الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th November,2006 العدد : 176

الأثنين 22 ,شوال 1427

بكتابة مقدمته
هل أخطأ المؤرخ عبدالرحمن بن خلدون؟ 1-2
ندى الفايز
تحتفل أكثر من دولة في العالم الإسلامي والعربي بمرور 600 عام على وفاة المؤرخ ابن خلدون، ويعد عبدالرحمن بن محمد بن أبي بكر الحضرمي المعروف بابن خلدون من وجهة نظر الكثيرين من أعظم المؤرخين العرب القدامى والمحدثين كما يعد مؤسس علم الاجتماع غير أنه لم يكن من فقهاء أو من علماء الشريعة الإسلامية وعليه سمحت أن أطل برأسي على أعماله وأقوم بعمل هذه القراءة النقدية المتواضعة التي تضع بعين الاعتبار العوامل الاجتماعية التي أسهمت في تركيبة شخصية ابن خلدون الاجتماعية والثقافية، ومعروف أن جذور ابن خلدون ترجع إلى اليمن وتحديداً من حضرموت حيث ينتمي إلى فرعٍ من قبيلة كندة.
ومنها وصل جد ابن خلدون إلى منطقة كارمونا باشبيلية بإسبانيا أثناء فترة الفتح الأندلسي وعندما ضعف شأن المسلمين في الأندلس هاجر (بنو خلدون) إلى تونس حيث تولى الجد الثاني للمؤرخ عبدالرحمن بن خلدون واسمه أبو بكر بن محمد شؤون الدولة في تونس كما تولى من قبل ذلك جده الأول محمد بن أبي بكر رئاسة الحكومة في إمارة (بجاية) وكانت ولادة المؤرخ ابن خلدون بتونس في عام 1332م.
ومع ان ابن خلدون كان سليل عائلة تتمتع بالنفوذ والسلطة غير أنه فضل التفرغ للعلم في باكورة حياته وان يكرس تلك البدايات في البحث العلمي كما ختم نهاية حياته بذلك لكن لأسباب أخرى مختلفة تماماً، وما بين البدايات والنهايات حقبة زمنية (لا) يمكن على الإطلاق قراءة مقدمة ابن خلدون دون فهم ودراسة العوامل الاجتماعية والبيئة التي شكلت معاً شخصية ابن خلدون الأدبية والعلمية خصوصاً بعد هجرته من تونس إلى فارس مع من هاجر نتيجة انتشار داء الطاعون الذي قضي حتى على حياة والد المؤرخ عبدالرحمن بن خلدون ومن فارس رجع ابن خلدون إلى غرناطة بالأندلس مرة أخرى وعينه السلطان سفيراً لتنظيم العلاقة مع الممالك الأوروبية، الأمر الذي يمكن أن يسمى بحسب مفهوم العصر الحديث وزير الخارجية ونظير نجاح ابن خلدون المتواصل والباهر قام السلطان بإهداء ابن خلدون قرية كاملة له كما أغدق عليه العطاء والكرم، غير أن الواشين كما هم في كل زمان ومكان قاموا حسداً وبغياً بالإيقاع بين السلطان وابن خلدون والاضرار به وعليه غادر إلى الجزائر وبقي بها خمس سنين تقريباً.
وبما أن الشيء بالشيء يُذكر فمن المفيد التنويه حول محاولة الجزائريين من حين لآخر الادعاء بجزائرية ابن خلدون، الأمر الذي مازال يثير سجالاً بينهم وبين التونسيين الذي ينسبون ابن خلدون لهم أيضاً بنفس الوقت، ومن مظاهر المبالغة في ذلك وجود تمثال لابن خلدون بالعاصمة تونس وتحديداً بالساحة التي أُطلق عليها اسمه ساحة ابن خلدون ووجود مدينة باسمه أيضاً.
كما أن المصريين كذلك ينسبون ابن خلدون إليهم أيضاً باعتبار أنه قضى أواخر حياته بمصر معلماً بجامعة الأزهر الشريف وعمل بالقضاء المصري، والغريب بالأمر هو زهد اليمنيين بابن خلدون وعدم دخولها في هذه الجدلية أو حتى الاحتفاء به على الرغم من جذوره اليمنية!!
هذا ومن منظوري الشخصي أرى أن ابن خلدون يعد حضرمي الأصل وتونسي المولد وجزائري الزيارة ومصري الإقامة والهوى، أضف إلى ذلك أنه (لا) يمكن على الإطلاق قراءة مقدمة ابن خلدون دون أخذ الظروف الاجتماعية والنفسية التي مر بها ومرت به بعين الاعتبار خصوصاً بعد أن بدأ ابن خلدون تدريجياً يزهد في المناصب ورفض حظوات السلاطين والأمراء التي يتبعها من وجهة نظره حروب ودسائس وسجون ومطاردات وأضرار بالنفسية والسمعة خصوصاً بعد تلك التجربة السيئة للغاية التي ما كان يجب أن يعممها ابن خلدون على العرب خصوصاً أن التاريخ الإسلامي والعربي به نماذج من فراسة العديد من الملوك والأمراء في دحض مثل تلك الوشايات والافتراءات التي يعاب على سلطان وأمراء ذلك الزمان والمكان خصوصاً أن رجال الدولة والسلطة بشكلٍ عام لا بد أن تكون لديهم فراسة وثبات على المواقف وأيضاً مع الرجال ووقف تمادي الحاشية على من وثقوا بهم وعملوا معهم بصدق، وأن تكون مواقفهم ثابتة عوضاً عن المزاجية أو التقلب التي من الواضح أنها أفزعت وأرعبت ابن خلدون وأوجدت لديه ردات فعل ظهر أثرها بوضوح عندما تفرغ لكتابة المقدمة التي عرفت باسمه بمقدمة ابن خلدون!!
هذا ومن وجهة نظري الشخصية أيضاً أجد بعد قراءة شخصية وفكر المؤرخ ابن خلدون أنه إنسان حساس جداً ومرهف للغاية ولو طرق باب الأدب والشعر ونظم القصائد الرومانسية أو حتى الرثائية عوضاً عن الاشتغال بعلم الاجتماع والتاريخ لأصبح من أبرز وأهم أعلام الأدب العربي، هذا ومن الواضح أن ابن خلدون بعد قصصه الشهيرة مع الحاسدين والباغين فزع أشد الفزع من تلك الأجواء المرعبة وحاول الانسحاب تدريجياً من تلك البيئة ومن ثم الاعتكاف وبقيت أياديه طاهرة ومتوضئة ولم يتلوث ويصبح مثل بقية الحاسدين والواشين أو حتى يسلك مسالكهم في الإيقاع بالآخرين بل فضل الانسحاب والابتعاد فوراً والاشتغال بالكتابة والتدوين غير أن التجربة وبحسب وجهة نظري المتواضعة أوجدت عند ابن خلدون ما يُعرف بالرهاب الاجتماعي من مخالطة السلاطين والأمراء والخوف الشديد إلى حد الفزع من الحاشية التي تحيط بهم، ومن الواضح أنها كانت بذلك الزمان تحديداً تتربص بمن يقترب من السلاطين ويحظى بالمكانة والاحترام عندهم وعندها تلحق الضرر والأذية بهم حتى يبعدوا هؤلاء الأشخاص، ومن الواضح أيضاً أن ما أفزع وأثر في نفسية ابن خلدون كذلك هو عدم إيقاف السلطان لمثل تلك التصرفات من قِبل الحاشية بل الاستماع إليهم وإلحاق الأذى بابن خلدون على الرغم من خدماته الجليلة للسلطان وإخلاصه بالعمل!! ولا ريبَ أن مرور ابن خلدون بتلك التجربة التي أوجدت عنده ما يمكن أن يُطلق عليها بمفهوم العصر الحديث رهاب اجتماعي من السلاطين والأمراء والحاشية المحيطة بهم، وقرر بعدها الابتعاد تدريجياً ومن ثم كلياً عن مخالطة السلاطين والأمراء والرحيل في نهاية المطاف إلى مصر أيام حكم المماليك وعقب وصوله مباشرة للقاهرة غرقت زوجته وأولاده في البحر الأبيض المتوسط عندما أرادوا اللحاق به، وبعدها تفرغ للكتابة والتدوين وقضى بقية حياته بمصر معلماً بالأزهر الشريف واشتغل بسلك القضاء المصري وقضى قرابة أربعة وعشرين عاماً بمصر حتى توفي في أحد منازل القاهرة بمنطقة باب الفتوح عام 1406م.
وحتى يومنا هذا يعد ابن خلدون عند الكثير من عظماء المؤرخين وعلماء الاجتماع بالوطن الإسلامي والعربي حتى اني تخوفت للغاية من كتابة هذه المقالة ونشر هذه القراءة النقدية وقصرت نقد المقدمة الخلدونية عن عمد في فكرة واحدة دون بقية الأفكار النقدية على الرغم من أن المأخذ عليه متعددة للغاية وبما أنه عمله بشري كبقية الأعمال البشرية (لا) يعتريها الكمال سمحت لنفسي أن أطل على القراء الكرام بهذه القراءة النقدية الأولية وطرح سؤال ارتضيته عنواناً للمقال المثال بين أيديكم: هل أخطأ ابن خلدون بكتابة المقدمة عبر الوقوع بخطأ تعميم التجربة الشخصية على المجتمع بل على شعوب الأمة العربية ككل!!
وهل سببت تلك التجربة عند ابن خلدون رهاباً اجتماعياً وخصوصاً من مخالطة السلاطين والحاشية المحيطة بهم التي يعتري البعض منهم الحسد والبغي عند نجاح الدؤوبين!!
الأمر الذي أصاب ابن خلدون بالفزع والصدمة من طبائعهم المتوحشة وعليه امتزج ذلك بفكر ابن خلدون عند كتابة المقدمة، خصوصاً أنه من الواضح للعيان ظاهرة نفسية ابن خلدون من هذه التصرفات التي تفسد الدماء وتفزع القلوب.
وغيرها من الأسئلة المتعددة التي سمحت لنفسي أن أطرحها بتوجس أيضاً من أن تُفسر لدى البعض في أن هذا الطرح النقدي إنما هو تجرؤ على شخصية بثقل ووزن ابن خلدون بالعالم الإسلامي قبل العربي، الأمر الذي ينفيه بالطبع مناقشتي للموضوع على استحياء بصحيفة عربية (لا) غربية، وذلك من بوابة البحث العلمي ومحاولة الحصول على الإجابة من العرب الراسخين بالعلم لأنه وبصدق تلك التساؤلات تحصف بذهني تجاه عالم ومؤرخ جليل بقامة ابن خلدون، الأمر الذي قد يمر به آخرون من الجيل الجديد نفسه خصوصاً ممن تغلب عليهم النظرة الفاحصة (لا) الناقلة للمعلومة بعيداً عن الانبهار بالموروث الثقافي العربي خصوصاً أنه توجد أخطاء متعددة بمقدمة ابن خلدون كتبها ضد العرب واستخدمت لاحقاً ضد العرب أنفسهم ومنها على سبيل المثال (لا) الحصر الذي يصعب:


nada@journalist.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved