الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 13th December,2004 العدد : 87

الأثنين 1 ,ذو القعدة 1425

ابن عباس وابن أبي ربيعة
د.علي الرباعي
أتوقع ان الذين يقفون بتأزم في وجه الأدب الحر لم يقرأوا التاريخ والإسلامي منه بوجه خاص وربما كان لهم عذرهم الذي لا مبرر له إلا عند أنفسهم!! ولعلهم يرفضون تعرية الواقع التي هي المهمة الأسمى للأدب ولأنهم جزء من هذا الواقع ولأن التعرية ستطأهم وتكشف العور الذي يتأبطونه تحت الجبة فلا سبيل حينها ولا مناص لهم إلا الوقوف بحزم وحسم أمام هذا التيار الملوث وشن الغارات عليه وتشويه صور المنتمين أو المرتبطين إليه وبه
ولعل من أبسط وأسهل التهم التي يطلقها هؤلاء الموتورون على شاعر أو ناقد أنه علماني، ملحد، فاسق، وكم في الجراب من عجاب! وإذا كان هذا التيار المحبط يحيل في جل دعاويه على الدين وما علموا من الدين إلا مقدار ما يعلم أبكم من اللغة!
لأن الشرع لم يسجل موقفاً عدائياً مع الأدب على مر العصور بل على العكس فقد عدّ فقهاء الإسلام من صحابة وتابعين الشعر مدرسة مرادفة للمدرسة الشرعية وإن أصرّ بعض رموز محكمة الأدب على مذهبهم في تجريم الرايات الأدبية الشامخة وإصدار الفتاوى بخروجهم من الدين فليرتحلوا معي إلى مدرسة شرعية نكاد نتفق وإياهم على حجيتها فهم يعلمون من هو حبر الأمة وترجمان القرآن ذو القلب العقول واللسان السؤول
إنه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما هذا الصحابي الفقيه المشهود له بعبقرية فذة كان ذات أمسية يدرس طلابه في الحرم المكي وعنده نافع بن الأزرق وجماعة من الخوارج يسألونه ويستفتونه وإذ بعمر بن أبي ربيعة الشاعر الأموي مقبلاً عليه في ثوبين مصبوغين وموردين فدخل وجلس فأقبل عليه ابن عباس يستشده من شعره فأنشده:
أمن آل نعم أنت غادٍ فمبكر
غداة غدٍ أم رائح فمهجر
تحن إلى نعم فلا الشمل جامع
ولا الحبل موصول ولا أنت مقصر
هنيئاً لبعل العامرية نشرها
لذيذ وريّاها الذي أتذكر!!
ولما أتم قصيدته التفت نافع إلى ابن عباس قائلاً:
الله الله يا ابن عباس نضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتثاقل عنا ويأتيك هذا المترف فينشدك:
رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت
فيخزي وأما بالعشي فيخسر
فبادره ابن عباس: ليس هكذا قال إنما قال:
رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت
فيضحي وأما بالعشي فيخصر
فعجب نافع من حفظه فأعاد ابن عباس القصيدة كاملة من مطلعها إلى ختامها وقال لمن لامه في حفظها: إنا نستجيدها!
ثم انصرف عن المتأزمين بوجهه وأقبل على ابن أبي ربيعة يستزيده!
فأنشده: تشط غداً دار جيراننا
وسكت غير قليل فقال ابن عباس مكملاً البيت:
وللدار بعد غدٍ أبعد!!
فتعجب ابن أبي ربيعة وقال: اسمعتها أصلحك الله؟!
فقال ابن عباس: كلا ولكن كذلك ينبغي!!
ثم انصرفا عن بعضهما.
ولكن ابن عباس كان يديم السؤال: هل أحدث هذا المغيري شيئاً بعدنا؟
ا.هـ
لقد حرصت على نقل هذه الواقعة الموثقة للقراء ليتأملوا هذه الصورة من صور نابضة بالحياة في عصر هو أقرب العصور إلى عصر النبوة ومع رجل هو الأفقه والأعلم بكتاب الله!!
وفي صحبة شاعر (قد يندرج) في قائمة (الإباحيين) فما عسى ان يقول (الموتورون)؟! لا ريب أنهم لو عاصروا ابن أبي ربيعة لوصموه بأقذع الأوصاف ولشتموه بأبذأ كلمات الخنا وربما حاكموه وأعدموه ذبحاً بالسكين مكبرين على رأسه ومهللين!
ولا أستغرب أن يرد أغلبهم هذه الرواية أو يضعفها!
وإن قبلوها فسيقولون: ان ابن عباس ليس معصوماً ولا مشرعاً وهنا سأسألهم: أين تربى هذا الصحابي؟ ومن الذي زكاه؟
وما هي أصول مدرسته الشرعية؟
عفواً: أنا لا أبحث عند الأعشى عن إجابة عن فوائد الشمس لأنه لا يملكها بل هي عبء عليه أما الأدب والاحتفاء بالأدباء فإنه شأن الأسوياء على مر التاريخ أما المرضى فهم قبل الاستمتاع بالأدب بحاجة إلى علاج طويل آخره بلا ريب الكيّ
رحم الله ابن عباس ورضي عنه وكم نحتاج إلى عودة الى تراثه وتملي ما فيه لعل وعسى نجد بعض الترياق ولا عزاء للأدباء!

rabai4444@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved