الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 13th December,2004 العدد : 87

الأثنين 1 ,ذو القعدة 1425

أزمة الأدب (1)
حاكموا هؤلاء بتهمة القتل الأدبي!!
أسامة الزيني
فكرت وربما فكر غيري ما الذي يدفع أحدَهم إلى شد حزمة من المتفجرات حول خاصرته، والتوجه بها إلى أحد الأكمنة، أو اعتراض أرتال معدات الحرب المعادية التي لا تكف عن التسكع في أوطاننا ليل نهار؟!!.. من المؤكد أنه اليأس من أن يتغير شيء.. قبل قرن من الزمان على الأقل!!..، ومن المؤكد أيضاً أنه شعور الفرد الضاغط، بضرورة فعل شيء، كإلقاء حجر في بركة الماء من حين للذي يليه، كي لا تظل راكدة آمنة لطفيلياتها، حتى وإن كان جسده، ووجوده كله أحد تلك الأحجار التي تنفجر في بركة الصمت الذي نعيشه حتى الموت.
أيها الأعزاء.. وبمناسبة هذا الخاطر فإنني أنوي أن أصرح لكم تصريحاً، لا أتفاءل كثيراً بشأن المصير الذي ينتظرني بعد أن أدونه شهادة على نفسي، أن الشعور ذاته انتابني كثيراً، ليس حيال آليات العدو أو أفراده، فهم ولله الحمد حتى الآن لم يمارسوا التسكع في شوارعنا، ولكن حيال بعض أفراد معسكرنا إن جاز التعبير الذين قدموا للعدو ما لم يكن ليحصل عليه، ولو أنفق ما في الأرض جميعاً، بمجانية تدعو إلى الدهشة، وسفاهة تثير الغيظ.
لا أتحدث عن عملاء سياسيين يعيشون بيننا، فتلك بوابة لست من حراسها، إنما الحديث عن واقع التردي والرداءة الأدبية الذي نعيش معاناته، ونستنشق أدخنة عوادمه السامة، وتعترينا إحباطاته القاتلة.. أما النفر الذين أتحدث بشأنهم في مقامي هذا، فهم حفنة من المزيفين انتحلوا صفة النقاد الأدبيين، وهم أعلم الناس أنهم أجهل بشؤون الأدب من الأنعام، وأما الخدمة التي قدموها للعدو بعفوية يستحقون القتل جزاءً لها، فهي ذلك التخريب الذي لحق بمؤسساتنا الأدبية على اختلاف هياكلها وتوصيفاتها.
ولا يتصوَّرَنَّ أحدٌ أنني أقصد بتعبير (المؤسسات) أندية الأدب أو غيرها من الكيانات الثقافية الرسمية، فلست أنوي استكمال شيء من تلك الصراعات السخيفة، التي لا تعدو أكثر من أن تكون جدلاً مادياً فاشلاً، ومُفرَغاً من مضمونه غالباً، وإنما أعني ذلك الفَلَك الأدبي الكبير بكل ما يدور داخله، ويعتمل فيه.
إن جوقة من الناعقين بما لا يعون بدعوى النقد الأدبي، تسببوا في خسائر جسيمة في صفوفنا الإبداعية، وبقصد أو بغير قصد أحدثوا في جدار الإبداع الذي أظلّنا قروناً، ووقف مَعْلَماً خالداً نباهي به شعوب الأرض، صُدُوْعاً ربما تعذَّرَ رأبُها.
ولا أستبعد القصدية عن كل ما حيك حول واقعنا الأدبي من وقائع كان من شأنها تشويهه
على هذا النحو، فالقصدية متوفرة، حتى وإن كانت مجرد حفاظ أحدهم على بقائه في موقعه لأكثر من ربع قرن، واهماً نفسه أنه أحد أعمدة النقد الأدبي، وأن سقف النقد ربما خرّ على من تحته إذا فكر بالتقاعد والعودة إلى منزله.
وواقع الأمر أن السقف الذي يمسكه أمثال هؤلاء، إنما هو سقف التخلف الأدبي والتعتيم على عقولنا، والذين يعيشون معه تحته، ما هم إلا جوقة من المصفقين المطبلين، شعراء (عودة الدراسة) و (الإجازة)، و(حفلات الزواج)، وغيرها من المناسبات، ومثلهم كتاب قصص الوعظ والإرشاد، وأصحاب الروايات التي تجد نفسك مدفوعاً للتقيؤ حال قراءتها.
وإن كنت في الحقيقة لا ألوم هؤلاء فقد نشّأهم أمثالُ هذا على ما أصبحوا عليه من سذاجة الفكر، وركاكة الكتابة، حتى أنك إن قدمت لأحدهم نصاً متميزاً مط شفتيه على طريقة من لا أَرَبَ له ولا بغيةَ في الشيء .. لا ألوم هؤلاء بل أُجَرِّم من حالوا دون أن يستنشقوا عبير الكتابة الحقيقية، لا عَطَنَ الأوحال التي تغوص فيها أصابعهم وآذانهم.
لا عذر لنقاد السوء الذين جثموا سنين على صدر هذا الواقع الأدبي التَعِس، فيما اقترفوا من القتل لمواهب أجيال من المؤكد أنها كانت تزخر بالمتميزين، فالنقد أو حتى الحس الفطري والانطباعي بالأدب ليس اختراعاً، ظهر بعدما كتبوا ما كتبوا واقترفوا ما اقترفوا، فمدارس النقد وأدواته مطروحة قبل أن يولدوا، ولهم أقران في السن طبعاً نهجوا نهجاً آخر، فتوجهوا إلى مناهل النقد في الأكاديميات والكتب، والمنتديات القوية، غير أن هؤلاء أيضاً فرطوا، وتواروا بالحجاب، وتركوا الساحة مرتعاً لجوقة من المتخلفين الذين فوجئوا بأنه لا أحد غيرهم في الساحة، فأصبح كل تخريف يكتبونه نقداً، وهذا طبيعي في ظل غياب النقد الحقيقي، من ميدان الإبداع، وصفحات الأدب.. أين ذهب دارسو النقد الحقيقيون؟!.. هل اكتفوا بتدريس نظريات البلاغة القديمة لطلاب الصفوف الجامعية؟! ما الفرق بينهم إذن، وبين مدرسي المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية؟ ألا يحملون للأدب من الحب ما يجعلهم يشفقون عليه، أو يَرْثون لحاله؟!، أم أنهم هم الآخرون ليسوا أكثر من طلاب فرضت عليهم الدرجات القليلة التي تمكنوا من تحصيلها في الثانوية العامة أقسامهم الأدبية التي التحقوا بها، فدرجوا على الحفظ والاستظهار ثم تلقين ما
استظهروه لمن بين أيديهم من الطلاب الذين وفدوا إلى كلياتهم ومعاهدهم وأقسامهم في ظروف مشابهة لظروف أساتذتهم؟!.
لا يغضبنّ أحدٌ من حديثي والحال على ما هو عليه.. إن احتجاب أساتذة ومتخصصي النقد الأدبي عن واقعنا الإبداعي جريمة ليست أقل خطورة من استيلاء تلك الحفنة من الأدعياء على مقدراته واعتلائهم لمنابره، فتلك شهاداتهم التي عليهم الإدلاء بها، ولئن صدق عليهم ما قلت في حقهم من أنهم ثلة من الملقنين لطلاب الجامعة وحسب، فالويل كل الويل لهذا الواقع الإبداعي الأليم الذي يفتح أبواب أنديته، وأمسياته ويعد مطبوعاته، وصحفه وبرامجه الاذاعية، والتليفزيونية وندواته ل ..ماذا..؟!! لا لشيء..!!.. لأنصاف وأرباع، وأعشار الموهوبين، ناهيك عن اللاموهوبين فهم الأغلب.. يحدث هذا كله في غياب المقيِّم المقوِّم الناقد المفتَرَض، فحفنة أدعياء النقد، يضنون على واقع الأدب حتى بالقليل الزهيد الذي في أيديهم من ارتجالات انطباعية مسطحة، لينافقوا بها ذوي الصيت من الشعراء والكتاب من أجل تسليط المزيد من الضوء على أنفسهم، وليس لشيء آخر، تاركين فضاءات من التخبط لأقلام الواعدين من الشباب.
إن الشاهد في استحضاري لمشهد الفدائي الذي يفجر نفسه في الأرتال العسكرية المعادية، هو ذلك المصير الذي ينتظر من تسول له نفسه اعتراض طريق أمثال هؤلاء من محتلي صفحات الكتابة ونوافذها ومقاعدها، ولهم أنصار من كتاب الغث من الأدب ومن الأدعياء من هم على شاكلتهم، ولكل هؤلاء مصلحة مشتركة في أن يبقى الواقع الأدبي الذي نعيشه على ما هو عليه من تخلف وتسطيح. والشاهد الآخر أن هؤلاء، أشد خطراً علينا من العدو الظاهر، فما أشبههم بالسوس الذي ينخر عظام الإبداع الأدبي الذي كان من الممكن أن يكون شريكاً حقيقياً وظهيراً لنا في هجمة ثقافة الآخر علينا، لا ظلاً باهتاً يمر على استحياء بين المجالس، فلا يُعارُ اهتماماً إلا بقدر ما يُنظَر إليه من التهميش، واعتباره كمالية لا أكثر، لا طائل من ورائها، وشيئاً من فضول القول.. بَيْد أن حجراً ما لا بد أن يُقذَفَ به في ركود هذا الماء.. انفجاراً ما يجب أن تذهب أصداء دويِّهِ إلى أرجاء واقعنا الأدبي الساكن القانع بسكونه، وبالقليل القليل الذي في أيدي مرتاديه.. مغامرة أو حتى مقامرة يجب أن يخوضها شخص لا تعنيه المكاسب الشخصية كثيراً، بل وربما وجد في خسارته مغنما.


الرياض 25112004
talaaate@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved