الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 15th May,2006 العدد : 153

الأثنين 17 ,ربيع الثاني 1427

حمزة شحاتة.. مركزية الذات
(القابلية - الطبيعة - الموقف) «4»

*سحمي الهاجري:
***
القابلية:
وإذا كانت تلك طبيعته، وهذا موقفه، فلا بد من التطرق هنا لجزئية القابلية حتى يستقيم الاستدلال، ولتتضح جذور هذا التمركز، طبيعةً وموقفاً.
كان حمزة شحاتة في بداية ظهوره الأدبي متميزاً عن مجمل معاصريه، ولم يكن هذا التميز مجرد صفة يوصف بها، بل كان قبل ذلك هدف شخصي، ثم تحول إلى قناعة ذاتية بالتفوق على من سواه ، فهو يستمتع بإبهار سامعيه، والإعلان عن نفسه باستعراض المعلومات والمعارف التي حصلها، ويمكن الاستشهاد بقول أحد أقرب الناس إليه، وهو عزيز ضياء من أنه كان يأخذهم فيما يشبه التحليق تارة والغوص تارة وراء موضوعه بحيث يرينا دنيا مترامية الأطراف، تلتف فيها خمائل الفكر، وتتفتح في ساحاتها مساتير الحقائق، تتلألأ في سمائها وأفلاكها أنهار من الضوء تمعن في أبعاد سحيقة، قد تحتاج لاستيعابها إلى منظار مقرب يسعفك بالتفاصيل ومقومات البناء والتكوين، وتسرف في الاقتراب والإشعاع، حتى تبهر البصر، وترهق أو تزلزل ما استقر في الذهن من القواعد والأسس للكثير من المسلمات والبدهيات (المحاضرة، المقدمة ص 15).
ومن مظاهر الشعور بالتفوق الذاتي عدم ثقته في ذكاء سامعيه، وخير مثال على هذا استطراداته الكثيرة في المحاضرة، فهو يشرح ويكرر ويؤكد ويمثل، قبل الرجوع لصلب موضوعه مرات ومرات، حتى يمل هو نفسه، فيعود ويقول (أعتقد أنني أسرفت كثيراً في سوق الأمثلة وحشدها). (السابق ص 59).
وبهذا وجد نفسه متقمصاً ما يسميه عزيز ضياء (فنية الأستذة) (السابق ص 16)، لقد شرح لهم من أول الدرس أي من بداية الحياة.
وليمعن في الإبهار نجده يمعن في التواضع الشديد إلى درجة المماحكة، يقول (وما نرى بعد ما قلناه دليلاً على براءتنا من تهمة التقليد أو ترديد المألوف أقوى من ضعف هذا البحث واضطراب مذهبنا فيه هذا الاضطراب الواضح)، (السابق ص 33). ويلاحظ أنه يقول هذا الكلام لجمهور غفير قاطعه بالتصفيق أكثر من ثلاثين مرة، (السابق، المقدمة، ص13).
هو الذي قال في موضع آخر من المحاضرة عن التواضع أنه توكيد للذات، وإيمان عميق بها، ويخطئ من يظنه إنكاراً للنفس واعترافاً بضعفها، وهو لهذا لا يكون في أروع صوره وأكثرها فتنة إلا إذا جاء دلالة قوة ممتازة (السابق ص74) ، وهذا ما يعني أن تواضعه في بداية المحاضرة (دلالة قوة ممتازة)... وهكذا.
إذن تلك الطبيعة التي تحولت إلى موقف، لها قابلية سابقة في شخصية حمزة شحاتة، ولم تنشأ من الفراغ.
***
خاتمة:
في الختام هل لنا أن نقصر رؤية حمزة شحاتة النقدية على شعره فقط، كما أراد هو بشكل غير مباشر، حيث لم يصرح بتلك الرؤية للأسباب التي تقدمت؟ ألا يمكن أن تنسحب رؤيته على شعر الابتداعيين جميعاً، ومجمل السياق الثقافي المحلي بشكل عام، وإن كان هو قد انشغل بنفسه، وترك الآخرين لأقدارهم، ولكن شعره في الأساس جزء من ذلك السياق، بحيث تحققت فيه مقولة أبي مدين (ظلمه عصره) وأبو مدين يركز على الجانب الشخصي كما سبق، ويمكن إضافة الجانب الفني، فمع أن الرؤية النقدية لحمزة شحاتة كانت موجهة إلى شعره، فإنها من وجه آخر تصدق على مجمل شعر الابتداعيين في ذلك الوقت، وهنا نتعرف على بعد رابع إضافي، وهو: حمزة شحاتة الناقد، باعتبارها صفة جديدة مختلفة قد تمسح الصورة السلبية عن وعيه النقدي في مقدمته لكتاب الساسي شعراء الحجاز في العصر الحديث، وكل القرائن وشهادات الشهود تدل على أنه هو الذي كتبها، رغم نفيه لذلك، وهذا النفي الشديد تأكيد إضافي على الدرجة التي وصل إليها تمركزه الذاتي.
وهل لنا أن نعرف على المستوى الفكري كامل أبعاد الخطاب الإقليمي الضيق الذي تبناه في البداية، وتجاوزته الأحداث باتساع الكيان، وتراكم المكتسبات، ثم الخطاب القومي الشعاراتي الفضفاض الذي ساد في فترة من الفترات.
إن عملية المراجعة التي قام بها حمزة شحاتة في جوهرها لا تخرج عن دائرة الرد المباشر على سلبيات الخطابين كليهما، وقد فشلا فعلاً في نهاية المطاف، فالوقائع على الأرض جاءت أكبر من الإقليم الضيق، وأقل من الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة.
القضية أن حمزة شحاتة لم يصرح بنتيجة مراجعاته انطلاقاً من تمركزه الذاتي، وعلى الباحثين أن يقوموا باستكشاف أهم مفاصل هذه المراجعة أو التراجع، وهذا لا يمنع بأي حال من الأحوال أن حمزة شحاتة هو رائد المراجعة بهذا المعنى.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved