الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 14th November,2005 العدد : 129

الأثنين 12 ,شوال 1426

المسار .. وحتميّة المسير!
أمل زاهد
يبدو أن ثلاثية (الإرهاب، أسبابه، مكافحته) ستبقى حديث الساعة إلى أجل غير مسمى، وسيبقى النقاش في هذه الظاهرة مهيمنا على الساحة السياسية والثقافية في العالم بأسره شرقه وغربه، شماله وجنوبه.
فالإرهاب والعنف بات سمة هذا العالم الذي يبدو وكأنه قد استشاط جنوناً ففقد صوابه ولم يعد يعترف إلا بلغة العنف يتخاطب بها، فيعبر من خلال نزيف الدماء والأرواح البريئة المهدرة عما انحدر إليه البشر من دموية ومن إهدار لقيمة الإنسان.
فالموت العبثي المجاني صار علامة مسجلة لأي نشرة أخبار أو مطبوعة ورقية أو جريدة الكترونية، وأخبار الدماء والعنف تلاحقنا أينما حللنا، بل إن سلطة الصورة بكل ما تحتويه من دموية وعبثية وإحساس باللا جدوى تعطي نفسها الحق لتقتحم علينا غرف نومنا وصالات معيشتنا.
وحين قذف الصيف الدامي في وجهنا بأحداث السابع من يوليو التي كانت لندن مسرحاً لها، ثم أتبعها بتلك الجريمة النكراء في شرم الشيخ، وحينما كنت أتابع ما يجري هناك على شاشة التلفاز وأنا مذهولة، استفقت على صوت أحد شهود العيان وهو يروي ما حدث بعينين زائغتين وملامح تختلط فيها الدهشة مع عدم التصديق، فذلك المصري البسيط بعفويته وتلقائيته كان يستنكر أن يحدث ذلك في وطنه مصر وفي مدينة كشرم الشيخ محوطة بحزام أمني شديد الإحكام وكان يردد الآية الكريمة {ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ}، كدلالة على أن مصر يجب أن تكون آمنة وألا يخدش ذلك الأمن أي حدث قد يعكر صفوه.
صوت ابني الصغير وهو يستنكر أيضا أن تحدث في مدينتنا مدينة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أعمال عنف وإطلاق نار عشوائي وإخلاء مبان كالتي حدثت في ذلك الخميس المشهود، دفعني للتساؤل: ألا يستطيع البشر أن يدركوا ماهية العنف إلا حين يكتوون بناره؟ وألا يستطيعون أن يشعروا بلهيب النار حتى تنشب في ثيابهم ومنازلهم؟ وهل يتوجب علينا أن نرتمي في أتون كل هذا الدمار والعنف حتى نستوعب الدرس القاسي، وحتى نحاول جاهدين أن نخرج من نفق بات ظلامه يحيط بنا سواء شرقنا أم غربنا ارتحلنا أم بقينا في منازلنا مؤثرين السلامة؟؟.
يحيط بنا اليأس والإحباط من كل جانب حتى يخيل لنا أن الخروج من هذه المآسي يوشك أن يكون مستحيلا، فها هو العالم يزداد جنونا، والعنف لم يعد مقتصرا على بلد دون آخر، والحديث عن مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه لا يعدو أن يكون حلما لا يجرؤ على الاقتراب من أسوار الواقع.
وبينما تقام الندوات وتعقد المؤتمرات وتدبج المقالات لمناقشة هذه الظاهرة ومحاولة إيجاد الحلول لها، يبقى لظاها مشتعلا في مشارق الأرض ومغاربها، ويبدو كأننا ندور في ساقية مفرغة لا مخرج لنا منها.
ولكن من خضم هذا اليأس يشرق علينا أحيانا أمل باهت قائلا إنه لا بد من أن تتجرع البشرية مرارة التجربة لتستطيع أن تراجع نفسها وتعيد حساباتها وتنظر في دفاترها القديمة، وأن انبلاج الفجرلا يأتي إلا عقب ليل طويل دامس.
يبدو الحديث عن شعاع أمل ينبثق من تحت أكوام الجثث ومن فوق أنقاض المذابح ضرباً من الجنون ومحاولة يائسة لاجتراح طريق نوهم أنفسنا أن في نهايته الخلاص، ولكن ألا نلاحظ أننا بتنا نناقش أمورا كان يجب أن نخوض في إشكالياتها منذ زمن ولم نكن نستطيع حتى الاقتراب من الأسوار الشائكة التي تحيط بها؟! ألم يعد الحديث عن معالجة الفكر الذي يفرخ الإرهاب ويغذيه يجري على ألسنة بعض ممن كانوا يحسبون من أعتى المتشددين؟ ألم يقودنا كل ما حدث من عنف ودمار إلى التحدي الأصعب وهو محاولة مراجعة ونقد الذات؟ ألم يقودنا ذلك إلى الاعتراف بأن الإرهابيين نتاج لفكر متشدد تشعب في مجتمعنا ويحتاج إلى المراجعة والتصحيح؟ ألم يدفع مفكرونا ومشايخنا وكتابنا إلى توجيه دفة السفينة إلى الوجهة الأكثر قدرة على كبح جماح هذا الجنون وهي مراجعة الخطاب الديني ومحاولة تفكيك الفكر الذي يحتضن الإرهاب ويشعل جذوته؟ ألا نسمع الآن الألسنة على اختلاف خلفياتها الثقافية ومشاربها الفكرية وهي تلهج بضرورة نبذ التشدد والتطرف وتتحدث عن قبول الآخر والحوار معه؟ أليست ضرورة الاصلاح الثقافي والديني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي هي الحديث الأكثر الحاحا الآن؟..
قد يبدو الطريق طويلا وملغما بالأشواك والمصاعب، ويبدو أننا لا زلنا نحبو في أولى خطواتنا فيه.. ولكن البشر لا يتعلمون إلا من قسوة التجارب، وطريق التسامح لا بد أن تتضرج على جانبيه الجثث حتى يدرك المتقاتلون أن القتل ليس الا عبثا لا يفضي إلا إلى المزيد من العبث.
رغم أن للعراق وضعا خاصا يختلف عن باقي الدول العربية، فقد تكالب عليه الاحتلال مع الملابسات السياسية الأخرى التي حولته إلى مطمع لكل ذي مأرب وأرض لا تنطفئ فيها النار إلا لتشتعل من جديد، لكن مثقفيه يأبون أن يجرفهم اليأس في تياره، ويرفضون التخلي عن أهداب الحلم.
حقيقة، إنَّ المتصفح للمواقع العراقية على شبكة الانترنت يستطيع أن يلمح اليأس وهو يتدفق من كلمات كتابها الذين يمارسون التنفس الكترونيا، ويستطيع أن يلاحظ كم المرارة والألم الذي يقطر من حروفهم، ولكنه يستطيع في الوقت نفسه أن يلحظ أن المثقفين العراقيين يجاهدون كي يحفروا ولو نافذة صغيرة تقودهم إلى إطلالة على عراق جديد ينبذ الفرقة والتشرذم والتشدد والتطرف والعنف والإرهاب.. ومع كل ما يحدث الآن في العراق لا يبدو حديث الأحلام إلا وهماً نحاول به أن نكسر من حدة بشاعة الواقع وعبثيته، ولكن مهم جدا ألا نفقد القدرة على الحلم مهما اشتد جنون العالم من حولنا، فاستلاب الحلم هو الهزيمة الحقيقية التي ستدحرنا وتحولنا إلى أموات يتحركون في ثياب الأحياء.


amal-zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved