الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 14th August,2006 العدد : 166

الأثنين 20 ,رجب 1427

الباحة في هواجس النخبة
** قبل أكثر من أربعين سنة، تبنى الشيخ علي الحمراني -رحمه الله- تنظيم رحلة إعلامية إلى منطقة الباحة التي كانت تسمى إلى جانب التسمية الرسمية ب(بلاد غامد وزهران) يوم كان الوصول إليها يكتنفه التعب والبطء والمجازفة أيضاً، وقد تكفل الرجل بكل ما تحتاجه الرحلة من تكاليف لم يخفف من وطأتها إلا كرم أهالي المنطقة وهم يعبرون عن فرحهم بالزيارة من خلال الحفاوة بالوفد، وقد كان للرحلة آثارها الإيجابية بما أسفرت عنه من توصيات وآراء نشرت في حينها في صحيفة البلاد، وقد كنت أستمع -بحكم عملي في الطبع الصحفي في دار الأصفهاني- آراءً لم تنشر عن انطباعات الزائرين ومنهم الأستاذ حمدان صدقة، يرحمه الله، حيث كان يرى تنظيم رحلات سياحية للوقوف على معالم المنطقة التاريخية والطبيعية يوم كانت الجداول تتلوى في بطون الأودية مثلما تتلوى الثعابين محدثة أصواتا أين منها السيمفونيات، وأسراب الطيور تعبر الآفاق والغيم ينشر الظل على العابرين كخيمة لا تسمح لأشعة الشمس بالدخول إلا لماماً، ويوم كان أزيز السواني على رؤوس الآبار يطرب الزائر والمقيم والفلاح يسوق ثيرانه جيئة ورواحاً كي يروي سنابل القمح بماء الآبار مردداً عبارات من نوع: (عل ياغريب.. وفرج الله قريب) وهي عبارات تفاؤلية وإيمانية في آن معاً، والاخضرار سيد الموقف في السهل والجبل ولا ينال منه إلا بياض قطعان الغنم في الذهاب إلى المراعي والعودة إلى (المرحان) وقد امتلأت بطونها بالعشب الخالي من الإضافات الكيماوية، حتى أن السمن المستخلص من ألبانها تُرى فيه خضرة العشب ماثلة للعيان.. وقد حدثني يومها عن إعجابه بالرقصة الجنوبية عندما كان يؤديها المتمنطقون بالسلاح الناري والسلاح الأبيض على إيقاع الزير والطبل وقد مات وهو يحدث نفسه بزيارة أخرى لأن أحاسيسه كإنسان، وراؤه كصحفي تحثه على التكرار لولا أن الموت كان الأسبق.
** وقبل أسابيع أسعدنا مجيء نخبة من العلماء الأفاضل ممن يحملون أعلى الدرجات العلمية في زيارة مماثلة لمنطقة الباحة بعدما تغيرت المنطقة كثيراً من حيث المشروعات التنموية أو المعمارية التي قلصت الفوارق بينها وبين المدن الكبيرة حد أن قرية (المزرعة) القابعة في أعماق الجبال وحيدة من الجيران تستطيع ومنذ عشرات السنين أن تهاتف نيويورك في الغرب وبكين في الشرق مباشرة وبدون وسيط تحت أضواء الكهرباء، وقد وصل الطريق المزفت إلى أبواب منازلها، فكانت فرصة ثمينة أخرى أن تتحول الباحة إلى هاجس يراود النخب الفكرية والعلمية والإعلامية، وعندما تذكر رحلاتهم إليها فإنها تُشكر لما تنطوي عليه من وطنية في المقام الأول، ولما ستكتشفه من معالم تميز هذا الجزء من بلادنا، ولما ستسفر عنه، ولو بشكل غير مباشر، من نتائج إيجابية مؤثرة، وقد كانت فرصة مواتية للتعرف إلى كوكبة من أبناء المنطقة وأعني بهم الموهوبين وأصحاب الكلمات الفكرية والإبداعية في مختلف جوانب الأدب والفن سواء في النادي الأدبي الذي يعيش حالة مخاض لميلاد عهد جديد، أو في صالون الصديق الدكتور علي الرباعي، أو في منزل الدكتور سعيد أبي عالي، الذي تكررت فيه اللقاءات الفكرية، وقد كان لي فيه شرف مخاطبة وفد الجامعة وفي مقدمته الدكتور عبد العزيز السبيل الودود بطبعه والبشوش على سجيته، بعدد من قصائد ديواني الثاني المزمع تقديمه للمطبعة -إن شاء الله- وما أكثر وأعمق تأثير كلمات الدكتور السبيل حول اعتذاري عن تدني بضاعتي وهو ينكر علي التهوين من شأنها، وهو الناقد الحصيف والعالم الجليل.. ولكني أعتب على منظمي الرحلة إذ لم يضعوا في اعتبارهم التنسيق مع العناصر الفاعلة التي لديها القدرة على إثراء الزيارة بشكل أوسع، فالإحاطة الكاملة غير متوفرة وما أروع قول الشاعر:(حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء) ونحن في انتظار ما سيكشفه الزوار مع انطباعاتهم لأنه أحد أبعاد الجولة - إن صح التعبير - والله المستعان.


أحمد حامد المساعد
الباحة - بني كبير

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved