الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 14th April,2003 العدد : 7

الأثنين 12 ,صفر 1424

وعاد الرجل الوضيء !!

* نعم .. عاد !!
* عاد وعلى وجهه نصف ابتسامة !!
* هو كذلك .. تعجبه الأشياء «المبتورة»!!
* الأشياء «المكتملة» عنده ليس فيها إبداع .. لأنها مباشرة.. وفيها «تقريرية».
* الجمال في الأشياء المبتورة .. عبارة قالها منذ عشرات السنين فاهتز لها أستاذ العبارة المجنحة «الزيدان» فانتفض كعصفور لم يبلله القطر .. وبنى عليها مفاوز واهرامات من المعاني.. جلب «فينوس» من اليونان جميلة ليدها «المبتورة» .. السارق تبتر يده للإبقاء والمحافظة على الجمال .. والأشياء الجميلة !!
* هو هكذا أستاذنا «الزيدان» يبحث عن أشياء خلف العبارات المجنحة .. يتلمظها كما يتلمظ نواة التمر !!
* وقفت فيها .. انتصبت كرمح افريقي أعترض على صديقي الحميم على عبارته «المبتورة» فحوَّلني الى «رؤية» جعلت من الحبة قبة .. وثأر له «الزيدان» قائلاً: بل جعل من القبة حبة !!
* كانت هذه صورة من الحركة الأدبية التي يعيشها شيوخ الجيل مع شبانه دون عُقد.. أو امتيازات .. أو وصايات .. وكانت هذه سمة من سمات أستاذنا «الزيدان» أكثر من غيره من المحنطين .. كأنه «سقراط» يحب الجدل والنقاش والجديد .. فاتهم بتحريض الشباب ومات مقهوراً لا مسموماً.. هو قد مات بالقهر قبل أن يشرب السم إذا صحت الرواية !!
والزيدان كما علمت من أحد تلامذته المقربين إليه مات بالاكتئاب .. وشعوره الإنساني بعقوق الآخرين أثناء مرض أيامه الأخيرة .. تغمده الله بواسع رحمته جزاء ما قدّم من خير وبر وإحسان .. وخدمة أصحاب الحاجة ممن يعرف.. ولا يعرف!!
* كنا ثلة زاجلة نعشق الأدب .. ونتعشق المعرفة .. نتبادل قراءة الكتاب الجديد لأن كل واحد منا عاجز عن شراء نسخة خاصة به.. وكنا نسير الى مطابع الرياض في «المرقب» حيث نعمل في صحفنا مساء «كعَّابي» على أقدامنا.. أو نركب وسيلة مواصلات رخيصة.. كنا نتجادل.. ونتنافس.. ونختلف.. ونختصم.. وبعد ذلك نذهب جميعاً الى مقهى في طريق الحجاز.. أو طريق خريص.. ليس خريص اليوم الاسمنتي .. بل خريص «الطعوس» .. والرمال الذهبية .. والانطلاق..
* نتسامر .. ونناقش آخر ما قرأنا يومها عن «الأصالة والمعاصرة».. و«المعقول واللامعقول».. و«اللامنتمي» و«أصوات غاضبة في الأدب» .. و«للوعي واللاوعي» عقدة جيمس جويس.
* كانت يومذاك قبل ما يقارب الأربعين عاماً هذه هي القضايا الساخنة التي تشد أذهان شبان الأدب في غياب شيوخ الأدب الذين كانوا يعيشون في أبراج عاجية يقتاتون أعشاب الماضي.. كنا تلاميذ دون مدرسين.. أو أساتذة!!.
* نعم .. كنا جيلاً بلا أساتذة .. وإذا وجد الأساتذة فهم في واد.. ونحن في واد آخر .. لأن بعضهم أعوذ بالله يعد الشعر الحر .. أو شعر التفعيلة زندقة حيناً وكفراً أحياناً أخرى .. وهذا البعض يناقض نفسه باحتفائه بالشعر العامي.. أو «الشعر النبطي» من خلال الكتب التي يصدرونها .. ولا أقول يؤلفونها .. ويقدّمونه في برامجهم الإذاعية .. والتلفازية باعتباره في رأيهم أقرب وألصق الى الشعر العربي الفصيح أكثر من الشعر الحر.. أو شعر التفعيلة الذي يكتب باللغة العربية الفصيحة.. عجبي!!
* لقد أبعدنا «التداعي» .. وتلاحق الأفكار .. وبعض الذكريات عن حديثنا عن «الرجل الوضيء» .. وعودته الى المشهد الأدبي بعد غياب سنوات تصورنا معه انه انصرف الى تجارة الكتاب .. وحسابات الربح والخسارة .. فاذا به يعود رأياً ورؤية لم تبليا.
* لقد كان هذا «الرجل الوضيء» من «الحمائم» في مواجهة «الصقور» دون أن يفقد علاقته بالصقور .. فهو رجل علاقات إنسانية من طراز رفيع.
* كان يمسك العصا من وسطها، ويقول كلاماً ناعماً، كما يقول أحد الساسة الإنجليز.. وكانت له ابتسامة «الموناليزا» الساحرة.. أو الساخرة .. كان عمره «العقلي» أكبر من عمره «الزمني»!!.
* كتب عن أستاذ الجيل «الزيدان» أفضل مما كتبه غيره في كتاب .. فترنحت طرباً أثناء قراءتي الأولى لكل سطر كتبه .. وقرأته ثانية باحثاً عما وراء السطور من معان شفافة تتجاوز «زمكانيتها» .. وتتوغل في أعماق أعماق النفسية «الزيدانية» الباذخة في إنسانيتها .. ومعارفها الشمولية.. لم يزدني معرفة بالزيدان .. لكنه أثار كوامن مشاعري «رهينة المحبسين» المرض، والبيت.
* لقد كسبته «المجلة الثقافية» إصدار جريدة «الجزيرة» المتألقة المرتبط نجاحها بسياسة ربان سفينتها الصديق النقي خالد المالك الذي عرفته إنساناً راقياً في تعامله مع الآخرين حلاً .. وترحالاً .. فوجدته في ترحاله أكثر روعة من حله .. والترحال محك معادن الناس.
* لقد كسبته «المجلة الثقافية» حين استقطبت يراعه .. وقد كان موفقاً حين اختار بداية كتاباته بالحديث عن عدد من زملاء الحرف الذين عايشهم، وتعايش معهم فعرفهم فكراً وسلوكاً .. وهو بهذا الاختيار يسجل لحقبة من تاريخنا الأدبي من خلال الكتابة عن أولئك الزملاء الذين ذكر أسماءهم في أول حلقة له .. وكانت البداية عن أستاذنا «الزيدان» تعكس المنهج الذي سوف يسير عليه .. وجاء العنوان «وعشت في حياتهم» شاعرياً .. وجاذباً .. ولافتاً للانتباه.
* يبدو لي انكم عرفتم هذا «الرجل الوضيء» من الضوء الذي أعنيه .. وللتأكيد والتوضيح أقول انه الصديق الوفي الأديب الناقد الناشر «عبدالله الماجد» وفقه الله.


علوي طه الصافي

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved