الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 15th March,2004 العدد : 50

الأثنين 24 ,محرم 1425

التدمير الذاتي .. الناصرة نموذجاً
(جذور الصراع وخفاياه في ساحة شهاب الدين)

تأليف: أحمد أشقر
رام الله: مركز العامل2002
يتناول أشقر في كتابه موضوع الصراع الطائفي من جوانبه التاريخية، الثقافية، الاجتماعية والاقتصادية، ويشير إلى انتشاره في أنحاء العالم العربي. ويرى أن الصراع في الناصرة (شديد الشبه بما يجري من الصراعات... في كل من شرق الاردن، سورية، لبنان، والعراق.. وكافة أقطار الوطن العربي.
وكما أن المشكلة لم تبدأ في الاقطار العربية ببناء مسجد او كنيسة، كذلك فالمشكلة في الناصرة كانت أعمق من مشكلة شهاب الدين التي بدأت عام 1997، بل هي مشكلة متأصلة منذ أعوام طويلة، قد يكون الجميع ساهم في ترسيخها.
الناصرة، مدينة يتوزع فيها السكان على أساس طائفي لأسباب تاريخية قديمة. الحي الشرقي مثلا به غالبية إسلامية، بينما هناك حي للروم الأرثوذكس وحي اللاتين ذو أغلبية مسيحية.. ومن هنا نشأت عملية الطائفية البغيضة التي ولدها هذا الفصل التاريخي بين سكان المدينة الواحدة. وفي توضيح أكثر تفصيلاً يقول المؤلف في مقدمته: (أحاول في هذه الدراسة أن أتجاوز قدر الإمكان، ما كتب حتى الآن عن الصراع السوسيو طائفي في الناصرة. والتطرق إلى جذوره الواقعية، الاقتصادية، من أجل أن يكون التحليل أقرب إلى الصحة وتكون إمكانية تجاوز نتائجه وإسقاطاته المدمرة ممكنة، وذلك لقناعتي أن لا شيء مستحيلاً أمام العقل، والإرادة والطاقات البشرية. ما أكشفه وأقوله هنا ليس سراً، ولا بالأمر السهل قبوله والاقتناع به، لأنه جديد ومعاكس لعقلية التيار السائد، لأنه قد يخلخل كراسي ويقض مضاجع أولئك الذين يتصنمون خلف ربطات أعناقهم، ويحتلون شاشات التلفاز، وصفحات الصحف والمجلات، ويحرموننا بذلك من رؤية، وسماع وقراءة أمور مفيدة وممتعة. الناصرة ليست غابة إسمنتية، ولا بيوتاً بدون انتماء، ولا أناساً يأكلون ويلجأون إلى الحمية الغذائية لتفادي السمنة، ولا سيارات مرهونة للبنوك وشركات الإقراض فقط الناصرة (واسطة العقد)، لذا يتكالب عليها الجميع؛ الجهل، والغباء، والتخلف، وعدم الاكتراث بسوء أحوالها ومستقبلها، والرجعيون المحليون، والأعداء الطبقيون والقوميون وإلا... فالمستقبل معروف تتمة لما حدث قبل نصف قرن وأكثر. لذا أقدم هذه المحاولة، كي لا نعيد إنتاج النكبة بأيدينا. جاءت دراستي لأكثر المسائل تعقيداً وحساسية الطائفية سهلة للغاية لأنني لا أنتمي إلى طائفة، أو قبيلة، ومشتقاتها من (حزب)، أو (حركة) أو (جمعية).
ولأنني أعي وأدرك (أيضاً) أن ألغام الطائفية ستنفجر حتماً في وجه زارعيها ومسخريها ميداناً في حياتهم (السياسية) ووقوداً لتدميرنا.
وخلاصتها، ما هي إلا محاولة للبحث عن أهلي شعبي أفخر بالانتماء إليه وأعتز بالتضحية من أجله.
وفي معرض تقديمه للكاتب وكتابه يقول الدكتور عادل سماره: (كتاب أحمد أشقر) التدمير الذاتي الناصرة نموذجاً: جذور الصراع وخفاياه في ساحة شهاب الدين)، معالجة في جوهرها مخاطرة، نظرا لتناولها موضوعاً شديد الحساسية مما دفع بكثير من الراغبين لاجتناب تناوله. لكن حساسية تناوله، التي قد لا تقل عن حساسية تفجيره هي نفسها التي تجعل تناوله ضرورياً، شريطة أن يكون التناول على كل من الأسس الاجتماعية الاقتصادية من جهة، والسياسية القومية من جهة ثانية. هذا مع وجوب تظليل التحليل أحياناً بتحليلات نفسية في إطار لعلاقة المهزوم قومياً أو طبقياً بالمنتصر من جهة، وقيام المهزوم بالبحث عن أو اختلاق معارك جانبية لأشعار نفسه بالانتصار، كتقليد لسيده من جهة، وكإشباع للذات لعدم مواجهة المعارك الأساسية، حيث فيها تفاصيل هزيمته، من جهة ثانية. وهي أمور عالجها الكاتب بنية مخلصة. على أنني لن أقوم هنا باستعراض للكتاب ولا بنقد له، وليس عندي من أمور أساسية لنقده وعليه فما أكتبه هو الحقيقة من وحي قراءتي للكتاب. لذا، أتت هذه السطور تعقيباً أكثر منها مجرد تقديم.
في حقبة الأزمة الشاملة التي تنيخ بكلكلها على الأمة العربية، تبلور استخدام جديد للدينين العربيين، أقصد المسيحي والإسلامي. ونمت في أوساط كثيرة في الوطن العربي اتجاهات أصولية وقيام الدولة اليهودية. وما أقصده هنا تحديداً هو أن التعصب الديني بعيداً عن الثقافة العربية. ولكن، إذا كان غياب التعصب في الثقافة العربية أمراً بديهياً، فإنه من البديهي أيضاً أن تتلون الثقافة العربية بالتعصب الديني في حقب التخلف والتبعية والكمبردرة التي اكتنفت كافة جوانب حياتنا. فنحن في هذه الحقبة لسنا مستقلين في أي أمر.
مرة أخرى لن أقوم هنا بمراجعة للكتاب، فالكتاب بين يدي القارئ، ولكنني سأركز على بعض القضايا التي أثارتها في ذهني قراءة الكتاب وأخص منها مسألة الحركة السياسية. لمسألة الحزب السياسي في فلسطين المحتلة 1948 إشكالية عالية. فهل هو حزب سياسي إسرائيلي موجود في الأوساط العربية أم هو حزب عربي في إسرائيل؟ وباعتقادنا أن الفارق بين الحالتين جوهري. فالمنطلق العربي للحزب يعني النظر إلى المليون عربي الموجودين تحت الحكم الإسرائيلي في مناطق 1948 كقومية أصلانية لها حق وعليها دور في تفكيك الدولة اليهودية الأشكنازية، ولا يغير من الأمر شيئاً كونها أصغر عدداً من القومية اليهودية. ويعني أيضاً أن (الإسرائيلية) ليست سوى جواز سفر. أي أنها لا تشكل هوية ولا ثقافة. إن حركة سياسية عربية غير منطلقة من تحديات يهودية الدولة وصهيونية المؤسسات والأرض والاقتصاد... الخ، وهي وحدها القادرة على التعاطي مع النسيج الاجتماعي الاقتصادي الثقافي العربي وبالتالي تمثيل العرب على هذه الأرضية وليس على أرضية انتخابات الكنيست ومكاسب احتلال المجالس البلدية لتوزيع الوظائف على أنصار وحلفاء الحملة الانتخابية وهم حلفاء حمائليون. ومنها فإن غياب التعاطي الحزبي العربي داخل 1948 مع المسائل الأساسية وهي سياسة الدولة العبرية كمولدة للمماحكات الطائفية سواء بفصل المدارس أو بالإفقار لشرائح عربية أكثر من غيرها، وبتوجيه هذا الفقر إلى تصارع عربي داخلي، هذا الغياب الحزبي يشكل حجر أساس للمشكلة. بناء على طبيعة الدولة اليهودية أو الطبيعة اليهودية للدولة، فإن العرب يشكلون أقلية قومية بمركب طبقي مختلف عن المركب اليهودي محكوم من قبله ومنفصل عنه. وهذا ما يجعل المقارنة الطبقية العربية محصورة في الأوساط العربية. لكن هذا المركب الطبقي العربي غير قائم على نمط إنتاج رأسمالي متقدم. أنه نمط مكون من فلاحين ذوي ملكيات محدودة تنتج بموجب علاقات إنتاج أسرية بطريركية ولا يغير في حقيقة ذلك كون إنتاجها موجهاً للسوق، وعمال يعملون غالباً لدى الرأسمالية اليهودية. وبرجوازية صغيرة غير مندمجة بالبرجوازية اليهودية لسببين الأول عدم القبول بها والثاني مصلحتها في التفرد بالسوق العربي كملاذ آمن من أن تطحنها البرجوازية اليهودية، لتختار دور الوكيل لها في الأقلية العربية. هذا التركيب الطبقي المحصور والمشوه، يولد بالضرورة أحزاباً على مقاسه إذا ما تركت الأمور لفعل العوامل الموضوعية وحدها ومن هنا أهمية العامل الذاتي ليرفع مركب الوعي بما يفوق مستوى تطور المركب الاجتماعي الطبقي. لكن هذا لم يحصل بعد... ثم يقول: وأخيراً فإنه من أجل تجاوز انتهاء الطائفية إلى خدمة الصهيونية لا بد من التركيز على وجوب وجود حركة سياسية تبدأ من البعد التنموي المسيّس وهو البعد الوحيد الذي يمكن أن يقدم بديلاً للسياسة الإسرائيلية. أي المطلوب مشروع تنموي مشترك للعرب مقابل الخطر المشترك على العرب. هذا هو المدخل لتوجيه الصراع وجهته الصحيحة وليس مجرد توجيه ضد السلطة لخلق شماعة نعلق عليها مشاكلنا. فالسلطة هي مولدة هذه المشاكل سواء الفقر أو البطالة أو التماحك الإثني أو الصراع الهابط اجتماعياً وحضارياً أي الطائفي. على أن اللبنة الأولى لحركة سياسية قادرة على مواجهة هذه التحديات هي بناء الأطر القاعدية كالنقابات واتحاد المرأة والاتحادات الطلابية.. الخ هذه الأطر الجماهيرية والمنظمات القاعدية هي الحاملة الطبيعية لإقامة حركة سياسية ثقافية واعية وذات دور في الوعي بحيث تسبق في أطروحتها وبرامجها مستوى التطور الاجتماعي الاقتصادي المحتجز للأقلية القومية العربية في فلسطين المحتلة، والتي تؤسس بالتالي لحالة من الانفصال القومي عن السلطة الإسرائيلية وصولاً إلى تفكيك الدولة اليهودية ودمجها في وطن عربي اشتراكي.


لمزيد من التفاصيل حول الكتاب:
www.ofuoq.com/library/ashgar.

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved