الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 15th May,2006 العدد : 153

الأثنين 17 ,ربيع الثاني 1427

(عبدالله المحيميد)..
وتقشير المجتمع السعودي..؟ (2-2)

*محمد الدبيسي:
(الكاتب) ينفذ الى العمق الاشكالي (الظاهري) في موضوعه.. بلا توطئات او مهادات تفسيرية.. إلا ما يفترضه السياق من تبيان معنى معجمي او جذر لغوي للمفردة.. في إطارها الموضوعاتي.. وكأن الحقول التي يلتقط منها اشاراته الظاهراتية.. هي الذاكرة (الاجتماعية) الإنسانية.. التي ترقد فيها المكتسبات والتقاليد ومعايير السلوك والقيم.. ومستويات التعبير ومصطلحاته، التي تحدد وصف الاشياء وتؤثث لها مكانا وثيراً في تلك الذاكرة..؟
وكلما تقادمت ازدادت قيمتها.. وأصبح تحقيقها حنيناً فطرياً (حتى لو كان اعتباطياً) لماضي الأشياء وبكاراتها..!
** ومن هنا جاءت اشغالات الكاتب.. لترج قاع الذاكرة ومألوفها.. وتحرك طمأنينتها .. باتجاه المساءلة والتشريح..!
تناولاته لا تروم الكشف فقط..؟.. بل تقشير الأنساق الاجتماعية الظاهرة.. وتعيين محفزاتها المضمرة في قاع العادة وجوف المألوف..؟
فهو لا يتقوى بمتون النظرية السوسيولوجية فحسب..؟ وان كان يستعير أدواتها.. لتبدو النسب الطولية للكتابة لديه.. متساوقة مع مأزق الظاهرة وتوغلها في وجدان نماذجها..؟
وفق ما تستدعيه آليات الكشف من عرض السياق النوعي الذي اختمرت فيه بذرتها الاولى..؟ دربه (الكاتب) على تقصي الظواهر الاجتماعية.. وارتفاع مستوى حساسيته ولياقته الاركولوجية.. صيرته متمكناً ومكيناً في استشراف هذه الظواهر ب(عين ناقدة).. وتأليف العناصر التي تكون بصيرة الحفر المعرفي النقدي لديه، وهو ما يسوقه (أحمد الواصل) في تقديمه لكتاب عبدالله المحيميد (عين سوسيوثقافية) مؤكداً شراكة مضمرة بينه وبين (عبدالله القصيمي).. في مجتزأة عدّها (الواصل) شاهدة على تلك (الشراكة) .. بقول القصيمي: (إني أنا ناقد مفكر معلم.. لأني متألم، يرى الآلام والدمامات والأخطاء، ويحتج عليها ويعددها) ص 12
** ولست أرى تساوقاً أو اشتراكا لا بالمطلق ولا النسبي.. بين (المحيميد والقصيمي) لاختلاف المنطلق النقدي المبادئي لكل منهما، واختلاف الزمن التاريخي والمكان الاجتماعي بينهما..؟
كما يكمن الاختلاف في المطلق.. بين جذري الإلحاح المعرفي والموقف الوجودي لكل منهما..؟ والشاهد الآخر للاختلاف.. هو ذاته ما ستشهد به (الواصل).. ف(المحيميد) لا يحتج على الآلام ولا يعددها...؟
انه يسائلها ويفضحها.. ويزيل قشرتها الساترة..؟! يحفر في سياقاتها المستوضعة طمأنينة يقينية في وجدانات ممثليها..؟
اتصور ان (الشراكة) الافتراضية المضمرة.. تتساوق بين (المحيميد وحمزة شحاته).. ولا سيما في مفصل (الموقف من المفاهيم) وسياقاتها اللغوية وتعبيراتها الشائعة..؟ وتحريكها من أسن الثبات.. الى المراجعة وجدل الرفض والقبول..؟
إعادة النظر في صيرورة مفاهيم حياتية اجتماعية.. استلذ المجتمع طلاوتها.. واعتاد تكرارها.. واستكبر بعظم خيالها المثالي.. بوصفها تغذي قيم التفوق.. ونزعة التميز لديه.
نقاط الاختلاف بين النموذجين كثيرة.. كنقاط الالتقاء..؟
ليس كل مثالات (الأولى).. المرجعية الفلسفية والموقف الوجودي من الكون، الناس والأشياء.. والاشراق في سك الصياغات.. والبيان الأسلوبي والكتابي الرفيع.. لدى (شحاته).. وبساطتها ومباشرتها ونفوذها باقتصاد لغوي لدى (المحيميد).
ان العلامة المهمة في تجربة (المحيميد).. تكمن في حدة الانتقاء وحساسيته ومقاربته لبنى ومفاهيم اجتماعية راسخة.. يستفز مجرد الحديث عنها - او تحريكها من ظلال رسوخها وجريانها، حماسة المؤمنين بحقيقتها والمسلمين بمصداقيتها..! (من العكس الى الصورة... ص 81) مثالا:
** فكيف والكاتب.. يصعقها بتلك الخفة التكتيكية في عرضها.. وتكوين سياقها.. وكشف إكراهاتها الداخلية..؟
لا يكلفه كشفها وتعريتها.. أكثر من إعادة اعتبارها في إجراء النقدي.. لا ينقص من قيمتها الاعتبارية في سياق تموضعها الطبيعي.. وان كان ينزاح بها من مجال ذلك الاعتبار.. الى مشهد المساءلة والمراجعة والتفنيد..؟
** براعة الكاتب تكمن في ذلك الحياد الموضوعي، الذي يُصيرأسلوبه مزيجاً من العرض الوظيفي التشريحي، والتحقق القيمي، (تحقق) يتسق وتصور (العين الناقدة).. وانعكاس الممارسة على ممكنات الفحص والتحرير.. ليبلور رأيه المغاير لالتباساتها وحساسيتها.. لينفذ من حمى ونفوذ المؤولين.. الى صعد الاضاءة والتفسير..؟
ان مهارة وقيمة ذلك (التفسير النقدي).. يكمن كذلك في خلوصه من شرك الوصاية على ما اختاره المجتمع وتعاقد عليه من مفاهيم وتصورات وظواهر.. تحتوي قيمه وتناقضاته واحتقاناته.. ومن ثم تستوضع عين الكاتب وبصيرته، ليكشف إطارها القيمي ومحركاتها المضمرة.
***
* عبدالله المحيميد.. 1- (تقشير.. قراءات في الثقافة والمجتمع السعودي)
الطبعة الأولى 2002م. دار الكنوز الأدبية، بيروت
2- (عين سوسيو ثقافية) الطبعة الأولى الانتشار العربي.. بيروت
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved