءة وظروفها، وتثبت النظر على المكتوب، وعلى الكفاية اللغوية الحاضرة)، كما يقول أسكاربيت، وقد اعتبر «جاكوبسون» القارئ المقياس الأول في تعريف النص: «كما تعددت أنواع القراءة للنصوص، فهناك القراءة البنيوية والقراءة النفسية والاجتماعية والنسقية، كما تعددت النظريات التي اعتمدت عليها القراءات كالنظرية السيوسيولوجية والنظرية السيميائية، ومع ذلك يظل النص عالماً مفتوحاً بلا نهاية، على العموم الحديث في فعاليات القراءة النقدية ومواصفاتها وتقنياتها ومفاتيحها هو حديث طويل.
** عندما تقرأ شعر زينب غاصب فعليك الدخول إلى عالمها الشعري بحالة خاصة، تحمل معك ما يمكن حمله من حواس مادية وفكرية، حتى تستطيع أن تشعر، كما ينبغي بكل احتمالات مجموع المشاعر التي تمثل حالات حضور التجربة داخل نصوصها، تجربة تعايش التجريب التي تحاول الشاعرة أن تكتشفها حيناً وتقنن ملامحها حيناً وتسنّ وجه غائب عنا للحياة كما تراها أو كما تعتقدها حينا، فالنص الشعري يظل في كل الأحوال وجهة نظر مخصوصة من حيث التكوين و(التعبير عن التجربة الحياتية على حقيقتها، كما يعيها الشاعر بجميع كيانه أي بعقله وقلبه معاً )، كما يقول يوسف خال وهذا الأمر في رأيي لا يغيب دور الأسانيد في تكوين التجربة لكنه يخفق من سلطويتها أثناء التكوين لاتاحة الحرية للشاعر في اختيار شكل التجربة الذي يتوافق مع اعتقاداته للمخصوص الدلالي.
عندما نستقرئ ديواناً شعرياً فإن من الصعوبة تعميم أسلوب قرائي تسقطه على كل النصوص، فكل نص له خصوصيته اللغوية والإيقاعية وترتيب جمله الشعرية البطل الأول في منح روح الحضور للتجربة الشعورية، فكل ما تفعله أن تبحث عن روابط مشتركة لتلك النصوص، وإذا أردنا أن نعرف النص الشعري، نقول هو عبارة عن نظام لغوي وموسيقي تصويري مخصوص يقدم لنا من خلال تجربة شعورية محتملة بصرف النظر عن الانزياح الذي تمارسه كمخصوص، ونصوص ديوان وللأعراس وجهها القمري نجدها تدور وفق علاقات ترابطية تكون في نهايتها ملامح النموذج المحتمل الذي تبحث عنه الشاعرة، تلك الروابط التي تجمع ضمن دائرة الاشتراك في تكوين النموذج (فالحلم، التحدي، الحب، الطبيعة، الرومانسية، البحث) هذه العلاقات هي التي خلقت لنا نصوص الديوان، وقد نجد نصوصاً تحتوي على واحد من هذه العلاقات، ونصوصاً قد تجمع بين علاقتين ونصوصاً قد تجمع أكثر من علاقة.
وتبرز لنا تلك العلاقات خلال النصوص كالآتي:
(7) نصوص علاقة تحدي وحب وبحث ورومانسية مؤنثة.
(10) نصوص حلم وبحث.
(7) نصوص طبيعة وبحث.
(5) نصوص رومانسية مؤنثة وبحث.
(10) نصوص رومانسية عامة وحلم.
وكما نلاحظ أن الشاعرة وظفت تلك العلاقات لتثبيت النموذج المحتمل المرسوم في اعتقادها الخاص الذي كون التجربة الشعورية للنصوص، وهذا الأمر بدوره يقودني إلى ملاحظة وجدتها في الديوان، في المألموف الشعري كل نص يمثل تجربة شعورية تامة الاستقلال عن تجربة النص الآخر، ولا أدري هل هذا النظام التكويني للنص الشعري من أساسيات الصنعة الشعرية أم هو تعارف مهني في صناعة الشعر، أقول وجدت ملاحظة وهي، أن كل الديوان كله يمثل تجربة شعورية واحدة مع اختلاف نصوصه، وكل نص من نصوص الديوان يمثل علاقة مخصوصة هي جزء من التجربة الشعورية، فيصبح مجموع علاقات النصوص بعضها مع بعض هي المكون للتجربة الشعورية، وهذه الفنية حسب قراءاتي الشعرية تظهر لنا عند بعض شعراء المهجر الذين التزموا بأحادية التجربة المعاشة وبعض دواوين الشاعر المصري الرقيق إبراهيم أبو سنة، وبعض قصائد الشاعر يحيى توفيق، وهذا أمر عميق أقصد الفرق بين التجربة والعلاقة في الفكرة الشعرية، لأن تثبيت وحدة التجربة الشعورية في النص الشعري يعني توحيد تيمة النصوص، وهذا يقرب الفن الشعري إلى الأدب النثري لأن التيمة هي من أساسيات صناعة النثر لا الشعر، ولعل هذا الأمر له مسوغ عند الشاعر عامة لا استطيع استيعابها بصورة دقيقة لكن تقريباً أقول إن هذا الأمر يحدث عندما يكتفي الشاعر بالتركيز على التجربة المعاشة بعيداً عن اختلاف تجربة مغايرة كما نجد ذلك عند الشعراء الكلاسيكيين، أو عندما يخلق الشاعر لنفسه تجربة مغايرة للواقع ويتبنى تأسيسها وهيكلتها وتثبيت حضورها بعيداً عن اشتراك التجربة الواقعة، حينها يلجأ إلى تكرارها من خلال العلاقات المكونة لها كما نجد عند شعراء المهجر والرومانسيين ولعلني أزعم أن زينب غاصب تنتمي إلى هذه الفئة، ففكرة النموذج المحتمل ثابتة الحضور من خلال العلاقات المختلفة التي تتمثل بها النصوص سواء أكان هذا المحتمل ممثلاً من خلال العلاقة بزمان مخصوص كالذي تسقطه الشاعرة من خلال أمنية العودة لزمن يتيح لنا القدرة على تفعيل تكوين آخر للتواجد كما نجد في قصيدة (لصوت أمي) أو العلاقة بمكان مخصوص كما نجد في قصيدة (نوتة من غناء قديم) يا بحر (وسمراء تحرق المصابيح، وجوه على ضفاف الوطن) أو العلاقة بشخص مخصوص كما نجد من خلال تحولات العودة/ سيد النجوى/ عائشة/ وحدث البحر قال، أو العلاقة بحلم مخصوص مثل/ مقاطع أولى للحلم/ عندما تموت العصافير/، الحلم والليل/ أو العلاقة باللا وعي المخصوص مثل للأعراس وجهها القمري/، تراتيل للوقت/، غربة/ حتى العلاقة بالذات المخصوصة تحاول الشاعرة صياغتها من خلال محتمل أنموذجي كما نجد في«مرسل الأوتار» من صحوة الشوق تأتين، من قال إني/، قراءة لعشق ضرير/، واعتقد أن كل تجربة فنية يجب أن تكون بحثاً أو رفضاً أو إثباتاً لنموذج معين ولا يشترط أن تتوحد ملامح النموذج في التجارب الفنية، فالنموذج المحتمل عند زينب غاصب له ملامح خاصة تختلف عن ملامح النموذج المحتمل في شعر فاروق جويدة أو في شعر غازي القصيبي أو في شعر ثريا العريض، لكن وجود نموذج محتمل في اعتقاد المبدع أزعم أنه أساس تكوين أي تجربة شعورية لأنه يمثل الباعث لخلقها، كما لا يشترط أن يمثل النموذج في التجربة الأدبية الصورة الكاملة للمثالية أو الفضيلة أو الكمال، قد يكون النموذج عكس ذلك لفعل الرفض أو الإيضاح هو أي هدف يقصد إليه الشاعر، فمثلاً فاوست ودون جوان والمرأة الخطيئة كانت نماذج لكثير من التجارب الأدبية الشعرية أو النثرية، كما نجد ذلك عند دستوفسكي وشكسبير وتوفيق الحكيم ونزار قباني والسياب وغادة السمان ومحمد عبدالحليم ونجيب محفوظ.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved