الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 13th December,2004 العدد : 87

الأثنين 1 ,ذو القعدة 1425

لا تزال كتبه ودراساته مصدراً أساسياً لدراسة (الأدب الأندلسي)
محمود مكي: كنت متميزاً فأرسلني طه حسين إلى مدريد لتحضير رسالة الدكتوراه عن «الأندلس»
* الثقافية علي سعد القحطاني:

تعتبر كتبه وأبحاثه ودراساته من المصادر الأساسية لدراسة (الأدب الأندلسي)، فما أن نال الليسانس بقسم اللغة العربية بكلية الآداب سنة 1949هـ حتى ابتعثه الدكتور طه حسين إلى إسبانيا لتحضير رسالة الدكتوراه عن ذلك الأدب المنسي، ثم عاد إلى مصر وعمل في أكثر من جامعة عربية كأستاذ زائر.
اتجه منذ فترة مبكرة إلى تحقيق مخطوطات تراثية، له جهود في مجال الترجمة حيث انه ترجم الكثير من الآثار الاسبانية، وفي لقاء مع (المجلة الثقافية) تحدث لنا الدكتور محمود مكي عن (السيدة بربارا) التي مهدت له الطريق للفوز بجائزة الدولة التشجيعية والصعوبات التي واجهها في كتابة الأدب الأندلسي خصوصاً وأنه كما يقول: يعاني من قلة المصادر في هذا الجانب، كما تحدث أيضاً عن مدى اهتمام الأوساط الجامعية والدور العلمية في أوروبا بالدراسات الأندلسية.
السيرة الأولى
* في البدء .. دعنا نسلط الضوء على سيرتك الأولى يا دكتور محمود؟
أنا من (صعيد مصر) ولدت في مدينة (قنا) في جنوب الوادي وكانت نشأتي الأولى في هذه البيئة، درست فيها المرحلة الابتدائية والثانوية، وقام على تربيتي بالاضافة إلى (الوالدة) على الرغم من كونها أمية إلا أنها كانت تدعونا إلى طلب العلم، قام على تربيتي أخ يكبرني بثماني عشرة سنة وهو الذي تولى تربيتي في الحقيقة وكان مدرساً مغرماً بالأدب ولدينا في البيت مكتبة تضم كثيراً من كتب التراث وكثيراً من الكتب الرائجة في ذلك الوقت في حياتنا الثقافية المعاصرة، وكثيراً من المجلات. وكانت المجلات الأدبية في مطالع القرن العشرين كثيرة ومتنوعة فأقبلت على القراءة منذ ذلك الوقت وأصبحت للقراءة سواء في التراث القديم أو في الأدب العربي المعاصر والحديث وهذا ما جعلني في المرحلة الثانوية اتقدم إلى مسابقة اختبار في اللغة العربية وآدابها في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية وكان هذا الامتحان اختيارياً وليس اجبارياً يتقدم إليه من يتوسم في نفسه القدرة على ذلك وكان الامتحان عبارة عن مجموعة كتب تدرس ثم يمتحن فيها تحريراً ثم شفوياً وكانت هذه الكتب متنوعة في الأدب وفي التاريخ، أذكر منها على سبيل المثال (كافوريات المتنبي) و(فصول عديدة من مقدمة ابن خلدون) وكتاب (في تاريخ النقد الأدبي عند العرب) لطه إبراهيم وكان من أكبر أساتذة دار العلوم، وعدد آخر من كتب التاريخ مثل عصر اسماعيل خديوي، وقمت بدخول الامتحان ونجحت فيه الحمد لله وكان الامتحان في مدينة (أسيوط) وكنت أنا الوحيد في المدرسة الثانوية التي تقدم إلى الامتحان الاختياري، ولكن فيما بعد الامتحان الشفوي في القاهرة يؤهل لمن ينجح فيه للتعلم في الجامعة مجاناً، فالحقيقة إنه لم يكن السبب الوحيد في دخول الامتحان وإنما كان شغفي بالدراسات الأدبية وعلى أثره تقدمت إلى قسم اللغة العربية بكلية الآداب، وبحمد الله كنت متميزاً حتى نلت درجة الليسانس في سنة 1949هـ وعلى أثر ذلك أرسلت في بعثة أرسلها الدكتور طه حسين، وكان بعثة جديدة وغريبة في ذلك الوقت إذ أنها كانت إلى إسبانيا.
البعثة
* ما قصة تلك البعثة؟
أرسلني الدكتور طه حسين في بعثة مكونة من خمسة طلاب إلى إسبانيا لكي نعد رسالة الدكتوراه هناك، وكان الاتجاه إلى إسبانيا شيئاً جديداً بالنسبة لنا، لأن البعثات من المتعارف عليها أنها دائماً ما ترسل إلى انجلترا وفرنسا وكانت فكرة
الدكتور طه حسين منصباً نحو إنشاء معهد للدراسات الإسلامية في مدريد، وكان هذا أول اتصال بين ثقافتنا العربية واسبانيا في العصر الحديث.
رسالة الدكتوراه
* لك اهتمامات ومشاركات أكاديمية فعالة مع أكثر من جامعة كما نقرأ في سيرتك الأكاديمية؟
بالفعل أتممت رسالة الدكتوراه وعدت إلى مصر في مدة قصيرة، ثم بعثت مرة أخرى إلى إسبانيا لكي أكون ملحقاً ثقافياً، في الوقت نفسه كنت أدرس في جامعة مدريد، قضيت في هذا نحو عشر سنوات من 1955م تاريخ حصولي على الدكتوراه حتى 1965م، بعد ذلك عدت إلى مصر لأتولى إدارة الترجمة والنشر في وزارة الثقافة، ثم استعارتني كلية المكسيك للدراسات العليا استعارتني أستاذاً زائراً فقضيت فيها أكثر من سنتين، وبعد ذلك دعتني جامعة الكويت للعمل فيها، فذهبت إلى الكويت في سنة 1971م وقضيت فيها حتى 1978م أستاذاً للأدب العربي عامة، وللأدب الاندلسي خاصة، وبعد ذلك عرضت جامعة القاهرة أن أعود إليها فعدت أستاذاً للأدب العربي حتى تقاعدت في سنة 1989م، ثم انتخبت عضواً في مجمع اللغة العربية وعضواً في كثير من المجامع الأوروبية والعربية ودرست في كثير من الجامعات العربية كأستاذ زائر واشتركت في عدد من المؤتمرات ونشرت عدداً من الكتب والمقالات سواء منها المؤلفة أو المترجمة أو الدراسات الأدبية المتنوعة في أدبنا المشرقي والأندلسي والمغربي وأدبنا الحديث أيضاً.
الخصوبة الفكرية
* كانت لكم احتكاك بالأساتذة في مرحلة الأربعينات وبالتالي ساهمت في حصولكم على قدر كبير من التنوع والافادة؟
في الأربعينات وهي مرحلة الدراسة الجامعية، كنا نحتك بأساتذتنا الكبار في الجامعة وفي الوقت نفسه بالاتصال بالتيارات الأدبية التي كانت موجودة في ذلك الوقت، وكانت على قدر كبير من التنوع والافادة سواء من المناهج العربية أو المناهج المستحدثة التي كنا ندرسها في الجامعة والندوات وفي غيرها من اللقاءات في ذلك الوقت كانت فترة خصبة جداً.
مناظرات
* بودنا أن نتعرف على طبيعة تلك الندوات والمناظرات الفكرية التي كنتم تشاركون فيها؟
كانت هناك ندوات وكنا نشترك فيها في المناظرات التي لم يقصد بها تغليب رأي على رأي، وإنما يقصد إثارة الفكر عامة، وكان لدينا أساتذة
مثل أمين الخولي على سبيل المثال الذي كان يطرح دائماً قضايا ومشكلات لا من أجل أن يكون هناك غالب ومغلوب وإنما كانت لإثارة الإنسان إلى البحث ودعوته إلى الاطلاع وبين التيارات الفكرية المختلفة والمتباينة سواء تتفق مع ما نراه أو تختلف.
تدريس الأدب
* ما الذي كنتم تهتمون به في دراسة الأدب؟
في تدريس الأدب كنا نهتم بالتراث العربي القديم، لأن أساتذتنا غرسوه في أنفسنا وقالوا انه لا يمكن أن نتطلع إلى الجديد إلا بعد أن نقتل القديم بحثاً، ولهذا فقد اتجهت منذ فترة مبكرة إلى تحقيق مخطوطات تراثية إلى جانب الانتفاع من المناهج الغربية التي احتفظت بها من أساتذتي في أسبانيا الذين كانوا يعملون في حقل الأدب العالمي (عامة) وخصوصاً الدراسات الاسبانية، وكنت أجمع حينها بين الدراسات العربية والدراسات الاسبانية ولي أبحاث كثيرة وكتب ترجمت فيها كثيراً من الآثار الاسبانية سواء في اسبانيا أو في أمريكا اللاتينية التي تدين باللغة الاسبانية، ترجمتها أيضاً إلى العربية مع دراسات واسعة حول هذا الأدب وحول ما نستطيع أن نستفيده في أدبنا العربي من هذه الآداب ولا سيما الآداب غير المعروفة، فالأدب الانجليزي والفرنسي والألماني، ربما تكون هذه الآداب معروفة في عالمنا العربي، لكن هناك آداب أخرى ما زالت مجهولة بالنسبة لنا ونحن ندعو إلى فتح النوافذ لها مثل الأدب الروسي والصيني ومن بينها الأدب الاسباني وأدب أمريكا اللاتينية، وقد كان لي في ذلك مشاركات كثيرة إلى جانب عملي الأساسي في الأدب الأندلسي.
اللغة الإسبانية
* لك جهود في مجال الترجمة ونشاط أكاديمي من أجل تأسيس قسم يعنى بدراسة اللغة الإسبانية؟
أعتقد أني شاركت أنا وغيري في فتح باب لم يكن معروفا في عالمنا العربي، فقد ترجمت كثيراً من الشعر في اسبانيا وأمريكا اللاتينية، والأدب الروائي والقصصي والأبحاث النقدية، وغير ذلك مما كان يعد جديداً في ذلك الوقت، ومما كانت ترحب به الصحف الثقافية، ومما انتج بعد ذلك مدرسة تعمل لاسيما وأنا قمت وأنا رئيس لقسم اللغة العربية بانشاء قسم للغة الاسبانية في جامعة القاهرة وكنت رئيساً لهذا القسم، في سنة 1985م، ورأست هذا القسم أربع سنوات حتى تم إحالتي إلى التقاعد عام 1989م، ثم أثريت هذا القسم بالكثير من تلاميذنا الذين أصبحوا أساتذة في هذا القسم وفي غيره من أقسام اللغة الاسبانية في الجامعات الأخرى كجامعة عين شمس، وجامعة الأزهر، وبعض الجامعات المحلية، وكان يعد هذا إثراء للثقافة العربية بإدخال الجانب الكبير الذي أصبح يحتل مساحة كبيرة من حياتنا الأدبية.
السيدة بربارا
* فازت ترجمتك الأولى للرواية الفنزويلية (السيدة بربارا) بجائزة الدولة التشجيعية.. هل لنا أن نقرأ أحداث تلك الرواية؟
أول ترجمة قمت بها للرواية الطويلة من أمريكا اللاتينية، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، وهذه الرواية لأديب من فنزويلا البلد المشهور في أمريكا اللاتينية بالبترول، وكان مؤلفها أديب وانتخب رئيساً للجمهورية ولكن عمله الأساسي كان أديباً وروائياً وألف هذه الرواية التي تسمى (السيدة بربارا) وهي تدور في سهول فنزويلا، وأحداثها عبارة عن صراع يدور بين الخير والشر، وشعوب أمريكا اللاتينية تقارب شعوبنا في أنها شعوب نامية وأنها تقريباً شعوب عانت من الاستعمار، ولذلك أصبحت تلك الرواية على الرغم من البعد الجغرافي بيننا وبينهم تكاد تمثل مجتمعاتنا نحن حتى ان الدكتور طه حسين وله دور كبير في المشاركة بالترجمة قال عن هذه الرواية المترجمة: انه لولا الاسماء الأجنبية وأسماء الاعلام الجغرافية الأجنبية أيضاً في هذه الرواية، لظننا انها أصلاً كتبت باللغة العربية.
لغة وسيطة
* هل قمت بترجمتها عن طريق (لغة وسيطة)؟
لا.. لا، ترجمتها عن طريق اللغة الاسبانية بطبيعة الحال وأنا أكتب باللغة الاسبانية ولي مقالات وكتب في هذا الشأن.
الأدب الأندلسي
* ما الصعوبات التي واجهتك في نشر وكتابة الأدب الاندلسي؟
الأدب الأندلسي كان يكتب بطريقة عاطفية ولم يكتب بطريقة استقصائية وكنت أرى أن العمل في الأدب الأندلسي عمل ينبغي أن يسبقه نشر التراث في الأندلس الذي لم يكن منشوراً منه إلا القليل، ولذلك كان من الأشياء التي قمت بها هو نشر عدد من الكتب نثرية وشعرية من التراث الأندلسي القديم، وبعضها كان يظن أنه مفقود مثل ديوان (ابن دراج القسطلي) هذا الديوان الذي نشر في دمشق سنة 1961م، على نفقة أمير قطر الأسبق، وكان هذا من أكبر الدواوين التي كان يظن أنها مفقودة وعثرنا على نسخة وحيدة عند أديب مغربي سمح لي بتصويرها وبالاطلاع عليها ولاشك أن هذا الديوان الضخم الذي كان يبلغ أكثر من سبعمائة صفحة إلى جانب كتب أخرى نشرتها من التراث الأندلسي، وكان هذا بمثابة دعوة إلى الاهتمام بهذا التراث شاركني فيه زملاء وتلاميذ آخرون.
المصادر
* هل كنت تعاني من قلة المصادر في هذا الجانب؟
المصادر كانت قليلة جداً ولم يكن منشوراً منها إلا (نفح الطيب) للمقري، وكتاب (تاريخ ابن خلدون) وبعض الدواوين القليلة جداً التي لم تكن منشورة نشراً علمياً، وكان عملي أن قدمت رسالتي الدكتوراه باللغة الاسبانية إلى جامعة مدريد واهتممت بالنظر إلى هذا التراث الأندلسي الباقي ولي كتب مختلفة منها أيضاً كتاب (المقتبس) لابن حيان، الذي نشر آخر قسم منه في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض، وهو قسم
من أقسام ثلاث أنا أعددتها للنشر، وابن حيان يعد أكبر مؤرخ أندلسي وصل إلينا انتاجه ليس كاملاً وإنما في قطع متفرقة.
القطيعة
* عندما ندرس (الأدب الأندلسي)، لماذا ندرسه في الأكاديميات وكأنه جزء مستقل عن الأدب العربي بجميع أعصره؟
أقول إن هذا خطأ، فالأدب الأندلسي ينتهي إلى الأدب العربي، وهذا مشهود وملاحظ في أعلامهم وشعرائهم حتى كان ابن دراج القسطلي كان يسمى (متنبي الأندلس).
التبعية
* هل نفهم من هذا ان كان لدى الشعراء الأندلسيين (عقدة التبعية) لاعلام المشرق.. بدليل أن ابن دراج القسطلي كان يوصم بمتنبي الأندلس؟
لا.. هذا غير صحيح وأنا أود أن أقول أنه أدب ينتمي إلى أدبنا العربي ولكن فيه بعض الخصوصيات التي ترجع إلى البيئة وإلى حياة الأندلس، لأنها حياة مختلفة، فالشاعر يصور هذه الحياة دون أن ينقطع أبداً عن أدبنا العربي والأدب الأندلسي له مبتكرات مثل الموشحات، والموشحات لم تكن تعرف من قبل، ثم (الزجل)، وأنا أقول أن للأدب الأندلسي خصوصيات ولكن لا يعني ذلك القطيعة والانفصال عن أدبنا العربي.
الموشحات الغنائية
* هل للحياة الأندلسية المترفة دور كبير في ظهور الموشحات الغنائية؟
لا.. ليست المسألة مسألة ترف فقط، في بعض المفاهيم نجد أنها مغلوطة، كما يقال عن الأندلس أنها سقطت بسبب الترف والتحلل، وهذا تحليل ساذج وسطحي وغير صحيح، الأندلسيون كانوا من أكثر الناس قياماً على الثقافة العربية، ويكفي أن ثلث علماء النحو العربي على امتداد التاريخ كانوا من الأندلس، وهذا يدل على اهتمام كبير من جانب الأندلسيين بالتراث العربي وفي تفسير القرآن الكريم لديهم أكبر المفسرين ابتداء من بقي بن مخلد الذي كان في القرن الثالث الهجري الى ابي حيّان الغرناطي صاحب (البحر المحيط) الذي يعد أكبر تفسير نحوي للقرآن الكريم، لدى الأندلسيين أيضاً تجديدات في العلوم فلديهم (الرد على النحاة) لأبي مقناء اللخمي القرطبي، وهذه نظرة جديدة تدل على توجه جديد تماماً، توجه مبني على التراث، وفي مجال المعاجم لديهم أول معجم دلالي للغة العربية وليس (ألف بائي) وهو (المخصص) لابن سيدة الذي عاش في القرن الخامس الهجري، وفي مجال الفلسفة فلديهم أكبر الفلاسفة والمفكرين العرب (ابن رشد) وقبله كان (ابن باجه) ثم (ابن الطفيل) صاحب (حي بن يقظان).
الإحراق
* من العجب أن تحرق كتب ابن رشد في مجتمع متسامح كالأندلس؟
هذه قضايا الناس تنظر إليها بشكل سطحي، فمسألة الاحراق لم تكن موجودة في عالمنا الإسلامي إلا في حدود ضيق ولكن لا تعني أنها تسعى إلى إبادة الفكر، وهذه المسائل في بعض الأحيان تكون رمزية وتكون للتقرب إلى العامة، وعلى سبيل المثال نجد أن كتاب (إحياء علوم الدين) للغزالي أحرق في الأندلس وأن هذا الاحراق كان في كثير من الأحيان عبارة عن (مظاهرة) لارضاء العامة والدليل على ذلك ان الخليفة استدعى ابن رشد واعتمد عليه بعد مظاهرة حرق كتبه. وكان هناك ظروف معينة كانت تدعو إلى اتخاذ بعض الاجراءات ولكنها لا تعني شيئاً.
التعاطف
* لماذا نجد أنفسنا متعاطفين مع الأدب الأندلسي لدرجة أننا نقوم بدراسة الأزجال العامية فيها.. بينما لا يسمح للمشرقيين بدراسة قصائدهم ولهجاتهم العامية؟
إذا كان هذا صحيحاً فهذا يعود إلى (كسل ذهني) عندنا في المشرق وإلى طموح في دراسات الأدب الأندلسي ولكن أظن أن هذا السبب يعود إلى أن (الزجل) الأندلسي كان يعد مكتشفاً هام به الدارسون الأوروبيون وكانت (الأزجال) عبارة عن لغة طريفة جداً وشيء جديد وفيها تطعيم للغة العربية باللغة الرومانسية أي اللغة اللاتينية الدارجة المستخدمة في الأندلس، وهناك مفاهيم
مغلوطة بحيث يظن أن دخول الكلمات اللاتينية في اللغة المحكية الدارجة بالأندلس دليل ضعف اللغة العربية وهذا غير صحيح، وعلينا أن ننظر إلى المسائل بشيء من الحقائق والمصداقية والواقعية، وكان أدب الأندلس مستجيباً للغتهم، هذه اللغة نجد أنها كانت تستخدم المفردات والألفاظ والتعبيرات الأجنبية وذلك لمعايشتهم بالأقوام الآخرين ولم يلغ هذا من لغتهم الأم بل زاد اهتمامهم باللغة العربية، ولذلك نجد كما قلت أن أكبر النحاة واللغويين من الأندلس.. وهناك العلامة ابن حزم الظاهري الذي نشر مذهب (الظاهرية) في الأندلس، وفي مجال المذاهب الفقهية، نجد (فقه المالكية) فنجد أن أكبر الكتب الفقهية المالكية وأهمها كانت في الأندلس.. ومع انتشار هذا المذهب الفقهي لا ينفي أن يكون هناك دعاة لمذاهب أخرى في الأندلس ودارت حوارات وكانت هذه الحوارات مثرية للفقه الإسلامي.
التسامح
* كانت الأندلس تعد مضرباً للتعددية والتسامح ينشد فيها كل غريب وطنا؟
مسألة تسامح، لم يكن هناك تسامح كبير مع المذاهب الأخرى، المذهب المالكي كان هو الغالب وكانوا يرفضون المذاهب الأخرى، وكان محارباً من قبل الفقهاء والعامة، حتى ان مذهب الظاهرية الذي نشأ في المشرق وتأكدت زعامته في الأندلس كان محارباً من قبل فقهاء الأندلس .. والسبب يعود إلى كون الأندلس دائماً دار حرب وجهاد وكانت محاطة بالدول المسيحية في الشمال، وكانت حياتهم في جهاد منذ أن وطئت أقدامهم وحتى خروجهم منها في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي إبان سقوط غرناطة وكانوا يرون ان وحدتهم الدينية مرتبطة بالوحدة السياسية وهذا ما جعلهم يتمسكون
بمذهب فقهي واحد، لأنه يؤكد هذه الوحدة السياسية، والتسامح كان موجوداً في ناحية أخرى وهو تطبيق تعاليم الإسلام فيما يتعلق ب(أهل الذمة) و(الآخرين) وكان بالفعل التسامح شاملاً لهؤلاء وكانت لهم مشاركة حتى في المناصب وكانت الأندلس مضرب المثل في التعددية والتسامح، وانعكست الآية عندما تساقطت الحواضر الإسلامية الأندلسية في أيدي المسيحيين فتحولت (الأندلس) من دار التسامح إلى أقصى ألوان (التشدد) و(الاضطهاد) حتى أنهم حرموا التحدث والكتابة باللغة العربية في فترة من الفترات وكان لبقية الشعب المسلم هناك المسمى ب(المورسكيين) اضطروا إلى أن يكتبوا فكرهم باللغة الاسبانية ولكن بأحرف عربية تعد هذه الظاهرة في غاية الغرابة.. لتشبثهم بالعقيدة وقد طرد مئات الألوف منهم إلى المغرب حتى إن هناك سلالات فيها تعود أصولهم إلى الأندلس وآخر مجموعة وصلت منهم كانت إلى تونس.
الاهتمام
* متى بدأ الاهتمام بالدراسات الأندلسية؟
علينا أن نبيّن أنه بعد استيلاء المسيحيين على غرناطة ونهاية دولة الإسلام في الأندلس ظهر الاتجاه إلى (الاضطهاد) و(التنكيل) و(التعصب الشديد الذميم) واستمر هذا على مدى قرنين من الزمان ولكن بدأت حركة الاستشراق والاهتمام بالدراسات الأندلسية ابتداء من أوائل القرن التاسع عشر فظهر هناك من ينصفون (الحضارة الأندلسية) ويدعون إلى دراساتها وتأكد هذا لكثير من العاملين في هذا الميدان حتى أتينا في القرن العشرين وأصبح هناك من يتعصبون لهذه الحضارة الأندلسية تعصباً ويدعون إلى دراستها باعتبارها جزءاً من الحضارة الاسبانية ولذلك كانوا يسمون (الأندلسيين)
بـ(الاسبان المسلمين)، والآن هناك مدرسة استشراقية إسبانية مزدهرة وتحتوي على عشرات من الباحثين يهتمون بكل مظاهر الحضارة الأندلسية، بل ويضعون فيها دراسات نحن العرب نفتقر ونحتاج إليها ولا سيما في المجالات العلمية.. مثل كتب (الفلاحة الأندلسية) تبين أن المسلمين كانوا أكثر الناس عناية بالأرض، وبالري وبالفلاحة، وباستزراع محصولات جديدة، هذه المحصولات في كثير من الأحيان في عصر التعصب الاسباني فقدت في اسبانيا، فالذين يدرسون الآن في هذا الميدان يوصون بالعودة إلى كتب (الفلاحة العربية الأندلسية) لكي تعود النهضة الزراعية في اسبانيا ومثل هذا سائر في مجالات وعلوم أخرى، وهذا ما تدل عيله في الناحية اللغوية، فالكلمات ذات الأصول العربية في اللغة الاسبانية كلها كلمات حضارية، متعلقة بالنظم والمناصب والنشاط الحضاري والتجاري والزراعي والفكري وكل هذا عبارة عن مرآة لمدى تأثر الحضارة الاسبانية ب(الأندلس)، وعلينا أن ننظر إلى ان الإمارة الإسبانية في الشمال كانت متخلفة تعيش في ظلام في ذلك الوقت وكانوا يقلدون المسلمين في الأندلس.. بل إن بعض ملوك الفرنجة الملتصقة بالأندلس كانوا يوقعون بالعربية، وأسماء الموظفين لديهم كانت عربية وهذا ما تدل عليه مجموعة كبيرة تبلغ أكثر من ألفين من الوثائق التي تسمى (وثائق المستعربين) تعني المسيحيين الذين كانوا يعيشون في جو ثقافي إسلامي بحكم التسامح بالاضافة إلى الوثائق والهبات المتعلقة بالأديرة والكنائس كانت تكتب باللغة العربية.
ازدهار
* ماذا عن الدراسات الأندلسية في جامعات العربية؟
إلى حد ما.. استطيع القول ان الدراسات الأندلسية ازدهرت في سائر الجامعات العربية، ولكن ما زال تنقصنا الجهود الكثيرة في هذا الميدان.
القيثارة
* لنختم لقاءنا بسؤال حول القيثارة الأندلسية .. ترى ما السبيل إلى إحياء تلك الموشحات؟
الاهتمام ب(الموشحات) اهتمام حديث كما ذكرت لأن الذين اشتغلوا فيها هم المستشرقون الغربيون وذلك لما تضمنته من عناصر لاتينية دارجة لا يفهمها إلا من يعرف اللغة الاسبانية وللجو الثقافي المحيط بالموشحات وقام على دراستها عدد من الباحثين، وما زالت الموشحات بحاجة إلى المزيد من الدراسة سواء من جانب المستشرقين الأوروبين أو العرب لأن الموشحات تثير مشكلات كثيرة جداً على مستوى اللغة والعروض والنحو وهذه المشكلات لم تحل بعد وبحاجة إلى تضافر الجهود ما بيننا وبين الدارسين الأوروبيين في هذا المجال.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved