الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th October,2003 العدد : 32

الأثنين 17 ,شعبان 1424

خواطر مرسلة
من قديم أوراق الأديب الراحل عبدالله بن إبراهيم الجلهم رحمه الله
أعدها للنشر أ.د. عبدالكريم الأسعد
دمعة على حبيب

لقد كان يوم الخميس الموافق للرابع عشر من شهر شعبان من عام 1411للهجرة الموافق للثامن والعشرين من شهر فبراير عام 1991 للميلاد يوماً حزيناً حمل إليَّ خبراً مفزعاً ومصاباً أليماً هو وفاة الصديق الحبيب والرجل الصالح فضيلة الشيخ «عبدالعزيز العلي المساعد».
طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ
فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقُه أملاً
شرقتُ بالدمع حتى كاد يشرق بي
«أبو الطيب المتنبي»
لا جُناحَ عليَّ ولا تثريب أن أقدّم لمدامعي هذه شواهد من مراثي شاعرين راحلين غاب أحدهما عن وجودنا منذ قرون طويلة ولكنه باقٍ بيننا ومعنا في أدبه وفنه، وكنت يا فقيدنا الغالي تصطفيه وتردد آثاره بإعجاب منك وفهم سديد وشديد لا اختصام فيه مع أحد من الخلق رغم حكم الشاعر المعني بهذه المقدمة وهو «أبو الطيب المتنبي» على كل مُردد لكلماته ودارس لشعره بأنه:
«ينام ملء جفونه عن شواردها»
«ويسهر الخلق جرّاها ويختصم»..
أما الشاعر الثاني فقد غاب عنا منذ عشرات السنين إلى رحاب الله ولكن شعره الاجتماعي الذي يتميز به حي يُردد في كل حدث ومناسبة وهو «حافظ إبراهيم»..!!
أعود بعد هذه السانحة العابرة التي دعتها الذاكرة عنك ومنك يا فقيدنا العزيز لأفصح عن المدامع الجارية الجارفة التي تسيل بها المقل على فراقك وبعدك لقد حُمَّ القضاء ودعاك الداعي فلبَّيت روحك الزكية إن شاء الله نداء خالقها وموجدها الحكيم راضية مرضية ، انطلقت من محبسها الدنيوي إلى رحابه ورحماته، تسأله الرضا بعدالقضاء وبرد العيش في الآخرة ولذة النظر إلى وجهه الكريم بإذنه وعفوه ومكارمه...!!
كنت فينا يا أبا مساعد وما أكثر محبيك وقاصديك وعارفي فضلك ملء السمع والبصر والفؤاد حفيّاً بكل أحد، مستبشراً بكل وافد وسائل وذي حاجة ومُلمَّة ممن تعرف ومن لا تعرف تغدق على من حولك وعلى من بَعُد عنك بهاتفه ومكالماته سحائب لطفك وعطفك وهدايتك وعقلك الراجح القويم بلا مَن منك ولا ملل رحمك الله وأجزل مثوبتك..!!
«لقد كنت فينا كوكباً في غياهبٍ
ومعرفةً في أنفس نكرات»
«حافظ»
فقدنا الصبر على بعدك وفراقك.. وكنت فينا تمنح الصبر بسماحتك ودعوتك وعلوِّ قدرك وسموِّ فكرك ولكنَّ الله غالبٌ على أمره، حكيم في قضائه وقدره ولا رادَّ لحكمه..!!
«مضى مَنْ فقدنا صبرنا عند فقده
وقد كان يعطي الصبرَ والصبرُ عازب»
«أبو الطيب»
أنعم الله عليك يا فقيدنا الحبيب بقلب مفتوح ونفس نفيسة مشرعة للعانين والسائلين والمسترشدين، وأكرمك بمقام رحيب يُدني ذوي الحاجة والمقالة والمسألة حتى يلتئم جمعهم وشملهم في سفينتك الأمينة لتوصلهم شاطئ الأمان والنّوال والعرفان...!!
«فيا ويحَ للفُتيا إذا قيلَ مَنْ لها
ويا ويحَ للخيراتِ والصدقات»
«حافظ»
بكيناك يا أبا مساعد وأنت فردٌ منا وجزءٌ من كياننا ولكننا سنظل نبكي فيك كثيراً من الأنفس والأرواح التي وهبت نفسها لله تبر عباده وتلبي نداءه ومنهجه وتعمل على إصلاح دينه ودنياه..!!
«بكينا على فردٍ وإنَّ بكاءنا
على أنفسٍ لله منقطعات»
«حافظ»
فَقَدَ الناسُ أحبَتهم قبلنا ولكنَّ فقدك يا أيها الراحلُ الأمين جَلَلٌ ومصابك أليم.. لقد عِي الدواءُ فيك وفشل الطبيب نحوك لأن إرادة الله ماضية، وقضاءه حكيم..!!
«وقد فارق الناس الأحبة قبلنا
وأعيا دواءُ الموت كلَّ طبيب»
«أبو الطيب»
ولهذه الدنيا يا فقيدنا الغالي حكم وفلسفات، سبقنا إليها من سبق، وعاش فيها قبلنا من عاش ثم ولَّى عنها وتركها لسواه ولو دام فيها لبخلت بغيره أن تراه..!!
«سُبقنا إلى الدنيا فلو عاش أهلُها
منعنا بها من جيئة وذهوب»
«أبو الطيب»
لقد خلَّفت لنا يا صاحب المحبة والإخلاص ، ونحن اللاَّحقون بك، السائرون بأثرك عندما تنفذ مشيئة الله وإرادته دروساً واقية وعظاتٍ باقية لا ينفد معينها ولا ينضب رواؤها وثراؤُها لأنها كانت تصدر من قلبٍ مخلص، ولسان صادق، وإنسان يعرف للإنسانية مكانتها ومحبتها وقيمتها ويعرف للإسلام المطهَّر دعوتَه وعالميته ورسالتَه الحياتيَّة، ويدرك خيريتَه في الوجود وعلى مدى التاريخ والزمان..!!
وذهب فقيدنا العزيز من مسقط رأسه ومحل إقامته «عنيزة» إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة ليعتمر وينسك وهو إذ ذاك لا يشكو مرضاً ولا عنتاً بعد أن توقف مرض ألمَّ به من قبل وأدى العمرة بعناية الله وفضله وناجى خالقَه في حرمه ومأمنه.. وبعد ساعات معدودة أعقبت هذا النسك الشريف أحسَّ بالمرض يسعى إليه حثيثاً ودون إمهال ليتقيه بعلاج.. وما هي إلا ساعات حزينة حتى أسلم نفسَه لبارئها.. ولبَّى نداء ربه بجوار بيته وحرمه، وقد كان يتمنى ذلك ويرجوه..!!
«ومن كانت منيته بأرضٍ
فليس يموت في أرض سواها».
رحمك الله يا أبا مساعد ورضي عنك مجاوراً لبيته وحرمه.. منتظراً عفوه ومغفرته فإنه الجواد الكريم ذو الفضل والمنّ والإحسان..!!
«ووليتَ شطرَ البيتِ وجهكَ خالياً
تناجي إله البيت في الخلوات»
«حافظ»
ويا أيها الفقيد الحبيب إننا لفراقك لمحزونون.. ولا نقول إلا ما قال سيِّدُنا ونبيُّنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم «إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك لمحزنون..»
الله ألهمنا الصبر على فراقه.. وامنحنا السّلوَّ بعده.. واجمعنا به في مُسْتَقَرِّ رحمتِك ومنازلِ عفوكِ وكرامتكِ.. مع الصِّديقين والشهداء والصالحين.. يا رب العالمين..!!
( إنالله وإنا إليه راجعون)


الرياض/ عبدالله إبراهيم الجهلم
24/8/1411هـ

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved