الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 15th March,2004 العدد : 50

الأثنين 24 ,محرم 1425

مطالعات
في تماوجٍ شعري راعف:
زاهر عثمان في ديوانه الجديد (قصائد خضر ويابسات)
عبدالحفيظ الشمري

الديوان الشعري الأول للأديب الدكتور زاهر عبدالرحمن عثمان يحمل عنواناً شيقاً، فاتناً يوحي بعمق الإطراق وسحيق المعنى، إذ نرى الشاعر وقد وسم ديوانه بعنوان (قصائد خضر ويابسات) وهو استلال لفظي من القرآن الكريم، وفيه فاتحة القول شعراً، والنقد معنى حيث تقف القصائد شامخة دون عناوين لتجعل من الجدل الإنساني حول معنى الوجود مادتها الرئيسة، إذ لم تفارق الدكتور زاهر مفردة الخطاب المتأمل.. ذلك الذي يفكر من خلالها أكثر من أن يبوح، ويصمت ببلاغة أكثر من أن يكشف عمق ألمه الإنساني الشائك.
فبين الشعر والفكر يقف الشاعر بقصائده التي يقدم لها بتعريف، وبدربة مهذبة تعكس ثقافة القائل وعمق تأمله..
الإيقاع السماعي.. حركة اللغة
يستهل الشاعر زاهر عثمان ديوانه بقصيدة عمرها ربع قرن من الزمان، حيث يحشد فيها الشاعر رؤاه السوداوية في مطلع الديوان:
سيري ولا تصغي لرجع ندائي
أنا هاهنا متوثق بقضائي
أمن العدالة أن نعذب في الهوى
لا نحن بالموتى ولا الأحياء
فهذا الاستهلال يعكس رؤية أولى ينتهجها الشاعر ليصوغ من تفاصيلها إيقاعاً سماعياً منتظماً يتهدج عاطفة وشجناً حتى أنه يفصح وبلغة عالية التردد عن مقاطع تكاشف الآخر حالته حتى تسجل الذات موقفها من الواقع الذي يقلق روح الإنسان في القصيدة. ولنا أن نُقسِّم افتراضاً قصائد الديوان بين (الاخضرار) و(اليباس) لنعرف معيارية كل قصيدة من القصائد, فلا بد لنا في سياق كهذا أن نستشعر حالة (اليباس) والجدب النفسي والروحي الذي انعكس على خطاب شاعرنا حينما همَّ بالرحيل مخلفاً في الوراء (هنا) آهة، وامرأة، وقصيدة بلا عنوان.. نعم.. فهذه هي افتراضات تُقرِّبنا إلى أن الشاعر حسب قصيدته في خانة (اليباس) حتى أصبحت أنشودة شجن عصي حركتها اللغة الشعرية لتصنع بُعْدَها التأثيري المناسب، القصيدة الثالثة تؤكد بناء الايقاع السماعي الذي يفرضه واقع الشعر حينما يتأمل الشاعر وجوه من حوله ليصنع المشهد الذي يراه مناسباً:
(أبتي..
حدثني كيف العيش
وراء متاريس الدنيا..
خلف الأزمان..؟
حدثني.. كيف الموت
وكيف القبر؟
وكيف غدوت هناك ..الآن..)
(الديوان ص8).
قصائد الديوان تنتهج أسلوب الافصاح التاريخي من خلال هذه المحطات التي مر بها شاعرنا الدكتور زاهر عثمان لنراه وقد صاغ قصائده ورتبها في سياق تاريخي يتمرحل ولنا أن نسجل هذه القصيدة (البكائية) في خانة قصائد (اليباس)، لكنها تحافظ على ايقاعها السماعي وتزدان بمنظومة حركية اللغة التي تطرز حزن الشاعر على نحو بديع يقبل عليه القارئ في الأغلب الأعم.. ناهيك ان الشاعر يُمَرْحِل معاناته على فترات قد يكون لليباس حضوره الطاغي فيها.
جدليات الماضي المضيئة
تضيء شعلة الوجد تضاعيف وجدان الشاعر، وتبث اللوعة نثارها الحزينة عبر مساحة واسعة وقد أطرق في تمثله ليهجس فعلا في معادلات إنسانية عدة تمثلت بشكل عام في رحلته مع الحياة لا سيما الجزء الحالي منها.. هذا الذي يذكره الشاعر بأنه المكابدة البائنة حيث يصف حالة الحزن والمراثي وكأنها واقع لا يمكن له إلا أن يكون على هذه الهيئة من الحزن والشكوى.
يذهب الشاعر زاهر عثمان إلى إضاءة حقبة حزن طويلة مر بها تمثلت ببعض المراثي لأحبته.. بل نراه وقد شرع في رسم وقار الحزن حينما أعاد سيرة الماضي الذي يضم في اعطافه تلك الوجوه المشرقة ببهاء العفوية، وعفوية المعاشرة:
(ما زلت أعد
خيوط الشمس
ما زلت أسير
بظل الأمس..
أتوارى من كل جديد
وأواري.. آهات التنهيد
وقهر اليأس..)
(الديوان 96).
فالشاعر يفر نحو ماضيه من أجل أن يسترشد بمدلولاته المضيئة.. تلك التي تمثل بما يختزنه من ذكريات حتى أن القصائد تأتي شارحة ومفسرة لتلك الرغبات، فهو يحاول أن يخلق (الاخضرار) في واقع (يباس)، ليهيل عليه من كرم مجاملته بعض تلك الرؤى الحالمة، لكنها رؤى تذهب إلى عمق ذكرياته لتتخلق منها أنشوطة تتربص بكل ما هو ممكن (الآن).
وشائج الحزن.. قصائد المرحلة
القصائد الأخرى في الديوان تحافظ على ايقاعها الحزين، وكأن الشاعر أراد رسم حدوده الطبيعية بينه وبين الحياة، لنراه وقد مد جسور التواصل مع لغة الحزن العفي.. ذلك الذي يتمثل في قصائد عدة، فلم تخف تلك الرغبة الجامحة في قول الشعر الذي لا يقف عند حدود الحزن الخاص.. بل يتعداه إلى مظهر الحزن العام لنراه في (قصيدة ص107) يسير في نهج سوداوي يعكس الحالة التي تعيشها الأمة:
(نَمْ..
لا نامت عين الظالم
نَمْ..
كالعالم.. هذا النائم
نَمْ..
يا أملي الحذر الحالم)
(الديوان ص107).
لا يفوتنا أن نشير إلى أن هذه القصيدة بحزنها الساطع تذهب في حيز القصائد (اليباس).. تلك التي ترجح كفة الحزن الذي يثقل كثيراً فلم نعد نرى خضرة الأمل إلا في القليل من القصائد، وفي النادر اليسير من الأبيات، فهي وشيجة من حزن صاغه الشاعر، فلعله أراد أن يخرج من ربقة هذا العناء الذي داومه وعلى مدى عقود ثلاثة لم يمر فيها على المستوى العام ما يذكر من مظهراتية فرح أو فأل، فكيف بنا أن نطالب هذا الشاعر أن يخلق لنا فرحاً من حزن، فهي قصائد مرحلة تشع معالم أحزانها وخيباتها:
(خبر عاجل
انضم إلى قافلة الشهداء
مقاتل.. لم تعرف بعد هويته
وكيف استشهد
ذاك الأمل، الممتد.. الباسل)
(الديوان ص140).
بين خضرة الأمل ويباس اليأس
رغم أن الشاعر حاول جاهداً خلق معادل لليأس واليباس، يتمثل في الأمل كخضرة محتملة للديوان الذي انبنى عنوانه على هذه الثنائية إلا أننا نراه وقد صاغ لنا بعض المشاهد الحالمة لكنها مجرد إلماحات عابرة، فقد انشغل الشاعر الدكتور زاهر عثمان في توصيف حزنه الخاص والعام، وذهب نحو تلك الحصون العظيمة التي تخفى وراءها سيرة إنسان ظل ينشد الأمل والوعد الأخضر لنراه وقد حاول جاهداً أن يبني خطابه المتفائل لكن اليأس أقوى واليباس أمضى في تأثيره فلم يترك للخضرة المتفائلة سوى بعض الأبيات وبعض الجمل، وعنوان جليل جميل يسمى (قصائد خضر ويابسات).
إيماءات
* قصائد خضر ويابسات (ديوان شعر)
* د. زاهر عبدالرحمن عثمان
* الرياض 1424هـ 2004م
*يقع الديوان في نحو (230 ص) من القطع العادية
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved