الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th November,2006 العدد : 176

الأثنين 22 ,شوال 1427

(السّميح) الشاعر المتدثِّر بالبياض..!
حمد بن عبد الله القاضي

في زمن تستقبل فيه صدور الأطفال طلقات البنادق بدلاً من عبق الزنابق.. تأتي الكلمة الجميلة للتخفيف من إيقاع الحروب ووقع الدمار والقنابل العنقودية وغير العنقودية.
من هنا كم ترتاح جوانح الإنسان عندما يجلس إلى كتاب نثري أو شعري ينقله من رتابة الإيقاع الحياتي إلى حياة أوفر اخضراراً وأحلاماً.
لقد عشت سويعات مع عطاء شاعر (سمح) في كلمته (سمح) في خلائقه.. زاهد بالأضواء (متدثِّر بالبياض) دائماً.
إنه الشاعر (عبد الله السميح) الذي تقرأ شعره فتحسّ أنك تسير في حديقة تقطف منها ورداً وتشاهد نهراً.. وتتسلق جذع نخلة مثمرة!.
(متدثر بالبياض) هو ديوانه الأول الذي قضيت معه وقتاً مريحاً في إحدى الليالي الماضيات.
توقفت أمام قصائد هذا الديوان.. وتساءلت كما تساءل د.غازي القصيبي أين هذا الشاعر طوال كل هذا الوقت..؟.
دعوني أتوقف قليلاً عند نماذج من قصائد هذا الديوان الذي تتسم قوافيه بصدق العطاء، وجزالة المفردة، وجمالية النص.
أولى ثمار هذا الديوان الدانية التي أخذتني في رحلة تأملية مع نبضات أبياتها قصيدة: (عندما تورق الأغنيات) وهي رحلة في دنيا التأمل مع تلك (النخلة) التي تساءل عن هزيمتها و(الأغنية) التي ينتظر أن تورق من كفيه.. اقرؤوا معي هذه القوافي من قوافيها وحلقوا في فضاءات الشعر والشعور:
وهذه ليلةٌ عذراء عابقةٌ
بالشعر ينثال في أجوائها المطر
وأنت في بهو هذا الليل عاشقةٌ
تهفو لرقتها الأحلام والصورُ
هل نخلةٌ هزمتها الريح فانكفأت
على المرارة يوماً سوف تنتصرُ
وكيف تورق من كفيّ أغنيةٌ
ما رامها عازفٌ أو زفها وترُ
(شموخ).. هذه القصيدة ترسم شموخ الإنسان الذي تسمو خلائقه على غرائزه، وشيمه على شهواته، لقد كان الشاعر كما يبدو من جو هذه القصيدة في الغربة وحيداً في بلد أجنبي، ورأى امرأة أرادت أن تغريه أو تغويه لكن الله صرف عنه كيدها رغم سحرها وجمالها.. رغم أنها فتنة.. إذا ما خطرت في الدرب شوقاً.. بشعرها الليلي وصدرها الباذخ وعينيها المتوهجتين، لكنه بمثله الزاهية وتطلعه إلى هدفه الأسمى نأى عنها وعن إغرائها وعن عهرها شوقاً إلى هدف أهدى وطهر أنقى!.
فتنةٌ أنت إذا ما خطرت
كل دربٍ رفَّ شوقاً واشتهاءْ
شعرك الليلي يهمي عبقاً
صدرك الباذخ دفئاً واشتهاءْ
وهْج عينيك وثغرٌ طفرت
فوقه كل أغاني الشعراءْ
كلها تمسخها في ناظري
ضحكة العهر وإهدار الحياءْ
ومضى يكظم من غصته
مثلما يقضي شموخ الشرفاءْ
يرقب الفجرَ الذي يسمو له
شرف القصد وصبر الأنبياءْ
لن تطالي من شموخي لفتةً
تنالي من جلال الكبرياءْ
فاخدعي غيري فدوني عفةٌ
تتباهى بوقار الأتقياءْ
الله: (عفة).
كم توقفت ورددت البيت الأخير:
(فاخدعي غيري فدوني عفة تتباهى بوفاء الأتقياء)
سلمت وسلمت خلائقك وسلم شعرك العفيف كعفة شيمك!.
و(للوطن) حضور أخاذ بين قلائد هذا الديوان!.
قصيدة (حديث الوطن لهم) فيها شوق لهذا الوطن، وحب له وفخرٌ به.. ولعل الشاعر عزف هذه القصيدة خلال اغترابه للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية.
اقرؤوا معي هذا (الغناء) البهي في الوطن الأبهى.. الذي سمق فيها الشاعر من وحي اعتزازه في هذه الأرض الشامخة، وبخاصة بعد أن تكالب عليها فئام من أبنائها وأعدائها معاً.
والسهى في علاه شمعةُ عشقٍ
تتغنى بوجهها الوضاءِ
هي أرضٌ تشتاقها كل أرض
وسماها منارُ كل سماءِ
قبسات الخلود منها وفيها
تتهادى مواكب الأنبياءِ
كلُ عزٍّ أمامها مضمحلٍ
كل فخر يصير محضَ افتراءِ
كم تسامت بها مروءةُ حرٍ
فاستباحت مواقعَ الجوزاءِ
وبعد.
بودي أن أستمر في قراءة بقية قصائد هذا الديوان.. إن كل قصيدة تستحق وقفة وقراءة.. لكن أطوي صفحتي.. وعلى القارئ المحب للشعر النقي نقاء ابتسامات الأطفال أن يقرأ هذا الديوان المتخضّب حرفه بالبياض.. المتدثر شاعره بالصدق والبهاء.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved