عبثية..!!
|
*حسين أبو السباع:
عبثية.. هكذا اختارت حياتها أن تكون، من دون هدف تعيش لأجله، إن هي أحسنت فلنفسها وإن أساءت فلن تسيئ لأحد غير ذاتها المرهقة من عذابات السنوات الخوالي التي عاشتها وحيدة بينما هي بين ذراعي شخص آخر كانت بينهما علاقات كثيرة. لم تكن تدرك أن هذه العلاقات المتشابهة مع غيرها في نهاياتها الفاشلة أن تثمر هذه الثمرة، ثمرتها كانت ذكرى لا تكاد تخمد نارها كلما تذكرت ذلك الشخص الذي كانت تراه جيئة وذهاباً وتحسب أن عينيها قد اكتحلت بصورته بحيث أنها لن ترى شخصاً آخر غيره يوماً من الأيام، وأن هذا الحب الجارف في تيار صدرها الممشوق سيطغى على كل الأحداث الحياتية حتى اتفقا على ألا يتفقا، ونفذا ما اتفقا عليه. قال لها إن الطريق مختلف، ولا يجب المضي في هذا الاتجاه الذي يأخذ كلاً منهما نحو الطريق الخطأ. تذكرت حياتها معه، كانت منذ سنوات، إلى أن افترقا بلا عودة.
عبثية هي الحياة التي تحياها وارتضتها ليومها وأمسها وغدها الذي لم تحياه.. ركبت القطار لتسافر إلى مكان من الأمكنة التي تألفها هذه النفس المحبة في الماضي، العبثية في الحاضر. انطلق القطار بأقصى سرعته، ليطوي الأرض ويطوي العمر ويطوي في سجل الذكريات سجلاً كانت تحفظه بين ضلوعها. نزلت من القطار في المكان الذي حددته سلفاً. سارت بظهر فيه انحناءة بسيطة من أثر الانكفاءة في العمل. تسير تنظر إلى الأرض كأنها تعد خطواتها إلى حيث لا تعلم الوجهة التي حددتها من قبل، يبدو أنها غيرت رأيها في المكان، قبل أن يسير القطار. جرت نحوه، حاولت الركوب، لكنه كان قد جري بسرعة بحيث أنها لم تستطع أن تلمسه. وقفت برهة تفكر هل تذهب إلى المكان الذي كانت قد قررت الذهاب إليه، ولِمَ لا! فالوقت محدد، والمكان محدد، وكل شيء محدد إلا هي لم تكن محددة الملامح، ذهنها شارد في ذلك الرجل الذي فجأة وجدته أمامها على الرصيف المقابل للقطار، يجر طفليه في يديه، ويحمل أوزاره على كتفيه المنحنيين قليلاً. لم تصدق ما ترى، حاولت التدقيق في ملامحه، التي كانت قد تغيرت هي الأخرى، تبدو مرهقة، باحثة عن شيء مفقود، ضائع، لم تعبأ كثيراً بهذا الشخص الآخر الذي تراه، فقد كانت من تحب في الماضي يحمل صفات غير التي تراها، لم يكن منحياً للسنوات التي تحاول جاهدة أن تكفأ أعين البشر وتجبرهم على النظر إلى الأرض، لم يكن هو ذلك الشخص الذي أحبته في الماضي.
قررت الذهاب إلى وجهتها، وقفت أمام الشاطئ لترى الأمواج الآتية من أعماق البحر، لتجلس قليلاً على الرمال. تذكرت سنواتها الخوالي، وشبابها المنصرم، وحبيبها الذي رأته منذ لحظات، وكأنه يبحث عنها، لكنه تغير تماماً عما كانت تعرفه، انطلقت تعدو بخطوات ضعيفة نحو محطة القطار لتنتظر القطار العائد إلى مكانها الذي ألفته، وألفها، جاء القطار ركبت بسرعة، عادت أدراجها مرة أخرى لتكون عبثية، هكذا اختارت حياتها أن تكون..!!
* كاتب وصحافي مصري مقيم في الرياض
aboelseba@yahoo.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|