Culture Magazine Monday  14/05/2007 G Issue 198
قراءات
الأثنين 27 ,ربيع الثاني 1428   العدد  198
 
واقع التعليم وتطوره
من خلال كتاب (من سوانح الذكريات) للشيخ حمد الجاسر

 

 

تعددت الكتب التي رصدت التغيرات الاجتماعية والثقافية في المملكة العربية السعودية منذ تكوينها في مطلع القرن الماضي، وكان للتعليم نصيب جيد في هذا الرصد - الشخصي والرسمي - وبخاصة بعد الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيسها (1419هـ - 1999م).

ولقد كان لي شرف الإسهام في مراجعة حلقات (من سوانح الذكريات) لأستاذ الجيل العلامة حمد الجاسر، وجمعها في جزأين والتعليق عليها، مضافاً إليها ما كان حجب منها من حلقات أو فقرات إبان نشرها منجّمة في (المجلة العربية) بين عامي 1407هـ (1986م) و1417هـ - (1996م).

لم يكن التعليم الشأن الوحيد الذي ركّز عليه في سوانحه؛ فهي روضة غناء تزخر بشتى ألوان المعارف والآداب والتراجم والأنساب والجغرافيا والتاريخ والقضاء والثقافة والإعلام، وغيرها من الحقول، لكن التعليم يظل القاسم المشترك لمعظم الحلقات، وبخاصة في الجزء الثاني من الكتاب، فكاتبها لا يكاد يخرج منه موضوعاً رئيسياً في حلقة حتى يعود إليه موضوعاً فرعياً في أخرى، وهو أمر يثير الإعجاب من فلاح تنقّل من قريته (البرود) والبلدان والهجر المحيطة بها في إقليم السر في عالية نجد، إلى الرياض، ثم طاف مدن الحجاز والمنطقة الشرقية وتهامة وانتهى بمصر، دارساً ومعلماً ومبتعثاً وباحثاً ومديراً ومشرفاً وموجهاً ومراقباً، يشغل التعليم حيزاً كبيراً من اهتمامه وتفكيره وجهده ووقته، طيلة النصف الأول من حياته.

أما ما يلفت نظر قارئ السوانح، فهو تنقل مؤلفها بسلاسة من موضع إلى آخر، ومن فكرة إلى فكرة، ومن استطراد إلى استطراد، بأسلوب محبب جاذب غير متكلف، يزيد قارئها متعة وتشوّقاً ورغبة في متابعة قراءتها من الغلاف إلى الغلاف، رغم أن الكثير من الحلقات مستقل عما يليه، ثم إنه وهو يصف التغيرات الاجتماعية والثقافية، كان من القلائل الذين دوّنوا عبر ذكرياتهم تجربتهم الشخصية من طالب كتّاب ومتابع في حِلق المساجد، حتى أصبح مديراً لإحدى أقدم الكليات الجامعية، فهو إذاً لا يروي ما يقوله غيره، بل يوثق ما مرّ به شخصياً، توثيقاً دقيقاً، يفرض سوانحه مصدراً مهماً عن التحولات التي شهدتها البلاد، في مجال التعليم بخاصة، وفي المجال الاجتماعي بشكل أعم.

من المعروف أن التعليم قد بدأ في كل أنحاء البلاد - بما فيها الحجاز - بحلق المساجد، ثم بالكتاتيب يستخدم تلاميذها ألواح الخشب وأعواد القصب والأحبار الفحمية وطلاء الغرين، وكان مبلغ قصد الطالب منهم أن يحوز على شيء من مبادئ القراءة والكتابة والحساب، وأن يجوّد بعض سور القرآن الكريم بما يمكنه من أداء الفروض وفي أحسن الأحوال أن يؤم المصلين، ولم يتسن للمدن الرئيسية في معظم أنحاء المملكة أن تشهد التعليم الحديث قبل منتصف الخمسينيات الهجرية (الثلاثينيات الميلادية) إلا من خلال مبادرات فردية تعد على الأصابع، في حين لم تحظ المرأة بالتعليم الرسمي إلا بعد قرار سياسي لبىّ احتياج المتفتح من الأسر في مطلع الثمانينيات الهجرية؛ ومن هنا فإن هذه الورقة لن تركز على ما هو معروف من هذه المراحل، بل ستقتصر - بالأحرى - على الصور والشواهد البارزة، وهي تعنى بالموضوع لا بالجانب الشخصي من الذكريات.

لقد بلغ تعداد حلقات السوانح (117) حلقة في صفحات تزيد على الألف، عُني (26) عنواناً منها بالتعليم وشؤونه بشكل مباشر، بينما تطرقت حلقات مثلها تقريباً إلى الموضوع بشكل عرضي، وعليه فإن هذا الرصد سيستشهد بأبرز الملامح المتصلة بعنوان الورقة أنّى وجدت.

وصفت حلقات كثيرة البيئة التعليمية في نجد في المرحلة الزمنية التي ولد فيها كاتبها، وهي أواخر العقد الثالث من القرن الهجري الماضي، وتحدثت، بإفاضة، عن مساجد قرى السر والوشم، وكان لقب (المطوّع) - بتشديد الواو وفتحها بصيغة اسم المفعول - يطلق على من كان يتولى الإمامة أو تعليم الصبيان أو القراءة على من أصابهم مسّ من الجن، أو عين حاسدة، أو سحر، وقد حافظ الناس على هذه اللفظة حتى صار يقصد بها كل متفقه في الدين ومنسوبي الحسبة فيما بعد، وكل من يدل مظهره على هيئة الفئتين.

وتصور حلقة خاصة بعنوان: (أصبحت مطوعاً) حالة تصنّع الهيبة التي كان يحاول الظهور بها في محيطه الصغير وأمام تلاميذه وأهاليهم، على أنه ما كان ليتردد في البَوْح في العديد من الحلقات، كيف كان يسمح لنفسه ولطلبته بتمرير بعض الممارسات الصبيانية التي ينزل فيها مطوّعهم إلى مستواهم الذهني، على أنه يتندّر بالتذكير في أكثر من موقع بأن لفظة (مطوّع) ذات مدلول آخر مغاير في الأحساء.

يفرد الشيخ الجاسر الكثير من الحلقات عن فترة تكوّن (الإخوان)، وهو لفظ كان يطلق على طلبة العلم الشرعي وعلى أبناء البادية القاطنين في الهجر، وكيف تشكلت لدى بعض الأخيرين منهم مظاهر الغلو الديني الذي جرّ البلاد إلى حالة من التطرف والانغلاق، مما هو معروف في العقد الخامس من القرن الهجري الماضي، وقد كان المؤلف أحد من عايش أوضاع تلك الهجر، وجاء وصفه وتشخيصه لها من أجمل ما وفق إليه في الحلقات الأولى من الكتاب، والمعروف أن تلك الهجر قد بدأت عام 1330هـ تقريباً وتوقفت حوالي عام 1347هـ بعد إقامة نحو (125) منها، وكان لها دور كبير في معاضدة المؤسس رحمه الله في توحيد البلاد.

وتصور حلقة (مدرسة القرية) مثلاً تقاليد حياة الصغار في الكتاتيب القرآنية وتعرّف بالمصطلحات الشعبية المتصلة بها مثل (الدخالة والختمة)، وهي ما يدفع للمعلم نقوداً أو طعاماً عند اجتياز الصغير مرحلة من مراحل تعلّمه، كما تصور حلقات أخرى بيئة التعليم وأدواته، والأمكنة التي كانت تتخذ مقارّ للكتاتيب، ملحقة بالبيوت أو المساجد، أماكن لا تتوافر فيها مقومات التدريس، فضلاً عن الفرش والحمامات ونحوها.

ومن طريف ما تطرقت إليه الحلقات الأولى، ما دأبت عليه بلدات نجد وأدركه المؤلف في مقتبل حياته، من تجنب الاختلاط بالقادمين من بلدان مجاورة لا تدخل في حكم الإمام عبدالعزيز وهَجْرهم عدة أيام، ثم يعرّج بسوانحه للحديث عن تجربته في مدرسة صالح الصقعبي (المتوفى سنة 1358هـ) في بريدة، التي كانت تتخذ من دكان له في السوق مقراً لها، مع الإشارة إلى العملات المستعملة في نجد مثل البيشلية والبيزة ونحوهما.

وتتحدث تلك الحلقات عن الكتب والمخطوطات الدينية والتراثية والأدعية التي كان القادرون على القراءة من الحفظة والمطاوعة والمشايخ والأئمة (أو من يسمى الواحد منهم (الملاّ) في الأحساء) يقتنونها ويتداولونها .

تستمر السوانح في تصوير المناخات الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في الحياة التعليمية في البلاد خلال العقد الرابع من القرن الهجري الماضي (العشرينيات الميلادية)، ويبدو أن الشيخ الجاسر - ولمّا يبلغ عمره العشرين - خرج من تنقلاته المبكرة بأهم ميزة جعلته يعلو درجة على أقرانه من الشباب ألا وهي حفظ القرآن الكريم وحيازة أطراف من كتب الفقه والتوحيد السائدة في حينه؛ مما جعله يبالغ في قراءة طوال السور في التراويح كي يحمل مأموميه على احترامه والاقتناع بجدارته، ولقد أفاده اختلاطه بعمق مجتمع القرى والبادية لفهم ما كان متغلغلاً من اعتقادات بشأن حالات الصرع والحسد وتلبّس الجان، والنفث والقراءة بطلب الشفاء من حالات الانفصام وأمثالها من الأمراض النفسية. وما من شك في أن المنزل الذي ظهر فيه بين القرية والبادية ومعرفته للهجات والشعر العامي قد مكنته من تصوير حياة الناس فيها أدق تصوير، بل إن القارئ ليعجب كيف استطاع مَن بهذه المكانة الفكرية والعقلية والذهنية أن يخرج من هذه البيئة الفقيرة علمياً وثقافياً ومعرفياً.

إن حديث ذكرياته، ونقده للتجربة التعليمية التي مرّ بها وأمضى فيها سنوات عزيزة من شبابه قبل أن يتجه إلى البحث والتأليف والنشر، وشعوره بالحاجة إلى ما يكمل نقص الجانب التربوي لديه، وهو ما عبر عنه في العديد من الاستطرادات، يجعلنا ننظر بكثير من الإكبار لقدراته التي سبقت زمنه ومعاصريه، بل إنه يمكن القول إنه قد استطاع أن يصور - بإنصاف وموضوعية - أوضاع تلك الهجر، وتفكير ساكنيها ويحلل أسباب سلوكياتهم؛ مما جعل سوانحه من المصادر الأوثق والأكثر أصالة وعمقاً، ولعل طبيعة التعليم الديني الضيق الذي اقترن مع قيام ظاهرة الإخوان كانت أحد التشكيلات التي صاغت فكرهم دون أن يكون هذا المنحى هدفاً مقصوداً لمن قام على تعليمهم، وهو ما سمح بتوافق ذلك مع الدوافع السياسية في أذهان بعض رموزهم.

لقد قال لي أحد من نقدر خلفيتهم التعليمية وثقافتهم الدينية إن الله أجرى على يد الملك عبدالعزيز مبادرات تعليمية غير مسبوقة في هذه البلاد، وهي باختصار: بث التعليم الديني في الهجر، وإنشاء المعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة (1345هـ)، ومدرسة أبناء البادية في ينبع (1353هـ)، ومدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة (1356هـ) ودار التوحيد بالطائف (1363هـ)، وقد لفتت ذكريات حمد الجاسر الأنظار إلى هذه المؤسسات التعليمية والاجتماعية المؤثرة في الزمن الذي ظهرت فيه وإلى الآن.

ثم تظل السوانح خير مرجع يحدّد سقف التعليم المتاح حتى منتصف القرن الهجري المنصرم، لكل من تمكن من حضور المدارس والكتاتيب وحلق المساجد، ويعرّف بالكتب والمناهج، وهي في مجملها لا تخرج عن كتب موجز التوحيد والفقه والنحو والتجويد. وقد لفتت السوانح الأنظار إلى أن بيوت الإخوان في الرياض، الذين يعني بهم هنا طلبة العلم الشرعي، كانت تحتضن جملة من المكفوفين النازحين من نجد وعسير وغيرهما، وكانوا يجدون في هذا النوع من التعليم مخرجاً للتغلب على إعاقتهم، وذكّر بأن سوق هؤلاء المطاوعة كانت رائجة في إمامة النساء في قصور بعض الأمراء.

في السوانح أيضاً، رصد شامل لأبرز علماء الحجاز ونجد والأحساء المجايلين لمؤلف السوانح، ولعلها من أفضل المراجع التي تناولت أسماء المشايخ من سلالة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومن العلماء الشرعيين البارزين في الرياض ممن يصعب حصر أسمائهم، مع ذكر تخصصاتهم ومواعيد دروسهم وأماكن إلقائها، فضلاً عن أن السوانح تطرقت إلى الديوانيات العلمية لآل سعود وأسماء الأشياخ الذين كانوا يرتادونها، كما يتطرق الكتاب إلى قصور كانت تؤوي طلبة العلم وتقوم على إعاشتهم ورعايتهم، كل ذلك بأسلوب متدفق لا يوغل في الإحصائيات والبيانات والقوائم، بل هي سيرة ذاتية مترابطة تظن أن كاتبها قد فرغ بالأمس فقط من معايشة أحداثها.

إن دار أبي هريرة لم تكن موقعاً أثرياً يدل على مسكن الصحابي الجليل في المدينة المنورة، بل هو اسم أطلقه الظرفاء على دار الإيواء المرفهة المجاورة لمسجد الشيخ بالرياض، وهو مسجد مشهور في حارة (دخنة) أسسه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف ثم صار يعرف باسم ابن أخيه مفتي المملكة الشيخ محمد بن إبراهيم لقربه من داره، وكانت دخنة (قلعة) علماء الرياض، وفي مقدمتهم المبرّزون من آل الشيخ، لكن من يريد أن يعرف مشاهير علماء الدين في القرن الماضي فيمكنه أن يستزيد من خلال قراءة حلقات بعنوان: دار أبي هريرة ومسجد الشيخ، ومشايخ وإخوان، ومدرسة المسجد، وما جاورها من حلقات.

لقد كان من اللفتات الإنسانية للمؤسس الراحل أنه عندما لاحظ نمو أعداد أبناء الموالي في قصره وبيوت الأمراء المجاورة، وجه بتخصيص مكان لهم داخل مسجد القصر لاحتضانهم وتعليمهم، فينتدب الشيخ حمد ليكون (المطوّع) في مدرسة مسجد القصر، وهو عمل أدخله في حقبة جديدة من حياة الرفاه النسبية بالمقارنة مع الجو الذي ألفه، وكادت أن تغير مستقبله - سلباً أو إيجاباً - لو استمر يعيشها، إلا أن ذلك لم يقدّر له، لكن الحظوة التي حاز عليها من موقعه هذا - معلماً لصبيان القصر - أنقذته من تكليف بالذهاب معلّماً لسرِيّة من الإخوان، قدر لها فيما بعد أن يقتل معظم أفرادها بمن فيهم المعلم، وذلك إبان فورة حركة الإخوان في منتصف الأربعينيات الهجرية من القرن المنصرم.

لكن الشيخ محمد بن إبراهيم الذي أحسّ في الجاسر علامات النجابة والنبوغ الذهني المبكر يعرض عليه أن يعيّنه كاتباً مع عمه الشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف القاضي الجديد في (عروا) أحد أبرز هجر الإخوان، وهو هنا يدخل، مرة أخرى، في وصف بيئة الإخوان والظروف التي كوّنت تفكيرهم مع تفصيل أجنحة تفريعاتهم العشائرية وزعاماتهم القبلية ومستوى ثقافتهم وتعليمهم، وهي بضع حلقات لا غنى لمن يريد معرفة حياة الإخوان (في هجر الغطغط وعروا ومصدّة وسنام والرويضة وغيرها) أن يقرأها؛ فهي فترة ألقت بظلالها على الأمن في البلاد وعطلّت التفكير في تنميتها، وأضفت بُعداً كبيراً على نمط الحياة الثقافية حينها، وأحسب أن حلقاتها من أجود ما ضمته السوانح من وصف لحياة بادية نجد، التي بدأت في الثلاثينيات الهجرية من القرن الماضي تُقبل على هَجْر الترحال إلى الرغبة في الاستقرار.

انقشعت غُمة حركة الإخوان بعد بلوغ ذروتها في عامي 1347 و1348هـ - (1929م) فتأخذه المقادير إلى الحجاز في ذلك العام، وهنا نقرأ وصفاً مستفيضاً لحال الحرم الشريف ومناخاته التعليمية وعلمائه (المجاورين) من شتى أنحاء العالم الإسلامي ومذاهبه وبخاصة من الهند، أما حال المناطق الأخرى فقد بقيت حتى ذلك التاريخ محرومة من التعليم، باستثناء ما سبق من ذكر أجواء مسجد الرياض في دخنة وبعض مساجد المدن الرئيسية في نجد والأحساء، ثم تدخل السوانح في تفصيل إنشاء المعهد السعودي في مكة المكرمة، وبدء اصطفاء مدرسين أفذاذ من أمثال كامل القصاب وبهجت البيطار وإبراهيم الشورى، وعلماء للحرم الشريف مثل عبدالظاهر أبو السمح وعبدالقادر حمزة، أما من مشايخ نجد المقيمين في الحجاز، فقد بدأ الشيخ يورد المكانة التي كان يحظى بها محمد بن عبدالله بن بليهد وعبدالله بن حسن آل الشيخ وسليمان الصنيع ونحوهم.

كانت مديرية المعارف العامة، كما هو معروف، وكما تشير حلقات السوانح، قد أسست في مكة المكرمة عام 1344هـ، وتعاقب الإشراف عليها السيد صالح شطا، ثم محمد كامل القصاب (من علماء الشام يساعده محمد بهجت البيطار من الشام أيضاً) ثم محمد ماجد الكردي، ثم حافظ وهبة (من رجال التعليم في مصر ثم أصبح مستشاراً في الديوان الملكي وسفيراً في لندن)، ثم محمد أمين فودة فإبراهيم الشورى لفترة مؤقتة (وهو من مصر)، ثم محمد طاهر الدباغ، وانتهاء بمحمد بن مانع (1364هـ)، الذي استمر حتى نهاية عهد الملك عبدالعزيز، وهي الفترة التي انتهى بها عهده بالتعليم، لكنه يشيد - بشكل خاص - بالمرحلة الزمنية الواقعة بين عامي 1353 و1364هـ التي تولاها فيها الدباغ، حتى قال إن جهوده في التعليم تحتاج إلى مؤلف كامل، وهي شهادة شاركه فيها الكثيرون ممن أدركوا ولايته والتقوا به أو تعاملوا معه، وأشادوا بمناقبه الشخصية والإدارية، وبالانتشار الأفقي والرأسي للتعليم في عهد الجاسر، الذي شهد أيضاً افتتاح مدرسة تحضير البعثات.

وتمتلئ حلقات السوانح بالإشارات إلى الوظائف التي قام بها المعهد العلمي السعودي ومدرسة تحضير البعثات، وكيف كانت الدولة تحفز الطلبة النابهين للالتحاق بالمعهد، وتتيح للراغبين في الابتعاث أن يؤهلوا أنفسهم في تحضير البعثات، كما توضح الحلقات كيف كان الطلبة يحظون بالرعاية الشخصية المباشرة من لدن الملك عبدالعزيز، وتصف الأجواء التنافسية بين طلبة المعهد وتحضير البعثات من جهة وطلبة مدرسة الفلاح من جهة أخرى، وهو يفرد حلقة خاصة يتحدث فيها عن المعهد وأساتذته وفكرته ومناهجه والمطارحات الأدبية، والصحافة الحائطية فيه.

لقد كان الدارسون في هذه المدينة المقدسة، التي أمضى فيها صاحب السوانح سنوات عدة بدءاً من عام 1349هـ حتى منتصف الخمسينيات الهجرية، ينعمون بالدراسة في أجواء الحرم الشريف والالتقاء بأقرانهم من مختلف المناطق والاحتكاك بكبار العلماء الزائرين وبخاصة من مصر والهند وبلاد الشام، وهي ميزة يتفوق فيها طلاب مكة المكرمة على من سواهم في مدن أخرى، مع وجود الكهرباء والمكتبات والخدمات الأخرى، ولعلنا هنا نرصد أبرز الطلبة الذين عرفوا في تلك الفترة وصار لهم فيما بعد دور كبير في النهضة التعليمية والثقافية والقضاء، ومنهم عبدالله عريف وعبدالله بالخير ومحمد بن عثمان الشاوي ومحمد بن علي البيز وعبدالله بن مطلق الفهيد.

أما عندما زار المدينة المنورة في عام (1355هـ) فإن حديثه يطفح بالبشر والسرور، وهو ينتقل من مكتبة إلى أخرى في كل زاوية من الزوايا المحيطة بالحرم النبوي الشريف، والتي كانت تعد - بلا شك - أغنى مدينة في هذه الجزيرة العربية بالكنوز المعرفية الثمينة، لكنها لم تسلم من يد العبث والتهريب.

ثم تنطلق السوانح نحو بلاد عسير وجازان، بسراتها وتهامتها، لتصف الحياة التعليمية المتواضعة، وكان قد زارها في ظروف الحرب مع اليمن (1353هـ)، لينتقل شمالاً في العام التالي مدرساً في ينبع - التي خصها بكتاب مستقل سابق - حيث يبدع في تفصيل أوضاعها الثقافية وحال المدارس فيها والمؤثرات التي جاءتها من بلاد الشام وعبر البحر الأحمر من مصر، وأسماء من مرّ بها من رجال التعليم، في سبع حلقات مطولة، تزخر بالمعلومات التاريخية الموثقة عن تاريخ الجزء الشمالي الغربي من البلاد وبدايات التعليم فيه.

مارس مؤلف السوانح القضاء الشرعي في ظباء (سنة 1357هـ) ولمدة عام، وكان له أسلوبه الخاص في ممارسة أمر أجبر على الدخول فيه دون رغبة منه، لكنه يخرج من التجربة ببضع حلقات تشخص واقع القضاء، ويتطرق فيها إلى ضرورة تدوين الأحكام، ومسألة الحكم بين المتخاصمين وفق انتماءاتهم المذهبية.. إلى غير ذلك من القضايا التي كان للمؤسس الراحل مواقف ثاقبة تجاهها، ثم يختم تلك الموضوعات ببحث معمّق يتحدث فيه عن بدايات تبنّي المذهب الحنبلي في نجد، قبل قيام الدولة السعودية الأولى، مبيّنا جذور نقل هذا المذهب من الشام إلى وسط الجزيرة وأسبابه، ومذكراً بأسماء مشايخ أشيقر والعيينة ومقرن (الاسم القديم للرياض) الذين تخصصوا به منذ القرن الحادي عشر الهجري، ثم يتحدث عن حالة القضاء بعد استقرار هذا المذهب في نجد، عارضاً أسماء العشرات من المشايخ وسيرهم ونتاجهم العلمي.

يمثل العام 1356هـ مفصِلاً مهماً في تاريخ التعليم، لأنه العام الذي أسست فيه المدارس الحديثة في مجموعة من المدن الرئيسية، ومن الطبيعي أنه لم يكن من اليسير الحصول على معلمين محليين في تلك المدن، ولم تكن الموارد المالية كافية لتمويل المدارس. ويعرب حمد الجاسر عن مشكلة عدم توفير معلمين في مدرسة بجدة في خطاب بعثه إلى مدير المعارف العامة (عام 1356هـ - 1937م)، فكان يحثه على ألاّ تبقى المصلحة معطلة.

بعد القضاء، كانت العودة إلى مهنة التعليم في مدرسة بجدة عام 1357هـ ولمدة عام، فرصة عظيمة انتهزها للتردد على مكتبة الشيخ محمد نصيف والالتقاء بضيوفه من مشاهير علماء الهند ومصر والسودان والمغرب، والقيام بنسخ ما يبتغيه من الكتب والمخطوطات النادرة.

إن ما يميز كتابات الشيخ الجاسر هو إنصافه للتاريخ، فهو عندما يكتب عن تاريخ التعليم في المدينتين المقدستين أو في جدة أو الأحساء، حيث كانت تلك الأقاليم خاضعة للحكم العثماني، يورد أسماء المدارس التي كانت قائمة في العهد الماضي، لكنه يبين أن تلك المدارس المحدودة العدد كانت تلبي احتياج المجتمع المحلي من الدروس الدينية البحتة مع تدريس اللغة التركية، وقد أشاد بما كانت عليه مدرستا الفلاح في مكة المكرمة وجدة، اللتان أسسهما محمد علي زينل (عامي 1323هـ و1330هـ)، ثم يشير إلى أن الغرض من إنشاء المعهد الإسلامي الذي أصبح يسمى المعهد السعودي في مكة المكرمة (عام 1345هـ) كان لنشر العقيدة السلفية ثم أصبح يُعد من يقوم بتدريس تلك المناهج.

وبالإضافة إلى عقبتي ندرة - بل فقدان - المعلم المناسب، وقلة الموارد المالية، كانت هناك عقبة ثالثة، إنها مشكلة نفور عقول بعض أبناء هذه البلاد من كل جديد غير موروث، فيذكر أن الأمور سارت على حالة من التدرج في شؤونها الحيوية التعليمية وأنها استعانت بعدد من المدرسين من خارج البلاد للعمل في مدارس المنطقة الغربية، وقد روى أن سبب انتهاء تكليف حافظ وهبة - نقلاً عنه - بمهمة الإشراف على التعليم عام 1349هـ (1930م) ربما كانت له علاقة باحتجاج العلماء على تضمين المنهج مواد حديثة (مثل اللغات والرسم) وأن الأمر كاد يتطور إلى حالة من الشغب، ثم يضيف الجاسر أن هذا المنهج التحديثي وإن استمر تطبيقه في الحجاز فإنه لم يطبق في نجد إلا بعد عشرين عاماً.

ثم يعيد التذكير بإنشاء مدرسة تحضير البعثات التي ابتعث منها حتى عام 1371هـ نحو (170) طالباً، وقد تغير اسمها بعد إنشاء وزارة المعارف إلى (العزيزية الثانوية)، ثم يؤكد الجاسر جهود الدباغ في نشر المدارس في المناطق الأخرى مع حذف بعض المواد منها استجابة لرغبة العلماء، مستطرداً أن الدباغ رغب في إنشاء مدرسة تغذي حاجة البلاد من المدرسين، لكن المفتي كان له رأي آخر؛ إذ كان يشعر أن حاجة المحاكم وكتابات العدل للمتخصصين في العلوم الشرعية كانت أوضح، فأنشئت دار التوحيد بالطائف لهذا الغرض عام 1363هـ (1944م).

لا ينسى الشيخ الجاسر عند استعراضه لسير التعليم الحديث في البلاد أن يتذكر ما قام به الشيخ عبدالله القرعاوي لإدخال التعليم في مناطق الجنوب (وبخاصة في تهامة) بدءاً من عام 1358هـ، وقد قيل إنها بلغت نحو (200) ما بين مدرسة أو كتّاب، وأصبحت فيما بعد نواة لمدارس وزارة المعارف، بينما ظلت مناطق كثيرة في البلاد تخلو من المرافق التعليمية.

كما يشير الجاسر في إحدى حواشيه إلى أن من أوائل من تخرج من المعهد السعودي دفعة من (21) طالباً عام 1347هـ، وكان ممن ابتعث منهم السفير عبدالرحمن البسام وجميل داود المسلمي والطبيب (الوزير) يوسف الهاجري وعمر أسعد و(الوزير) عبدالله الطريقي وأحمد العربي.

في مطلع عام 1358هـ تتحقق أمنية طالما انتظرها لسنوات، وهي فرصة البعثة إلى مصر، حيث يصف أجواء الدراسة في القاهرة، وكان المبتعثون يلتحقون بإحدى كليات الأزهر أو دار العلوم أو دار المعلمين، أما هو فقد نال مبتغاه بالدراسة في كلية الآداب بمساعدة من د. طه حسين، فصار بذلك أول طالب سعودي يلتحق بها.

وكان ممن ذكره من أوائل طلبة الأزهر: عبدالله القصيمي (من خب الحلوة بالقصيم والذي قال إنه ربما انحدر من أسرة صعيدية)، وكان ممن درس في الهند وفي مدرسة (النجاة) الشهيرة في الزبير التي أخاصة على نفقته في العهد السعودي وزودها بمكتبة عامرة.

وعلى غير ما يتوقع المرء من أن الانغلاق الاجتماعي كان محصوراً في وسط البلاد (نجد) إلا أن المرء يفاجأ كيف وصل هذا الأمر إلى بعض علماء الأحساء ممن كان لهم موقف سلبي من المناهج الحديثة في المدارس الجديدة، وهنا يتذكر قصة له مع أحد وجهاء الرياض كان تجرّأ بالقول: ليس في هذه المدارس سوى الجهل وإن من أراد العلم فليحضر إلى مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم، فما كان من الجاسر إلاّ أن التفت إلى سسها الشنقيطي عام 1338هـ، وكانت إحدى منائر التعليم المؤثرة في تخريج معلمي نجد والأحساء والخليج.

يصف في حلقة خاصة بعنوان: (مع البعثة العلمية في القاهرة) أوضاع الملحقية ومقرها وتشكيلة طلابها وأسماء أساتذتهم، ولا يتردد كعادته في الجرأة والإفصاح عن أن يصف أول تجربة له للذهاب إلى المسرح، إلا أن فرحته بنيل البعثة لم تكتمل إذ ثارت الحرب العالمية الثانية فيعود إلى المملكة، لممارسة التعليم من جديد، ولا يذهب بعد ذلك إلى مصر إلا عضواً في مجمع اللغة العربية.

بعودته، يذهب على راحلة إلى الأحساء (1358هـ -1939م) فيذكر مدارسها الدينية في ظل الحكم العثماني، وما تبقى منها قبيل العهد السعودي (الرشدية مثالاً)، مشيراً إلى عقم مناهج كل المدارس القديمة، ويبدو أن أول مدرسة سعودية - ولعلها التي ألف عنها د. محمد الملحم - قد افتتحت فيها عام 1352هـ، ثم أعيد فتحها عام 1356هـ، لكنه يذكر فضل علماء الأحساء على نشر التعليم في نجد من أمثال حسين بن غنام وعبدالله بن مبارك بن بشير، وكان مما أورده أن الدولة السعودية الأولى كانت أرسلت أحد علماء الأحساء إلى اليمن لتبيان العقيدة الإصلاحية، وأن عبدالرحمن القصيبي كان من أوائل من أسس مدرسة مكيف الهواء وإلى ثريا الكهرباء ورد عليه: إنكم إذا ما احتجتم إلى إصلاحها تتصلون بأرامكو ولا تتصلون بالشيخ محمد.

تظهر في حلقة خاصة بعنوان: (في مدرسة الأحساء قبل خمسين عاماً) بعض المعلومات المهمة في تاريخ التعليم، حيث ذكر أن أول مدرسة سعودية افتتحت في جدة والوجه كانت في عام 1347هـ، وفي ينبع عام 1349هـ، ويذكر أسماء حافظ وهبة وراغب القباني ومحمد علي النحاس ضمن أوائل من قدموا إلى البلاد وأسهموا في بدايات التعليم، مشيراً إلى دور راغب القباني في تأسيس مدرسة الوجه ومحمد علي النحاس في ينبع ثم في تنظيم تعليم الأحساء، وإنشاء معتمدية للمعارف فيها، ثم يذكر أن الحكومة أرسلت في عام 1360هـ (1940م) فريقاً من المشايخ: محمد بن علي البيز وفيصل بن محمد المبارك ومحمد حابس وأعضاء من مجلس الشورى ووزارة المالية والنيابة العامة لدراسة أوضاع التعليم في منطقة جازان، وأوصت بافتتاح معتمدية للمعارف فيها.

ينعطف الطريق بشيخنا في منحنى آخر مختلف، لكنه ينبغي أن يسجل تاريخياً، ألا وهو رغبة وزير المالية آنذاك (عبدالله بن سليمان) منه أن يقوم بالإشراف على شؤون تعليم أبنائه في المدرسة الوزيرية بالخرج (عام 1360هـ) فيقوم بذلك لمدة عامين، ثم يختاره الملك عبدالعزيز ليكون مراقباً على التعليم في منطقة الظهران (1363هـ - 1944م) ومشرفاً على مدارس أرامكو، بشكل تابع للديوان الملكي مباشرة، وقد قدم في سوانحه الخاصة بهذه المرحلة وثيقة تشخيصية مهمة عن أوضاع مدارس أرامكو والإصلاحات التي اقترحها للرفع من مستوى تعليم أبناء منسوبيها، وخلال إقامته في الدمام التي دامت نحو خمس سنوات، تتهيأ له الفرصة لزيارة مكتبات منزلية في البحرين، واستكشاف كنوز القطيف من كتب التراث والالتقاء بمثقفيها، ثم السفر إلى العراق والتواصل مع أدبائها، ومع المجمع العلمي العربي ببغداد.

في عام 1368هـ (1949هـ) يختاره ولي العهد (الأمير سعود) معتمداً للتعليم في نجد بعد فصل التعليم في القصيم، فيكتب تقريراً مفصلاً حول واقع التعليم في المنطقة، مما يُعد وثيقة تاريخية إضافية تضمها السوانح على هامش ذكرياته، وكان مما ذكره في هذا الشأن موقف للشيخ محمد بن إبراهيم بشأن منهج تقويم البلدان (الجغرفيا) والهندسة، بعد اطلاعه على المقرر، بأنه لا يتحفظ على المضمون، لكنه يرغب في ألا ينشغل الطلاب بما قد يصدهم عن معرفة أمور دينهم، وكانت هذه الواقعة السبب في أن يقترح على الشيخ محمد فكرة إنشاء نواة المعاهد العلمية التابعة حالياً لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

ثم يتجه بالسوانح لرواية تجربته في إنشاء أول معهد (في دخنة) من تلك المعاهد التي رحب بها المفتي بل التقت مع فكرة كانت تختمر في باله على غرار المعهد السعودي في مكة المكرمة، وقد انتقل عمل الجاسر إليها، وتولى وضع مناهج - بموافقة المفتي - لها مقتبسة من معاهد الأزهر، وكان من بين ما هو مقرر لمادة المطالعة كتاب (البخلاء) للجاحظ، فتأتي ثلة من العلماء لزيارة المعهد تقوم بجولة - برفقة المفتي - على فصوله، وتصادف هذا الكتاب معروضاً بين أيدي الطلاب، فيتم حجبه بحجة أن مؤلفه من المعتزلة، وقد توالى فتح معاهد مماثلة في بريدة وعنيزة والمجمعة وشقراء والهفوف، وكان الشيخ محمد بن إبراهيم قد ذهب إلى مصر للعلاج عام 1370هـ، وعند عودته سأله الملك عبدالعزيز عما أعجبه في مصر، فذكر له الأزهر ومعاهده، مما جعل الملك عبدالعزيز يطلب منه إنشاء ما يمثالها.

عند هذا الحد من سوانحه، يستغرقه الحديث طويلاً عن مدرسة الأمراء (معهد الإنجال) التي أنشئت في أوائل الخمسينيات الهجرية (الثلاثينيات الميلادية)، وكان يديرها أحمد العربي ثم الشيخ عبدالله خياط وتولى التدريس فيها الأستاذ أحمد علي أسد الله الكاظمي. وعن فكرة تقدم بها الجاسر - في عهد مديرها الشيخ عثمان الصالح - للاستعانة بمدرسي المعهد من المصريين لإنشاء مدرسة ليلية تهتم بتعليم طرق التدريس الحديث للمعلمين السعوديين (1369هـ -1950 م)، مع فكرة أخرى لإنشاء مدرسة لمحو الأمية عند الكبار، وقد بسط هذه الموضوعات في حلقات ثلاث تحمل عنوان: أحاديث عن بدايات التعليم الحديث في نجد، وقد أمضى في عمله معتمداً للمعارف في نجد نحو عامين، فتحت له باب الاستقرار الدائم في الرياض.

هنا يشير إلى ثلاثة شواهد تعليمية وثقافية تسجل في تاريخ الرياض، وهي: مدرسة الأيتام الملحقة بالقصر التي أمر الأمير منصور بن عبدالعزيز بإنشائها (عام 1365هـ)، وأما الثانية فهي أول مكتبة منزلية تفتح أبوابها للعموم (سنة 1363هـ) تابعة لبيت الأمير مساعد بن عبدالرحمن، وأما الثالثة فإنها المكتبة السعودية أول مكتبة عامة في الرياض رعى افتتاحها ولي العهد الأمير سعود (عام 1371هـ)، وربما أضفتُ عليها المدرسة (التذكارية) التي أسسها الأهالي بالرياض بمناسبة عودة الملك من رحلته إلى مصر (1365هـ)، لكن السوانح لا تذكرها.

وكانت آخر حلقات السوانح التي تعاملت مع التعليم وشؤونه حلقة تحدثت عن كليتي الشريعة واللغة العربية اللتين افتتحتا في الرياض تباعاً في عامي 1373هـ و1374هـ لتكونا نواة لجامعة الإمام ولتأهيل خريجي المعاهد جامعياً لتدريس اللغة العربية والعلوم الشرعية وتخريج السلك القضائي، وقد كان الشيخ حمد الجاسر أول من باشر إدارتها تحت إشراف الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم أخي الشيخ محمد، وقد أدت بعض الكتابات الصحفية التي بدأت تظهر في صحيفة اليمامة إلى تعكير صفو العلاقة مع الشيخ محمد والتأثير على وضعه الوظيفي؛ مما أدى إلى فصله واعتزاله العمل الحكومي نهائياً، وبالتالي تفرغه للصحافة والبحث والتأليف، ويكون له من أمره شأن آخر.

ومن المعروف أن كلية للشريعة قد أنشئت في مكة المكرمة منذ عام 1378هـ لكن السوانح لا تتطرق إلى تأسيسها ربما بسبب عدم وجوده في الحجاز حينها، وكان الأحرى - مع ذلك - ألاّ يفوته التطرق إليها. وبعد:

لقد بدأت هذه الورقة بالقول إن سوانح الذكريات التي لم يتسن للشيخ أن يغطي بها كل مراحل حياته، هي سياحة في روضة غناء بشتى أنواع المعارف، والواقع أنني فوجئت - وقد عدت إلى الكتاب - بحجم ما تضمنه عن التعليم، بما يجعله أهلاً لندوة خاصة به.

إن سوانح الذكريات وثيقة تشكل ركناً أساسياً في تاريخ التعليم من ممارس ومعايش وناقد وراصد، وتُعدّ مصدراً من مصادر تدوينه، وإن كانت - كما سلف - تتوقف تقريباً - فيما يتعلق بالتعليم - عند نهاية عهد الملك عبدالعزيز، رحمه الله؛ وبالتالي فإن مؤلفها لا يصل إلى المرحلة التي افتتحت فيها جامعة الملك سعود (1377هـ - 1957م) وبدأ فيها التعليم الرسمي للبنات (1380هـ -1960م) وما تلا ذلك من تطورات.

- أثاب الله كاتبها، ودثّر روحه برداء مغفرته -

(*) ندوة ملامح التغييرات الثقافية كما رصدها كتاب:

من سوانح الذكريات للشيخ حمد الجاسر (جزآن)

(1427هـ - 2006م)

قاعة مؤسسة الملك فيصل الخيرية مساء الأربعاء 15-4-1428هـ - (2-5- 2007م)


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة