الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 15th May,2006 العدد : 153

الأثنين 17 ,ربيع الثاني 1427

(مجرد أفكار)!! «1-2»
*سهام القحطاني:
أقول إن المجتمع السعودي - للأسف الشديد - يعاني من عقدة (الاصطفاء) التي نتداولها في الخطاب الجماهيري باسم (الخصوصية)؛ وهي عقدة تعددت آثارها في اللاوعي؛ منها (الحساسية الملتهبة) نحو كل جديد و(تضخم الذات) الذي يوحي لنا أن جميع من فوق الأرض من أصحاب الشمال، ونحن الأحاديون أصحاب اليمين! لقد ألفنا عند الحكم على الأمور، أن ننظر إلى الأشياء بوصفها متناقضات يزيل بعضها بعضاً، وهذا غالباً غير صحيح، فالتعايش ممكن للأشياء مع بعضها ببعض حتى المتناقضات متاح لها أن تعيش في سلم بجوار بعضها مع بعض.. إنها حكمة النسبية وقدريّة (الحيّ من الميّت والميّت من الحي)، فالماضي لا يلغي الحاضر والمستقبل لا يلغي الحاضر والماضي.
إن التجربة الإنسانية في تكاملها تكوين تراكمي، وفي مفهومها الراسخ والبسيط تعني مدى قدرتنا على فهم العالم وفهم أنفسنا بصورة عقلانية، تمكننا من إعادة صياغة موقفنا من الأشياء النمطية، مثل العلم، التاريخ، التقاليد، السياسة والدين.. إن العولمة تعني أن لا شيء قابل للتقديس، وكل شيء قابل للتغير، ولعل هذا أخطر ما في العولمة، أنها تساوي الأشياء مع بعضها بعضاً في منطق الإزالة والهدم، الثابت والمتغير، وهذا ما يجعل موقف (الخصوصية) عندنا من العولمة، موقفاً متوتراً ومتشنجاً فاتحاً إمكانية الصراع بينهما بمحتمل شاسع، ومضيّقاً محتمل التقابل والتفاهم ومنطق (لا عداوة دائمة، بل مصالح مشتركة)، لقد أضحت العولمة أمراً واقعاً اقتحمتنا، سواء اعترفنا بذلك الاقتحام أم أنكرناه، كما أن الاعتراف بذلك لا يعني إثبات التهمة، بل يعني الاستعداد لوضع إستراتيجية كيف نتكيف مع الوضع الجديد، والتكيف في المقابل لا يعني التذويب بل التفاهم والوصول إلى منطقة وسطى، للتوفيق بين ما هو عام وما هو خاص، إننا تدريجياًوجبرياً نتحول إلى ما أسميه إلى (إنسان عالمي)، ولا شك أن هذا التحوّل الذي لا نملك نحوه أي إرادة للمنع أو الاعتراض، مهدد لهوية المجتمعات، وحماية هوية المجتمعات لا شك أنها قضية وطنية مهمة، لكننا لا نحرك ساكناً لحماية الهوية، كل ما نفعله تضخيم النوايا السيئة للعولمة، أنا مع نظرية أن علينا أن نسعى لحماية هويتنا من التذويب في بوتقة العولمة، ولكن هناك فرق بين الهوية والخصوصية، فالهوية وعي ثقافي والخصوصية مجرد زيّ تاريخي يمكن تغيره.
إن الذين يرفضون العولمة عندنا بحجة الخصوصية، هم الخائفون على زوال سلطاتهم.
* قلت العام الماضي في ورقة قدمتها ضمن البرنامج الثقافي لجماعة حوار تحت عنوان: خطاب التنوير في المناهج الدراسية: إن مقررات التعليم لدينا تمارس (التميّز) ضدّ المرأة، وإلغاء دورها الثقافي، وهذا أمر طبعي إذ إن صنّاع حراس أفكار المقررات الدراسية لدينا ما زالوا يؤمنون أن المرأة (فتنة) و(صوتها عورة)، والناتج الطبيعي لقاعدتي (الفتنة والعورة) أن يمتدّ تهميش وتغيب المرأة ليصل إلى المقررات الدراسية، لينتج ذات الأثر على مستوى الفاعل الاجتماعي، وعلى ورغم كل الهيجان الإعلامي الذي يوهمنا بأن المرأة السعودية قد مزّقت جلباب الوصاية غير الشرعية يظل الجانب الأعم من الحقيقة أن المرأة لدينا ما زالت تعيش تحت سلطة القمع الاجتماعي الذي يتحدث باسم الدين لدينا.
* الثقافة تعني كيف نفكر؟ كيف نتعامل مع الأشياء في مستوييها التجريدي والتشخيصي؟ وهذا يعني أن (الأشخاص - الأشياء - الأفعال) هي موضوع الثقافة وناتجهم هو ضابط التقويم.
لقد عاش المثقف السعودي مثله مثل المثقف العربي حقبة من الزمن في حالة انسحاب من التفاعل المعيوش للمجتمع في مرحلة كان وجوده مهماً للمشاركة في صياغة وثيقة الوعي الشعبوي وخصوصاً وهو ما زال - أقصد الوعي الشعبويّ - جريحاً ومنكسراً نتيجة هزائمه السياسية والنفسية، ومقبلاً على مرحلة جديدة في أساليب التعاطي مع الآخر والأشياء المستجدة في بناها التنموية بوعي مهزوز ومضطرب ومفكك لمفاصل المعايير، وفي ذات الوقت كان مستعداً لإعادة صياغته وفق معايير تختلف أو تتفق مع أصل مواضعته.. في حين كان المثقف السعودي والعربي يعيش حالة انسحاب، هارباً من مجتمعه كنوع من الرفض لحالة الهزيمة السياسية، وألتف داخل نفسه غارقاً في غموضه الفني منظراً للحداثة.. وهو في كل ذلك ناسياً الوعي الشعبوي الذي تعاد صياغته ، بعيداً عن مشاركته، ثم فاق من غيبوبة دوره الاجتماعي، وبدلاً من أن يعوض عن غيابه في الاندماج مع تجربة الوعي المعيوش ليعيد صياغة دوره في تلك التجربة كأداة من أدوات تقويم الوعي المعيوش وكمؤثر إصلاحي لذلك الوعي، أقول بدلاً من ذلك، عاد بلغة نخبوية رافضاً الوعي المعيوش ساخراً من أنساق العقل الجمعي من خلال متبنياته للنقد الثقافي أو (نقد الذات - الوعي المعيوش) وهذا بدوره جعل المثقف يصطدم مع أنساق الوعي المعيوش ما أدى إلى أزمة فقدان (الثقة) بين وعي المثقف ووعي المواطن العربي، فكلما أوغل المثقف في نقد أنساق الوعي المعيوش، فقد دوره وأثره في صياغة الوعي الجماعي كما يفقد وجدانية الثقة بينه وبين وعي الجماعة.
ثم أقول بصراحة: (الثقافة لدينا رجل)، ولن يتغير هذا الحال، إلا إذا استطاعت المرأة السعودية أن تمارس حقها التنموي أولاً، لأن ممارسة الحق الثقافي كسلطة مناصبيّة، لن تفعّل إلا عبر ممارسة المرأة لدورها التنموي... وغير هذا الحكي، لن يكون إلا من قبيل (الهرطقة) وبيع (الهواء الفاسد). وهذا ما يجعل المثقفة السعودية اليوم غائبة عن دهاليز وزارة الثقافة والإعلام، وسواء الغياب بفاعل مذكور أو مجهول، ولا شك أن لذاك الغياب عدة أسباب تتوزع حسب خارطة أهمية الأدوار ووفق قيمة ما تضيفه من تأثير في وعي المجتمع.
فما يجب أن نضعه في حسباننا أن المشكلة ها هنا ليست فيما ينبغي أن يكون، أي (إصدار قرار) ينص على... من أجل تفعيل دور المرأة، فكل مسؤول قادر على تصدير جملة من القرارات يعلن فيها (أن الشمس ستشرق غداً)، وتمر عهود الأيام ويشيخ ولدانها ولم تشرق الشمس بعد.. فمتى تشرق؟!! لكن المشكلة فيما هو كائن بصيغه الأحادية غير القابلة للزيادة والنقصان، واقتراباً من الفكرة أقول إن مشكلة تجميد الدور التنموي للمرأة في وزارة الإعلام والثقافة على المستوى الرسمي والاشتراك في صناعة القرار الإعلامي والثقافي تكمن عدة محاور، منها:
1- هيمنة الفكر التقليدي على سلّم المعايير في فكرنا الجمعي بما فيه صناعة القرار السياسي فيما يتعلق بالمرأة ودورها التنموي بشكل عام، وفي وزارة الإعلام والثقافة بشكل خاص، هذا الفكر - للأسف - حتى الآن هو من يمثل (السلطة السائدة) في المجتمع ويتحكم في قراراتها، خصوصاً وإن علمنا أن القرار الآن في السعودية فيما يتعلّق بمستجدات شؤون المرأة متروك لرضى وتقبل سلم المعايير أي السلطة السائدة - الفكر الديني في تقبله أو رفضه كما حدث في قضية قيادة المرأة للسيارة، ولو أردنا مسحاً سريعاً لوجهة نظر السلطة السائدة لدينا، فهي ترى أن الدور التنموي الثقافي للمرأة هو من الثانويات وليس رئيساً وفق نظرية (الإقرار في البيت) القاعدة الجوهرية لدور المرأة، كما أن التصور الخاطئ لعالم الثقافة في ذهنية السلطة السائدة بأنه خليط من الفسق والمجون والاختلاط يمثل مساحة شاسعة في اعتقاد هذه السلطة، لذا فهي تمانع بقدر كبير أي نشاط يجمع ما بين المرأة والرجل في وزارة واحدة، وكل وزارة بدورها تحرص على تجنب محرضات حفيظة وحساسية السلطة السائدة، وأي خطوة شجاعة من أي مسؤول في هذا المجال تتحرش بحساسية السلطة السائدة هي خطوة انتحار لمستقبل ذلك المسؤول.
2- (الأجندة الوهمية) كل هدف دون تخطيط ونشاط يحققه هو وهم أو هكذا أعتقد؛ وهذه ليست مشكلة أجندة وزارة الإعلام والثقافة بل وباقي وزارتنا، لأن الأمنيات عادة أكبر من الممكنات، وهذا فخ آخر يزيد تأكيد وهمية أجندة المسؤول لدينا، فتفعيل الدور التنموي للمرأة في وزارة الإعلام والثقافة هو هدف يؤمن به المسؤول وهذا مؤكد، لكن كيف يتحقق هذا الهدف، الأمر يتطلب قراراً سياسياً صارماً، يتطلب هيمنة صوت المرأة على الرأي العام، يتطلب تخطيطاً، يتطلب ميزانية، يتطلب بحثاً عن كفاءات، يتطلب مساواة في فرص صناعة القرار ما بين الرجل والمرأة، فنحن لا نريد أن تكون المرأة مجرد موظفة في وزارة الإعلام والثقافة لتحرير المعاملات الكتابية وتسيير العمل الروتيني، بل نحن نريد لها دوراً في صناعة القرار الإعلامي والثقافي، وهذا حتى الآن لا تتقبله عقلية الرجل بمستوييه (المسؤول والمثقف)، لأن الرجل المسؤول لدينا حتى الآن لا يؤمن بقدرة المرأة في تأسيس قواعد المؤسسات التي تمثل البنى التحتية للوعي الاجتماعي مثل الثقافة والإعلام.
3- وزارة الإعلام والثقافة هي مؤسسة (تنفيذية إشرافية)، وليست مؤسسة (صناعة قرار)، وهذا يضعف دورها بل وقد يكسبها سلبية في التعامل مع الأمور، ولعل تعليق قرار الوزارة فيما يتعلّق (باستقالة رؤساء تحرير النوادي الأدبية) لهو دليل ناصع البياض على ضعف وسلبية الوزارة في تغيير الأنظمة القديمة، لذلك أنا شخصياً لست متفائلة بأن الوزارة قادرة على اتخاذ أي قرار فيما يتعلّق بتفعيل دور المرأة التنموي في صناعة القرار الإعلامي والثقافي لدينا.
4- ثم أكرر الجوهر الذي أؤمن به أن المرأة السعودية لا ولن تستطيع أن تكون عضواً مؤسساً ومؤثراً في صناعة القرار الإعلامي والثقافي والتربوي، ما لم تحقق وجودها التنموي أولاً على المستويات كافة، لأن دورها التنموي هو الذي سيمنحها بعد ذلك أحقية صناعة القرار.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved