عن أسباب فشل المهرجانات الثقافية
* أمل زاهد
|
أعتقد أن سبب عدم نجاح المهرجانات الثقافية يكمن في ذلك الدور الحساس والمركب الذي يتحتم على المثقف أن يتقنه ويجيد لعب تفاصيله. فعلى عاتقه تقع مهمة تحريك خيوط المشهد الثقافي بمهارة وتمكن وانسيابية تمكنه من الانزلاق بخفة ورشاقة من هاجس التثقيف والتنوير والتوعية الذي يسكنه، ويشكل دون شك العصب الرئيسي في مهمته الأساسية، إلى إشباع رغبة المتلقي في تحقيق متعة التسلية والترفيه والإبهار. كما يجب عليه ايجاد وخلق تلك الحلقة المفقودة بين الفائدة المرجو ايصالها وتحقيقها وبين المتعة التي يصبو المتلقي إلى الحصول عليها. ومهارة المثقف هنا تتجلى في قدرته على إلباس هدفه الحقيقي ثوباً قشيباً جذاباً يدثر به جفاف الفكرة وصعوبة محتواها. فإجادته لعرض مادته بأسلوب شيق من أهم العناصر الأساسية لنجاحه في تحقيق مبتغاه، خاصة وان ايقاع الزمن الذي نعيشه سريع وصاخب ويتطلب منه التركيز والاختصار لأن الجمهور لم يعد لديه لا الصبر ولا الوقت على تحمل الرتم البطيء، وكأنما هو يطلب من خالق العمل الثقافي أن يضع له الخلاصة في برشامة سحرية، سريعة، سهلة التناول لا تكلفه الكثير من الوقت والجهد.
وهنا لابد أن يرتفع سؤال ملح عن نخبوية المثقف ودورها في فقدانه القدرة على التواصل مع الجمهور. فللأسف الشديد المثقف يتحدث بلغة غير مفهومة بعيدة كل البعد عن اهتمامات الناس وشؤونهم وشجونهم، وكأن المثقفين يحاورون بعضهم بعضا بلغة لا يجيدها الآخرون، لا يفهمون دلالاتها، ولا يستطيعون فك رموزها.. لغة مليئة بالاصطلاحات العلمية المعقدة، والألفاظ المفخمة، والجمل المقعرة التي يجهل المتلقي المغزى منها والهدف المختفي وراءها، فلا يلبث أن ينفد صبره ويمتلكه اليأس والقنوط فيفر هارباً بجلده من تعقيداتها وإشكالياتها. والمثقف في هذه الحالة يريد أن تتطاول أعناق الناس إليه محاولين الارتقاء إلى أفكاره النخبوية، رافضاً أن يحاول هو النزول إليهم، فإن تمكنوا من الصعود إليه وفهم أفكاره وسبر أغوار رؤاه، قبلهم وتحاور معهم وإلا كان النبذ والرفض والإقصاء هو مصيرهم المحتوم. فهو يحيط ذاته بهالة من التعالي والنرجسية، ومن نافذة عزلته في برجه العاجي يطل عليهم منظراً ومحللاً لأحوالهم ومشاكلهم، وكبرياءه وتعاليه يجردانه من فضيلة التواضع الذي يمكنه من الاندماج والالتحام بهم والاحتكاك المباشر بحياتهم. ومن نافلة القول ان ذلك الاحتكاك والتماس المباشر مع القضايا هو الذي سيقشع غشاوة ضبابية الرؤية من أمام ناظريه، وسيمنحه القدرة على ايجاد حلول أشد وضوحاً وأكثر دقة، وسيساعده على وضع يديه على الجروح في موضع نزفها وألمها.
حتى يصل المثقف إلى المتلقي ويتمكن من التأثير عليه واستقطابه وشد اهتمامه، يجب ان يتحدث معه بلغة بسيطة في شكلها عميقة في مضمونها تحاذي وتقارب مستوى الوعي الجمعي، محاولاً الارتقاء بذلك الوعي مرحليا وعبر خطاب متدرج لا يقفز على الهوات الثقافية من دون محاولة التجسير لها. فإذا نجح المثقف في هذه المهمة، واستطاع ان يدمج المتعة مع الفائدة لابد ان تجذب المهرجانات الثقافية الناس وتشدهم إليها.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
