الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 14th April,2003 العدد : 7

الأثنين 12 ,صفر 1424

عشت في حياتهم
عبدالله الجفري
عبدالله الماجد

كان «عبدالله الجفري» في بداية حياتي عبر درب الكتابة، جسراً حياً ونابضاً للتواصل مع النبض الحي للكلمة، تعلمت منه رسم الكلمة، والإحساس بنبضها، مع ان الفارق الزمني، لم يكن يمثل أجيالاً، كذلك الفارق بين «العقاد» وطلابه مثلاً وهذا سرّ التواصل والتأثير والتأثر، كان عبدالله يكبرنا بقلمه وفنه، وبمشاعره وأحاسيسه، وهذا سرّ تأثيره فينا «أعني جيلاً من الكتاب». فلا تزال صياغاته، وفن نحته، وجميل صوره، تتردد فيما أكتبه وجيل النجباء من أصحاب الكلمة الذين فتحو عيون أقلامهم، ووجدانهم على فن عبدالله الجفري، وتخيلاته، وعباراته الموشاة بعطر القلم.
وكان «عبدالله» كإنسان، أنيقاً في مظهره، وحسه الإنساني، حريصاً على كل ذلك، وفي صوته «أنه حزن» دفين، حينما يعلو صوته في غضبه يقول «يا هوه إيش دا» لكنها تخرج ممزوجة مشروخة بهذا السمت الحزين الدافئ القابع في أعماقه. حينما تبرق عيناه وتتسع حدقاتهما، يكون ذلك للدهشة، دهشة الاكتشاف. اكتشاف عبارة جميلة، تأخذه التعبيرات الجميلة ويحفظها ويرددها، جلست معه ذات يوم، وكان أستاذنا الراحل «محمد حسين زيدان» يُملي مقالاً، وطلب الى أحدنا ان يكتب، فاقترحت ان يكتب عبدالله وأنا استمع. اكتشفت انه يحفظ عبارات أستاذنا القصيرة والمركزة، والمنحوتة بأسلوب الأستاذ الذي لا يتشابه مع غيره، ويكتبها في تأن بعد ان تكون قد مرت بذائقته، ويُعلّق على بعضها، ويقول «الله الله يا أستاذ» فتتفجر «نافورة» الإبداع فيما يمليه أستاذنا الزيدان في زهو العارف ببحره.
وحينما يكتب «عبدالله» تكون «مسودة» موضوعة، هي «المبيضَّة» النسخة النهائية تخلو من «الكشط»، خطه من أحسن الخطوط التي رأيتها، حريص على علامات «الترقيم» النقطة، الفاصلة، علامة الاستفهام، وحينما اصدر كتابه «ظلال» كان شكلاً مختلفاً في حجمه وشكله عن أحجام الكتب العادية، كان فيه أناقة الشكل والحرف وأتذكر أن الدكتور غازي القصيبي، كان من أوائل المرحبين بهذا الكتاب الذي قال عنه انه «شعر».
كانت «الصفحة السابعة» وهي أشهر صفحة في «عكاظ» بل في صحفنا المحلية فستاناً زاهي الألوان، بكل تخيلات وانفعالات، الدائبين على درب الكلمة ونسج خيوطها، التي كانت تتلألأ في «قوام» هذا الفستان. وكانت صفحة عبدالله «السابعة» حيث كان لزملائه صفحاتهم على مدار الاسبوع هي مرتاد الهوى لكل الأقلام التي تَبرعَمتْ وتلألأت على أعمدتها. كان هو الواجد والوجد «وأبا وجدي» لكل تلك الأقلام، التي يشحذها كما تُشحذ السكين بعشقه للكلمة المتلألئة الباحثة عن ودجها. وهو راسم الكلمة «المجنّحة» لم يكن يغار من كلمة أكثر «تجنيحاً» من كلماته كان يبروزها ويكتب عنها ليضيئها، حتى ولو بعد عشرات السنين، يستعيدها ويستحضرها في الحاضر. عبدالله الجفري كاتب «مؤسسي» لديه تأسيس لمشروعه في الكتابة، فهو يتذكر كل شيء في مؤسسته، يحتفظ بأرشيف «ذهني» ومحفوظ لكل من عبر في دربه. ومع أن قامة عبدالله الجفري في حياتنا الصحافية والأدبية، سامقة، فكنت اتصور أنه لو ظهر في بيئة صحافية وأدبية، من تلك البيئات المضيئة بزخم التواصل والإضاءة كالقاهرة. لأصبح الأشهر والعَلَم أكثر من «تشّهروا» اسمه الآن يملأ أصوات البلاد العربية بدأ به المتواصل. لقد كان شيخنا «أبو علي ابن حزم» يقول وقد ذاع صيته ونشأ في بلاد الأندلس المغربية «أنا شمس في العلوم وعيبها ان مطلعها الغروب»، وهو تعبير موحي يدل فيه على أن العلماء والكتَّاب إنما يشتهرون في المشرق العربي. وربما كان «عبدالله الجفري» يتمثل قول شيخي وشيخه «ابن حزم».
بعد أن التقينا، بعد سنوات من التواصل عبر الكلمة، اكتشفنا دون ان نعلم ذلك أننا «أخَوَان» جمع بينهما ذلك الأب «محمد حسين زيدان» وأنه اكسبنا من ابوته، هذا «التوارث» الأخوي، واكتشافنا اننا قد اكتسبنا منه كل على قدر كل منا، بعض صفاته الوراثية ليس في فنه العالي في الكتابة، وإنما في روحه الطاغية بحب كل شيء، حتى التراب الذي يمشي عليه ومن فرط حبه لنا، كان يقول دائماً «العبادلة اثنان»: «عبدالله الجفري» و«عبدالله الماجد» وهو يريد بحبه هذا أن يرفعني الى سمت ابنه الأكبر الذي استوى في كل أدائه في الكتابة والحياة.
وإذا تجردت من كل هذا البوح «المنزوع من أوشاج النفس» ونزعت الى روح الناقد الواعي، فإنني أرى في «عبدالله الجفري» صحفياً وكاتباً ليس هناك فصل بين هذين الاتجاهين كاتب يمثل في ذهني، هذه النخلة «المثمرة في كل موسم، الوارفة بسعفها، ففي حياتنا الصحافية والأدبية، ليس هناك كاتب ظل يكتب وباستمرار على النحو الذي استوى عليه، وبهذه الحرفية، الناضجة، المدعومة بكل أسباب الثقافة والاطلاع الدائم فإنه يذكرني بالكاتب العتيد «أنيس منصور» بل ان ما يميز «عبدالله الجفري» انه كاتب معجون بأحاسيسه الصادقة وبيئته، فإذا ما أكسب ظلالاً فإنها ظلال التوشيه والزخرفة، الخاصة به وليس لغيره. فيصبح كمثل ابن العميد وعبدالمحميد الكاتب والرافعي ولكنه ابن زمانه.
عبدالله الجفري يُعتبر ذلك الكاتب، الذي استطاع أن يُفرّغ نفسه للكتابة، بجهده النفسي، رغم دأب الحياة ومكابدتها، دون دعم خارجي، عمله الأوحد في الحياة الكاتبة، ليست لديه «عقارات» ولا أموال يديرها، ولو كانت لديه لما أصبح كاتباً وفناناً بهذا المستوى الذي يبدو فيه، ولو كنت أملك قراراً حكومياً، لاصدرت قرارا بجعله متفرغاً لفنه الذي هو عنوان أصيل ولامع في حياتنا الصحفية. ولسنا أقل من بلدان يتفرغ فيها كتَّاب يكتبون لصحفهم بشكل غير دائم. ومع ذلك يتمتعون بمثل هذا التفرغ المطلوب لامثال عبدالله الجفري.. إنني أنادي بمشروع للتفرغ يأمن فيه الكتَّاب على أسباب حياتهم، ويكون عوناً على استمرارهم لاداء هذا الدور المضيء في حياتنا الثقافية والصحفية، وان يكون هذا الكاتب أول من يحظى بهذا التفرغ
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved