الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 14th November,2005 العدد : 129

الأثنين 12 ,شوال 1426

الثقافة والإعلام في محاكمة صدام 1-2
قاسم حول

لعل من أهم أسباب فشل التحرك الأمريكي في العراق هو غياب الخطط المسبقة في عموم مفردات مخطط الإطاحة بنظام الدكتاتور، ومنها خطتا الإعلام والثقافة.
وزارة الثقافة كانت غائبة تماما عن العقلية الأمريكية في التعامل مع الملف العراقي، فعندما تشكلت الحكومة الأولى بعد التاسع من أبريل عام 2003 تاريخ إسقاط تمثال الدكتاتور في ساحة الفردوس ببغداد قدمت الإدارة الأمريكية وزارة الثقافة هدية للحزب الشيوعي العراقي لمشاركته في ائتلاف المعارضة العراقية المتعاونة مع المخطط الأمريكي في العراق، وقدمت هذه الهدية بدون ميزانية كبقية الوزارات إنما كانت رواتب المنتسبين تصرف شهريا من الصندوق المركزي بتوقيع من المندوب الأمريكي السامي (بريمر) ما يعني أنها هدية شكلية فحسب، فهي وزارة ثقافة بدون برنامج ثقافي.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن تأثير الثقافة على الواقع العراقي لا يحصل بشكل مباشر وآني، فإن الإعلام هو مختلف تماما حيث يلعب دورا مباشرا ولحظويا في الحياة السياسة والعسكرية والاجتماعية في العراق.
ولو كانت العملية الإعلامية محسوبة ومقوننة لجنبت العراقيين والأمريكان الكثير الكثير من الخسائر البشرية والمادية وللعبت دورا في خلق حالة من الاستقرار بدلا من الفوضى التي تصاعدت وتائرها منذ سقوط الدكتاتور وحتى إشعار آخر.
لقد سادت الفوضى الإعلامية تماما في العراق بكل ما تعنيه كلمة الفوضى من معنى.
فصدرت الصحف دونما قانون، وبدأت موجة القنوات الفضائية تهيمن على الواقع العراقي، لا أحد يعرف من يمولها، ولماذا ولأي هدف حتى أصبحت للشيعة قناة فضائية، وللسنة قناة فضائية، وللآشوريين قناة فضائية، وللأكراد قنوات فضائية واحدة للبارتيين والثانية للطلابانيين، وثالثة مستقلة ورابعة لحزب العمال، ولوسط العراق فضائية ولبقايا سلطة الدكتاتور فضائية.
ولكل فضائية من تلك الفضائيات ميزانية بملايين الدولارات لا أحد يعرف مصادرها موزعة بين دول الجوار والولايات المتحدة الأمريكية.
نقرأ في إعلانات تبثها القنوات العربية ذات طابع معنوي توجيهي اسم شبكة الإعلام العراقية، وتسربت الأخبار عن أرقام غير قابلة للتصديق تدفع لمنفذي تلك الإعلانات إضافة إلى أجور عرضها في القنوات الفضائية.
ولو تأملنا الإعلانات وشكلها ومضمونها لوجدناها تصب في خدمة الإرهاب وفي خدمة الفوضى بدلا من أن تسهم في إشاعة الاستقرار في البلاد.
الإعلانات التي تصور إرهابيا يقود سيارة مفخخة وقد شد نفسه على المقود بالسلاسل وهو يتوجه لتفجير مكان ما مجهول مفترض أن هذا الإرهابي يقاوم الاحتلال.
نحن نسمع بعد التفجير نشيد موطني أو موسيقى نشيد موطني الذي يقول (نقتدي من الردى ولن نكون للعدا كالعبيد) هذا الإعلان لو كنت أنا من المقاومين أو ممن يمتلكون رغبة الانتماء للمقاومين لحفز في وجداني رغبة انتحارية من أجل الوطن لمقاومة الاحتلال.
أما الإعلان الذي تكرر وعرض كثيرا على شاشات الفضائيات والمتمثل في تظاهرة مصنوعة كومبيوتريا (D)، فواضح أولا أنها منفذة في سوريا حيث شخصيات التظاهرة في مقدمة الكادر وجوه سورية وليست عراقية، ونرى بينهم ممثلون، وثانيا فإن الإعلان يمثل عشرات الآلاف من الناس يتقابلون في مواجهة للاقتتال يأتون من أكثر من شارع، ولكن ثمة طفل يخرج من التظاهرة ويعانق طفلا آخر فيتصافح المتقابلون للاقتتال.
عندما ظهر الإعلان لم يكن العراقيون في رغبة للاقتتال لا قوميا ولا دينيا بل كانوا يسيرون في تظاهرة واحدة تدعو لوحدة العراق والعراقيين ولوحدة الإسلاميين.
وحتى الآن فإن كافة الأطراف تشجب الفرقة وتمزيق الوطن، فما هي دلالة الإعلان الذي لا يزال يعرض بين الحين والآخر ومدفوع لعرضه مئات الآلاف من الدولارات؟ أليس هو في حد ذاته دعوة للمواجهة الدينية والطائفية، لأنه عرض وتجسيد لحالة غير موجودة في العراق؟! وفي مجال تأسيس القناة العراقية شبه الرسمية للحكومة العراقية وقوات الاحتلال ففي المؤتمر الصحفي الذي عقده ثالث مدير للقناة ومساعده في تقديم استقالتيهما أعلنا أن عقدا قيمته ستة وتسعون مليونا من الدولارات لتزويد التلفزيون العراقي بأفلام كرتون وبرامج وثائقية جاهزة قد تم توقيعه مع شركة أمريكية وتنفذه شركة لبنانية.
ونظرة بسيطة جدا إلى كلفة هذه البرامج فإن سعر الساعة الوثائقية من البرامج الجاهزة هي ثلاثمائة دولار للحلقة الواحدة التي مدتها ثلاثون دقيقة بمعنى ستمائة دولار للساعة.
وفي حساب الشهر18 ألف دولار للساعة، وفي حساب السنة 216 ألف دولار فإذا احتاج التلفزيون إلى خمس ساعات وثائقية يوميا ليغطي الفترات غير النشطة من البث فإنه يحتاج سنويا لبرامج قيمتها مليون وثمانون ألفا من الدولارات، ومع عمليات شحن البرامج ومصروفات الاستنساخ فإن الكلفة الإجمالية لمثل هذه البرامج ولمدة عام لا تتجاوز المليون ونصف المليون من الدولارات، فيما وقع العقد بملبغ ستة وتسعين مليونا من الدولارات.
بعد المؤتمر الصحفي لمدير التلفزيون المستقيل ومساعده، جاءني اتصال هاتفي من عمان من مسؤولة في شبكة الإعلام العراقية واستفسرت منها عن صحة العقد فأكدته لي وأضافت (أن الشركة المتعاقدة قد توقفت عن تزويدنا بالبرامج بعد ستة شهور من العقد الذي مدته سنة وعندما قدمنا اعتراضا للشركة تلقينا مكالمة تلفونية من السيد رئيس الوزراء لأول حكومة بعد سقوط الدكتاتور يطلب فيها تجديد العقد، فأصبح والحالة هذه مبلغ العقد مائة واثنين وتسعين مليونا من الدولارات لبرامج تبلغ أقصى قيمة لها مليونا ونصف مليون من الدولارات)!؟ ضمن هذه الفوضى الإعلامية والثقافية والهدر المالي تأتي محاكمة الدكتاتور.
هذا الواقع الإعلامي الذي يجري مع غياب قانون للإعلام يحدد المسؤولية السياسية والأخلاقية والاجتماعية لمالكي وسائل الإعلام، يجعل البلاد تتخبط في دوامة من الارتباك حيث الإعلام وحده هو القادر على رسم الحقيقة أو خلط أوراقها.
فمسؤولو الإعلام إما أن يكونوا في جهل مطبق (وهو المرجح) أو أنهم في وعي متميز (وهذا موضع تأمل) فقد يكون الهدف هو وضع العراق في حال يصعب عليه ترتيب حياته ورسمها بعناية لمديات غير معروفة من الزمن يبقى فيها قابلا للنهب وضعيفا ومنهكا وغير قادر على اتخاذ القرار الوطني.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved