الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 15th March,2004 العدد : 50

الأثنين 24 ,محرم 1425

قصة قصيرة
الزيارة
عبدالرحمن المحسن
حملته السيارة الى الموعد الذي انتظره طويلا تاركا خلفه زمنا من الألم وبعضا من قصاصات الذاكرة، وسار عبر المدينة التي تمنى لو انها خالية من الزحام ذلك اليوم.
توقف بجانب الرصيف، نزل وهو ينظر الى المبنى نظرة اجبرته على الابتسام، اغلق الباب محدثا صوتا بدا كنداء اخير من دموع ماضيه واحزانه، ذاك الماضي الذي سيزول عند دخوله.
صعد الدرج الذي بدا بلا نهاية ليقوده إلى الدور الثالث الذي توجد به العيادة، استجمع مالديه من جرأة، وتقدم الى غرفة الاستقبال التي امامه، كان هناك وجوه كثيرة كلها تشترك في الانوثة والكل مشغول بما لديه من اوراق ومكالمات، جال بنظره في ارجاء الغرفة، انها ليست هنا، تقدم الى احداهن وانتظر بصمت امامها الى ان انتهت مكالمتها ثم وقفت وهي تسأله:
أي خدمة سيدي؟.
فردّ:
أهي موجودة؟
من هي؟
الدكتورة
وهل عندك موعد؟
لا.. اجل .. لابد ان اقابلها للضرورة
وهل تعرفك .. اقصد اسمك؟
اجابها وهو يحس بنشوة تجري في جسمه:
نعم تعرفني
حسنا انتظر هناك..
واتجه نحو غرفة الانتظار وذهبت هي بدورها لمكتب الدكتورة، اسند ظهره الى الكرسي الذي بدا مشابها لمثيله الذي في المنزل واطلق العنان لافكاره، ترى هل ستنزعج من زيارته؟ ام ستجامله كغيره من زائري العيادة؟ ام ستغلق جرحا قديما بداخله تقودها غريزتها لذلك؟ قطعت الممرضة افكاره وهي تسأله بابتسامة متعبة مللت من ترديدها.
عفوا هل انت محمد؟
نعم نعم أنا
تفضل.... ذلك الباب
شكرها واتجه نحو الباب الذي بدا مفتوحا فرآها وهي تتحدث الى المريض الاخير في قائمتها، التفتت اليه، رمقته بنظرة اتبعتها بابتسامة حاولت ان تكسر بها البداية الخجولة لهذه المقابلة.
تقدم نحوها ومد يده وهو يتمنى من اعماقه ان لا تخذله وقال بلهجة حاول فيها اخفاء توتره:
مساء الخير دكتورة..
ابتسمت وردت بلباقة اعتادت عليها واشارت الى الكرسي بجانب الجدار، جلس وهو يبادلها عبارات المجاملة، لكن داخله كان يعصف بالاسئلة!
لماذا يبدو وجها مألوفاً لديه؟ لماذا يشعر انه يعرفها منذ زمن بعيد؟
لماذا تحاول ان توقظ فيه حلما تركه نائما في ذاكرته؟ أهي الصديقة التي لم يعرفها؟ ام هي حبيبته التي نسج صورتها في احلامه الماضية؟.. لا يدري كل ما يعرفه انه يرى في عينيها احلاما لم يسعفه تفكيره في فهمها.
قطعت افكاره بسؤاله:
ما رأيك في عيادتي؟..
فأجاب:
انها جميلة.. جميلة
فردت عليه مجاملة:
شكرا لك
وتابعت بابتسامة لم تخفها:
لقد طلبت رؤيتي وهاأنذا امامك كما طلبت،
قام من على الكرسي واتجه نحوها وهو يقول في لهفة استغربتها:
نعم واشكرك على ذلك،
نظر اليها وهو يعلم ان وقت الدوام في العيادة قد اوشك على نهايته وخيل اليه ان زمانا طويلا قد انقضى لكنه تسمر في نظره الذي لم يقطعه الا رنين الهاتف، فاستدرك قائلا:
معذرة عن زيارتي في هذا الوقت غير المناسب يجب ان ارحل، ولم ينتظر ردها بل مد يده لها مودعا فمدت يدها معلنة قبولها وهي تشكره على الزيارة.
هبط الدرج الى اسفل العمارة وهو يلوم نفسه، لماذا لم أبق مدة اطول؟ لماذا لم استطع ان اكلمها؟ لماذا انا هكذا دائما؟
اتجه نحو سيارته وادار محركها وقبل ان يتحرك نظر لوجهه في المرآة فرأى في عينيه نظرة حزن ودموعا بقيت من الزمن القادم.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved