Culture Magazine Monday  14/05/2007 G Issue 198
فضاءات
الأثنين 27 ,ربيع الثاني 1428   العدد  198
 

حكايات
ليس دائماً السكوت من ذهب..!!
بقلم: محمد بن أحمد الشدي

 

 

ليس هناك لغة من اللغات المعروفة في العالم فيها من الحِكم والأمثال كما في لغتنا العربية.. فاللغة العربية ليست اللغة الشاعرة فحسب.. وإنما هي اللغة الحكيمة أيضاً. لقد خلف لنا الأسلاف ثروة كبيرة من هذه الحِكم والأمثال التي نفخر بها ونعتز ولاسيما أنها خلاصة أفكار وحصيلة تجارب تنمي في الأجيال الخصال الحميدة.. فتحث على الصدق والشجاعة والمروءة ومكارم الأخلاق، وتبرز النقائض والعيوب المنفرة لكي يتجنبها كل ذي عقل ومروءة.

ولكن بعض الناس يخطئون فَهْم بعض الحِكم والأمثال فيأخذونها أمراً مسلماً به في جميع الأحوال والظروف، أي أنهم أيضاً يخطئون في التطبيق.

لنأخذ مثلاً قول أحد الحكماء.. إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.. هذه الحكمة في ظاهرها تدل على بُعد النظر وتدل على أن قائلها استوحاها من تجربة جعلته يفضل السكوت على الكلام، فيصف الأول بالذهب ويصف الثاني بالفضة، وقد يكون هذا التقديم سليماً في بعض الأحوال وعلى النقيض في أحوال أخرى.

إن معنى أن نصمت هو ألا نقول شيئاً ولا نفعل شيئاً فلا نقدم ولا نؤخر كالآلة المعطلة تماماً.. وبهذا لا تخطئ؛ فالآلة المعطلة لا تخطئ أيضاً.

ومعنى أن نتكلم هو أن نقع أحياناً في الخطأ؛ فالأخطاء تنشأ من العمل، والخطأ ليس عيباً فبه نهتدي إلى الصواب.

يتضح من هذا أن السكوت المطلق ليس دائماً من ذهب؛ فربما كان السكوت في بعض المواقع أسوأ من الكلام، وربما كان الكلام هو الذهب. غير أن الملاحظ وبكثرة أن بعض الناس تجمعهم المجالس فيظلون صامتين طيلة الوقت كالخشب المسندة، حضورهم وغيابهم سواء، لا ينطقون بكلمة ولا يدلون برأي ولا يشاركون في الحديث؛ كي يقال إنهم مهذبون مؤدبون وأن صمتهم أكثر فائدة وأغلى قيمة من الذهب.

وهذا خطأ كبير، فما الذي يمنع الجالس من أن يشارك في الحديث ويدلي برأيه مهما كان، فإن كان رأياً صائباً حصلت الفائدة، وإن كان هذيانا قوّمه الباقون بلطف ونصحوه بالسكوت فيستفيد من ذلك ويتحرى الحقيقة ويتجنب الخطأ.

فالصمت إذن ليس دائماً من ذهب، فالإنسان الصامت أبداً قد يرمى بالعجز والجهل تماماً كما يرمى الثرثار بعدم الوقار وقلة التهذيب.

إن الله سبحانه وتعالى فضلنا في الخلق على سائر مخلوقاته وأودع فينا صفة الكلام والنطق، ولو لم يكن للكلام فضله ومحاسنه لخلقنا كالعجماوات.. فلنتكلم إذن متى كان الكلام واجباً ومفيداً، ولنصمت عندما يكون الصمت مطلوباً.

أما أن نصمت بإطلاق.. فهذا معناه أننا فهمنا الحِكمة فهماً مقلوباً وطبقاناها تطبيقاً خاطئاً؛ فللصمت أحوال وظروف، وقد تصل ضرورة الكلام في بعض الأحوال إلى منزلة الواجب، والواجب أغلى من الذهب.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5064» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة