الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th October,2003 العدد : 32

الأثنين 17 ,شعبان 1424

واقع الفن التشكيلي المحلي (4)
التسجيلية الواقعية
نمط ساد غالبية الأعمال المشاركة في المعارض الأولى
محمد المنيف
16jpg
الوعي بالموروث وخصوصية الانتماء
تحدثنا في الحلقات السابقة عن بعض ما يتعلق بواقع الفن التشكيلي المحلي ومنها مرحلة ولادته من رحم التربية الفنية كاعتراف تاريخي مع الاحتفاظ بما لحق به من اختلاف عن تلك المادة والإشارة إلى ان ما تحقق له من تميز حاليا على المستوى المحلي والدولي ووجود أعمال تضاهي أعمال من هم على الساحة العربية أو الغربية ما يدفعنا للاعتزاز بأن أولئك الفنانين لا يزيدون أو يتميزون بشيء مما ننافسهم به مع أن غالبية فنانينا لم يتلقوا تعليماً أكاديمياً متخصصاً في مجال الفنون التشكيلية لنأتي اليوم للحديث حول ابرز ملامح هذه المسيرة ومنها ان الاساليب الاولى التي ظهرت على عامة اللوحات المحلية هي التسجيل المباشر للمحيط البيئي بكل عناصره من خلال الكلاسيكية والواقعية والانطباعية الاكثر حضورا في المعارض وقد جاءت استجابة وتقديرا للمستوى الثقافي البصري لدى المتلقي المحلي في مرحلة مازال الفن التشكيلي في طور الحضانة والتشكل تحت التربة وجدت الرغبة والحرص على ان يستمر الاداء في بحث التراث والتعبير عنه في المعارض اللاحقة التي تقام على مستوى الرئاسة العامة لرعاية الشباب في الاعمال المقدمة من قبل المشاركين من الفنانين أو منسوبي مراسم الأندية التي استقدم لها مدربين من خارج المملكة غالبيتهم من دول عربية شقيقة يتم تحديد مستوى ادائهم بناء على قدرة النادي المادية وحجم ميزانية النشاط الثقافي الذي يندرج الفن التشكيلي تحت مظلته بجانب الدورات التي تقيمها الرئاسة للراغبين من الفنانين من مختلف مناطق المملكة لتلقى الخبرات في الفنون التشكيلية المختلفة من نحت وخزف وتصوير زيتي وخلافه، كل هذه المصادر أو المهام والجهات أو الإدارات التي أنيطت بها لها تأثيرها الكبير على مستوى نوعية ما يطرح من موضوعات أو تقنية وقدرات في الأداء.
اتجاهات التشكيل المحلي
اذا فإن أكثر الأساليب شيوعاً في بداية الحركة التشكيلية كانت في حدود محاولات الفنانين إقناع المشاهد أو المتلقي بهذا الفن الذي اصبح يأخذ طريقه للجمهور بشكل خاص وضمن برامج معينة وفي صالات متخصصة وأسلوب عرض جديد بعيد عما عرف عن هذا الفن من انه نشاط مدرسي مع ان الكثير من تلك الأعمال لم تكن بحجم مجارات الأعمال الكلاسيكية أو الواقعية التي عرفها العالم أو الفنانين في بعض دول العالم العربي في مصر مثلا أو العراق باعتبارهم الأشهر في مجال الفنون التشكيلية وما أبدع فيه نخبة منهم من المصورين في مجال اللوحة المستوحاة من الطبيعة أو البروتريهات هذا النمط في الأعمال المحلية استمر لفترة ليست طويلة عودا إلى قصور فهم الكثير من ممارسي هذا الاتجاه بحرفية الأداء ثم تدني مستوى من كان لهم محاولات يائسة فيه نتيجة لعدم وجود دراسة مستفيضة ومكثفة وعلى قواعد أكاديمية فخرجت غالبية الأعمال مشوهة وناقصة النمو في بنائها ابتداء من التكوين العام للوحة مرورا بالأسس المهمة في التقنية اللونية والتعامل مع عناصر الظل والنور والنسب والأبعاد والخروج منها بالشكل والموضوع السائد إلى ان بدأت الحركة التشكيلية بما أوجد لها من تنوع في مصادر الوعي والثقافة عند الفنانين بالجديد الوافد بين ملم وعارف وصاحب تجارب وقدرات وبين محاول ومجرب وبين تابع ومقلد كل هذا جاء في الفترة التي تلت عودة الدارسين من الطلبة المبتعثين من الخارج من اوروبا والولايات المتحدة وبما استوردوه وجلبوه معهم من تلك الاتجاهات وفي مقدمتها الاعمال التجريدية اضافة إلى مختلف المدارس الحديثة التي انبثقت من مرحلة الانطباعيين اضفت سمات غريبة وجديدة على الساحة بما تم عرضه في السنوات اللاحقة بعد تبني الرئاسة العامة لرعاية الشباب النشاط التشكيلي واقر ضمن انشطة الاندية الثقافية ثم اسس له إدارة وقسم مختص وضع من خلاله البرامج واقيمت المعارض لفنانين محليين وعرب واجانب اضفى الكثير من المعرفة على مستوى مفهوم اللوحة والعمل التشكيلي مع ان في حضورها بهذا الحجم يعتبر نقلة سريعة وبحر متلاطم اغرق الكثير ممن لم يكونوا على قدر من الوعي بالاعماق الفكرية والفلسفية التي اوجدت لها مثل هذه الاساليب في مسرحها العالمي ولم يسلم منها الا من سخرها لخدمة تراثه وثقافته العربية مع ان هناك منها ما كان يمارس باستحياء بما تلقاه بعض الفنانين من معلمي معهد التربية الفنية كما اشرنا في سياق الحديث، هذه المدارس وتلك الاساليب مع انها خلاصة لتجارب طويلة من قبل مؤسسيها وروادها العالميين كشفت بشكل مكثف ضعف بعض المنتمين إلى الساحة المحلية من المتأثرين بهذه الاتجاهات بكل علاتها حينما وضعوها قناعاً لعدم قدرتهم على التعامل مع أبجديات واسس العمل التشكيلي الاكاديمي أو رغبة في اثبات الذات فكان لوجودهم وبهذا الاسلوب السريع والجديد دون أي سابق حضور احداث ردود فعل مختلفة ممن هم على الساحة من فنانين ومتلقين يمكن لنا تحديد بداية هذا التحرك نحو الاساليب الجديدة في فترة السبعينيات الميلادية التسعينيات الهجرية وهي الفترة التي تحرك فيها الفن التشكيلي بشكل واضح ومكثف اثرى الساحة واستعرضت فيه «العضلات» ان صح التعبير تلاها فترات شاب فنانيها البارزين شيء من الخمول والتراجع ومحاولات جادة لاعادة صياغة الواقع وتنظيم الاوراق ووضع الفن على مساره الصحيح الا ان الاعمال التي كان يتم عرضها في تلك المرحلة وعلى مدى عشر سنوات بما زخرت وازدحمت به المعارض من مختلف المستويات والتجارب كانت متذبذبة من معرض إلى آخر الا من القلة القلية التي تمسكت بخط سير واثق الخطى وواضح المعالم منطلق نحو التجديد والتطوير في اطار يجمع المحلية بالعالمية منها ما يتم عرضه في معارض فردية او ضمن معارض جماعية التي اصبحت تقيمها الرئاسة العامة لرعاية الشباب تحديدا كونها الجهة الرسمية الوحيدة التي اخذت على عاتقها دعمه وتطويره وتهيئة الظروف المناسبة له محليا ودوليا كما اشرنا في سياق الموضوع فكانت تلك المعارض في بدايتها ذات وهج جذاب ومستوى رائع في الكم والكيف تحولت الى ملتقى لكبار الفنانين حتى توسعت دائرة القبول فيها وشملت الموهوبين والواعدين واعمال مراسم الاندية.
والجميل في الأمر اهتمام هذه النخبة من الفنانين الذين اخذوا على عاتقهم النهوض بالفن التشكيلي من مرحلته هذه الى مرحلة اكثر ثبات وكشفاً للمستوى الذي يجب ان تكون عليه حقيقة هذا الفن شكلاً ومضموناً والخروج بأعمالهم الحديثة المعاصرة دون التخلي عن مصادر الالهام ومن اهمها التراث بكل معطياته الفكرية والبصرية والبعد عما اصاب الساحة من تكرار ممل لأساليب غريبة مكشوفة يكررها البعض دون وعي بما تعنيه مثل هذه التبعية فأصبحت تلك الاساليب تعني بالشكل اكثر من اهتمامها بالفكرة والموضوع المراد التعبير عنه فانتشرت الاعمال التجريدية الصرفة.
إضافة إلى ما تبقى من ملامح التأثر بالأعمال العراقية والمصرية والسودانية، مما يعني عدم قدرة تابعيها لاكتشاف أساليب خاصة بهم مبنية على مرجعية فكرية وبصرية منتجة محليا.


«إلى الحلقة القادمة بإذن الله حول مرحلة الاستقرار في الساحة التشكيلية».

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved