الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 15th March,2004 العدد : 50

الأثنين 24 ,محرم 1425

أعراف
ينابيع الذاكرة:
العَادِلُ الَّذِي أُحِبُّ
محمد جبر الحربي

رُبَّما لا يعرف الكثير من قرَّائي عادل الحوشان.
ورُبَّما يعرفونه أكثر مني.
ولكن دَعُونِي أستعيده أنا، لا أنتم الذين تعرفونه، ولأستعده من ينابيعي الصافية العالية على الأحكام السريعة أنَّى أتت. فعادل الحوشان أحد هذه الشخصيات التي تُثير فيك الحنين إلى الحياة، والعمل، والتشبُّث ببقايا الشجر، إن لم يَكُن بالشجر.
عرفتُ (عادل) في مرحلة مبكِّرة نسبياً لعمره لا عمري، وكان مهموماً بما هو شعبي، وكان يقرأ لي شعراً شعبياً ولا أعذب، وأعتقد أنه لا زال يكتبه ويحفظه، وإنما تطوَّر بالضرورة، مع حرصٍ كالذي لدى عادل إلى ما هو اجتماعي ووطني.
إلى همٍّ أكبر من الظهور عبر قصيدة، أو التنظير عنها، أو لها.
ولقد بدا لي ذلك جليًّا في قُدرة عادل الجميلة على الاهتمام بأصدقائه، أو بمَن يرى أنهم أصدقاؤه كلمةً وعطاءً.
ومن جمال الينابيع الذي يمرُّ بي أنَّني لم ألْتَقِ (عادل) إلاَّ وهو مهموم بحال صديق شاعر، أو قاصّ أو كاتب، أو دافع بمشروعٍ ما تجاه رفد تجربة وليدة، أو عتيدة: بلوحة، أو غلاف، أو فكرة.. وفي أحيانٍ: لم لا نتقاسم الخبز بالمال، أي خبز معرفة هذا للجميع، مقابل مال لو اجتزأناه من خبزنا!!
وعندما اشتدَّت الدنيا، وكنتُ وحدي مختاراً الصمت سلماً، كان هذا الجميل يمرُّ، ولكنه ليس ككُلِّ مَن يمرُّ.
الله كم أتذكَّر نبتتَهُ، ووردَهُ، وكتبَهُ، وهواتفَهُ.
من كلِّ عاصمة ومكان
كان عادل من أقرب الناس لي
يمرُّ بموعد، ولكنه كالمطر يمرُّ دونما موعد.
ثم نخرج معاً، نُسلِّم على الأصحاب
كان عادل باباً، وسؤالاً، رغم أنَّني حِرْتُ في أن أكون جواباً.
لأنني بالفعل لا أملك الأجوبة.
كانت تكفيني ابتسامته ومشاريعه وأسئلته..
وعادل شابٌّ وأنا في مرحلة الكهولة، وإن ما أردت إرضاء ذاتي مرحلة الأشد.
ولقد افترضت غروراً أنني الحكيم وهو المتسرِّع، فبادَرْتُه النصح كأني أنا مُدْرك أحوال العالم والمتغيرات التي تعصف، ولرُبَّما كنتُ مدركاً.. ولرُبَّما أثْبَطْتُهُ هنا وهناك، لشدَّة حرصي وولعي به، ومعرفتي بمعدنه الأصيل، وجذره الطيب، ونواياه السليمة.
ولكنْ كان عناده والتماعة عينيه خيرَ دليلٍ لي على أنه لن يسمعني، ولرُبَّما حسناً فعل. ولرُبَّما تمنَّيْتُ لو لم يفعل.
ومن جماله من الجمال أنني أختلف معه من الجنوب إلى الشمال، لكنه على خلاف غيره من جيله لا يُثِير الغُبار، ولا يلوذ بالغضب الفجِّ.
في المقبرة، كان عادل قبلي يحثو التراب على والدي، وكذلك عندما ودَّعْنَا صالح العزاز، وكُلَّما صَلَّيْتُ أعرف أن (عادل) يُصلِّي هناك.
ولعادل مواهب عدَّة، آملُ أن يُشبع إحداها عمرَهُ، وأن يترك للأخريات المجيئ والذهاب، بعد أن يكتشف أن هذا هو مربط الفرس.. الفرس الأصيل التي لا تخون الفطنة ولا الفطرة.
العادل الذي أُحِبُّ كما كلنا اتُّهم، وسيُتَّهم، ولكن مَن منكم رأى شجرةً بريئةً؟!
المهمُّ أن الله أعلم بما في القلوب.
وأنَّ (عادل) كان ولا يزال العادل الذي نوَّر الله في قلبه، مُوزِّعاً محبَّته على الجميع.. الجميع.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved