اللّمّة
سعيد الأحمد
|
لا أحد يعرف عددهن، وليس بالحي من يملك رأيا جازما حول من ستحضر منهن أو تغيب ب(لمّة) هذا المساء، فقد امتهن بعضهن الغياب، وغيرهن - ممن يحضران عادة - قادرات على التنكيل بأخريات، أو خلق خلاف عابر يبرر لهن غياباً مدبراً!
لم يكن هذا المساء مختلفا عن أي من المساءات السابقة؛ دعوات التنكيل، المشاجرات، المشاحنات الثنائية المتفرقة، هنا وهناك، سمة حاضرة، والاتفاقات الخارجة عن محيط المجلس هي ما يحدد توجه بعضهن، ويفرض نزعة غوغائية يصطبغ بها الحوار.
كبيرتهن كانت تدبر لطرح فكرة تساهم في التخلص من سلطوية (أبو الشوارب) - فتوة الحي.. غير أن الجارة الثانية أصرت على طرح ورقة جانبية تتهم ابن الجارة التاسعة بالتحرش بابنتها. جارتان انشغلتا بتندر جانبي بزي الجارة السادسة، أما صاحبة المنزل فانشغلت بالترتيبات، حاملة هم أي صدام قد يفسد (اللمة) التي رتبت لها لأشهر طوال!
صغار الحي لو يتوقفون عن حرث الشوارع المحيطة؛ لاستراق السمع، متوجسين خيفة من أي قرار ستصدره (اللمة).. أكبر الصغار أذنا أصاخ السمع، ووشى لجاره بأن الأمر لن يمر بسلام، وأن (أبو الشوارب) لن يتبختر بأزقة الحي بعد هذا اليوم.. الآخر اكتفى بأن يفغر فاه، ويزرع أذنه يجانب أكثر النوافذ تهالكا قبل أن يغرب.
أحدهم قال إن والدته لا تملك سوى هم تزويج ابنتها لابن الجارة التاسعة، وهذه ورقتها الوحيدة التي ستقاتل من أجلها لحصد أكبر عدد من أصوات نساء (اللمة) واكتفى صديقه بأن بصق عن شماله، وذم والدته التي لن تتنازل عن أي من عقود الألماس التي تتزين بها لقاء حمل تكاليف تزويجه.
المساء يمر باهتا مترددا، وسارقو السمع يتربصون بأي تحركات حول المنزل.. الأصوات، الخافتة حينا والنزقة حينا آخر، تتسرب إلى آذانهم، والجميع منشغل برصد الملاحظات على الأوراق، كحفلة ملء استمارات القبول الجامعية، والأبواب لا تفتح، فليس هناك من يدخل أمام أنظارهم، ولا يوجد من يغادر غاضبا رغم الصراخ الناتئ من النوافذ!
هل اتفقوا على أمر الزواج؟
أم أن (أبو الشوارب) ملاحق لا محالة؟
أم أن الجارة السادسة بدلت زيها لتخرس الجارتين الأخريين؟
المساء يلفظ أنفاسه الأخيرة، والعتمة تسدل أكمامها المتدلية على الأزقة والوجوه، والأبواب لا زالت مغلقة، لا دخول ولا خروج، والأصوات تبتعد كثيرا حتى تخفت، وتعود عاصفة فلا يسمع إلا الصدى المتخبط بين جدران حي نخرته الشيخوخة والصدأ!
لا شيء يمر خلال فتحة الباب الخلفي الموارب سوى بقايا أتربة يكنسها عامل المنزل تشي بأن سجاجيد (المجلس) لم تطأها أقدام الحضور منذ أعوام!
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
