الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th November,2006 العدد : 176

الأثنين 22 ,شوال 1427

شهي النغم معتق الألم
د.علي بن محمد الرباعي
من عجيب المقادير أن يتصدر قائمة الإبداع في الغالب أولئك الخارجون من رحم الطبقات الكادحة، الذين تجرع آباؤهم مرارة الفقر والفاقة، ولحقهم من أبخرة ذلك الزمن ما صبغ ملامحهم بالنبوغ في صغرهم، ليدخلوا مع الأيام في سباق مسافات طويلة له بدء ولا تعرف له نهاية.
ومع ما سكن نفوس وأرواح المتعبين بالطموح المتجاوز حدود القمر، تحققت لهم بعض المكانة المعنوية عند طائفة المتابعين والراصدين لنتاج وإنجازات هؤلاء المعذبين في الأرض، إلا أنها تظل مكانة استهلاكية لا تؤكل خبزاً ولا ترقى في منصب وحسبها بما تشقى شرفاً.
والشاعر المبدع علي أحمد النعمي، ممن تلظوا بنيران الحرف، وشغف القراءة في سنى الطفولة والشباب، وكان من قلة جاءت إلى المدن من قرى جنوبية لم تعرف الكهرباء لتصبح بمواهبها مصابيح فكر وفن وإبداع.
حاولت أن أوصف هذا الرجل فوجدتني أنعته بكلمة واحدة (إنه جازان) هكذا يمكن أن أختصر شخصية النعمي حين أدعى للكتابة عن هذا الجنوبي المتشح بسمرة السواحليين المتدثر بشموخ جبال جازان، العميق كعمق بحرها، المضمخ بفل صبيا وضمد، وإذا كان من العسير علينا أن نطلق صفة الرجولة على كل ذكر، إلا أنك متى ما ذكر لك اسم النعمي فإنك تصفه بالرجل بكل ثقة وطمأنينة دون ندم على إطلاق الوصف على من تحلى بصفات لا تتوافر إلا في معادن الرجال الأصلاء.
هذا المبدع الجنوبي تحدى صعوبات الحياة، وتجاوز بتسام كل تداعيات الحزن والألم التي يمارسها بعض عشاق التصنيف الطبقي والمناطقي، ونجح في طي الطبيعة القاسية وقسوة الطبيعة تحت قدمي تطلعه للسمو، حتى غدا معلماً ثقافياً وطنياً وقومياً يتشكل في نبضه وفاء الجنوبي وخفة حركته وعظمة أنفته، ومزاجيته الحادة، سمعت عنه فأغرمت به، وعندما رأيته ازددت تعلقاً به، كيف لا وأنت تجد في ذاته بعضاً من ذاتك، ليحتل ببساطته وعنفوانه وشهامته كل تكوينك الإنساني والمعرفي لتتقلص فوارق السن والمنجز فتتعانق الأرواح وتتداخل المشاعر.
هذا الشاعر السعودي هوية والعربي قومية والإنساني نزعة المصقول بحرارة التجارب المتمرسة، وعى مفاهيم وطنية وقومية، وإسلامية، فصهرت فيه الفردية، وحلت محلها صورة الجماعة بتلاوينها وتقلبات طبيعتها وسنوات الخير والقحط التي تمر بها هذه الأرض الممتدة في دواخلنا كشريان يوصل الماء بالماء.
سجل الشاعر علي بن أحمد النعمي، حضوراً إبداعياً يطرزه نقاء الإنسان، وصفاء المبدع المليء بالأشياء الجميلة، ومن أجمل ما عرفت عن هذا الشاعر أنه (رجل يعرف قدر نفسه).
ولا بأس ببعض السوداوية الطاغية على أشعاره، فالشاعر الحر ثائر بطبعه لا يروقه أية حال ولا تستوقفه الهامشيات، إنه الحالم بمثالية كبرى كثيراً ما اغتالتها قبل اكتمالها الأيام، لأن المدينة الفاضلة لا وجود لها إلا في أذهان الحالمين أليس هو القائل جئت إلى الدنيا ولي مأمل فغاله الدهر ولم أسعد.
وللنعمي عذره في انكفائه على روحه، وحدبه على كتبه ومكتبته ودواوينه، لأن له شخصيته المختلفة ولأن الحياة بالنسبة له لم تعد تلك المغرية أو الفاتنة خصوصاً حين تستشري ظاهرة الذئاب في الثياب.
إنه شاعر الأغراض المتعددة، والكلمات الفاتنة، والمناجاة الفريدة وكأني أحسبه أجمل من تغنى بالأرض ومما جاء في ديوانه الأرض والعشق.
ما أجمل الحب في عرفان معترف، وما أرق الهوى في الروضة الأنف، وما على النفس إن هاجت خوالجها، وشدها عشقها للأرض في شغف، وهل يمل حبيب حب ملهمه، معنى الصفا والوفا والطيب والشرف، أرضي عشقتك يا أرضي وعلمني، دوسي على الشوك شوك العرج والزغف إن الهوى الحق لا ينمو بلا وله، ولن تدوم طويلاً زفرة الصدف، معجونة منك أحلامي وأوردتي، قوية النبض من إشراقك اللهف، إليك يحلو انتمائي يزدهي فرحي، فأنت دفئي وترنيمي ومنعطفي.
وها هي الثقافية بما لها من دور ريادي في تكريم المبدعين والرواد تتولى اليوم زمام التكريم المعنوي للشاعر النعمي لتؤكد لنا وله أن احترام الصوت المتفرد لا تزال له مساحة رغم زخم الماديات العادي على كل ما هو جميل شكراً للنعمي إنساناً وشاعراً ومفكراً، والشكر موصول للجزيرة الثقافية محرراً ومديراً ورئيس تحرير وفنيين ومخرجين.


rabai4444@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved