الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 15th August,2005 العدد : 118

الأثنين 10 ,رجب 1426

رحلة في أعماق كاتبة
سلوى أبو مدين
لست أدري لماذا بذلتُ جهداً كبيراً وأنا أبحث عن مكتبة معينة في سفري رغم كبر المسافة التي تبعدها عن داري.
إلا أنني عزمت على المواصلة حتى أصل ما أرنو إليه. ولكن يبدو أنني وصلت متأخرة بعض الشيء فموعد الراحة قد أزف فما كان مني إلا استجداء الصادق لمسؤول المكتبة لينتظر دقائق قبل الإغلاق.
والعجيب في الأمر (بالنسبة لما عهدته من حظي الناشط طبعاً) أنه قبل بذلك وكان كريماً للغاية معي!!
فاندفعت وسط رفوفها أبحث عن الكاتبة والأديبة (مي زيادة).
وشدني فضولي لأعرف المزيد عنها..!!
* مي زيادة 1895م 1941م اسمها الحقيقي ماري، وقد اختارت لنفسها لها اسم مي ذلك الاسم الذي عرفت به، الذي ربما كان يعني لها الكثير مما جعلها تتسمى به. فهي من مواليد فلسطين قرية الناصرة لأب لبناني أقام في فلسطين وتعلمت بمدارسها ثم أكملت تعليمها في لبنان بمدرسة عين طور ثم انتقلت إلى مصر مع والديها وعكفت على المطالعة وتحصيل العلوم والفنون المختلفة، وبدأت تكتب في جريدة المحروسة ومجلة الزهور!!
وبدأت تكتب في جريدة المحروسة ومجلة الزهور.
* وكانت مي بالإضافة إلى موهبتها الفذة الفريدة في عالم الأدب تتقن عدة لغات، منها الفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية، والإسبانية. وتميزت بذهن صافي وقريحة بارعة!!
* وتعد مي من أكثر أديبات الشرق موهبة وثقافة.
* كما كانت تكتب في العديد من الصحف مثل الهلال، والرسالة، والعديد منهم، ولها من الآراء الفلسفية والفكرية العديد المتميز الذي جعلها تتبوأ تلك المكانة الأدبية الفريدة!!
* وكان يجتمع في دارها المنعقد كل يوم ثلاثاء، كبار الأدباء والمثقفين حتى أصبح منتدى أدبياً حافلاً، يتردد عليه كبار الشعراء والكتاب أمثال أحمد شوقي، عباس العقاد، خليل مطران، مصطفى الرافعي، طه حسين، لما تتمتع به من فصاحة وبيان وموهبة، كما ساهم صالونها في تنشيط التبادل الفكري بين رواده.
معاناتها
تعرضت مي لكيد أقربائها إذ ألقوا بها في مستشفى الأمراض العقلية وبقيت قرابة عامين حتى أخرجت بعد ذلك.
أعمالها
كتبت مي مجموعة أشعار بالفرنسية، وتعددت مؤلفاتها مثل: بين مد وجزر، الحب في العذاب، ابتسامات ودموع، الصحائف، ومقالات سوائح فتاة وهناك الكثير الكثير.
كما أن لديها من الإبداعات الكثيرة كالمحاضرة، والمقالة، والخاطرة ولا يزال قسم كبير منها لم يجمع بعد.
* ومي تكتب بالفرنسية فقد حثها أحمد لطفي العناية باللغة العربية وأهداها مجموعة من الكتب.
وأقرأ للكاتب نبيه قاسم ما كتبته مي زيادة في لحظة حزن عندما تخلى عنها كل من عرفتهم وأحبتهم!!
هكذا ظلت كلماتها حزينة هادئة مستجدية تقول (أتمنى أن يأتي بعد موتي من ينصفني)!!
ومن للغريب إلا الغريب!!
* وقد ضاع من إنتاجها وكتاباتها ومقالاتها الكثير الوافر المتناثر ما بين الصحف والمجلات والأدراج الخاصة، وهي تنتظر من يلتفت إليها ويعيد إليها الحياة ويبعث فيها الحركة!
* أرى أن هناك تعتيماً على إنتاج مي الإبداعي فقد ذكر البعض أن لها كتابات مجهولة جمعها البعض وهي لم ترَ النور حتى الآن!!
وأعمالها ثروة أدبية نادرة لأديبة تتمتع بذخيرة عالية من الثقافة والأدب العالمي المتميز بسعة الثقافة والخيال.
وفاتها
توفيت يوم الأحد التاسع عشر لعام 1941م.
يقال هناك من أسعف أعمال مي وأنقذها من الحشرات وغبار الزمن ولكن هل أنصفت هذه المفكرة النادرة وأعطيت حقها في حياتها وبعد مماتها أعتقد لا!!
فقد عاشت وهي تزرع البسمة والأمل للجميع، وماتت وهي تدرك أنها لن تُنصف!!.
* زيادة هي الحاضرة الغائبة بأعمالها وتراثها الغزير النادر الذي يجب أن نُعنى به وننقذه من خطر الانقراض!
* اخترت لها من إحدى مجموعتها هذا النص:
(أنا والطفل)
هناك بعيداً عن المدينة وضوضائها، على شط النيل النائح في سيره، على رفات العذارى المبعثر في أعماقه، قصدت إلى الحديقة في صباح يوم منير، نبذت عني عادات المدينة فافترشت الثرى كما يفترش سكان البادية رمال الصحراء.
لم أرَ حولي سوى سيدتين إنجليزيتين مع إحداهما ثلاثة أطفال، وإن هي إلا دقائق حتى اقترب مني أحد هؤلاء، وهو صبي في الرابعة من سنواته فناديته قائلة: تعال إليّ أيها الصغير، فدنا واجفاً باسماً، فسألته: ألا تجلس على ركبتي؟!
فجلس صامتاً.. فملت إلى الطفل أمتص من حلاوة وجنتيه، لاهية بتلك القبلة عن كآبتي المتصاعدة من فؤادي كما يتصاعد الغيم من أطراف البحار.
ما أعذب قبلة الأطفال وما أطيب طعم ابتسامتهم!!
إلى أن كتبت: فنظرت إليه وخاطبته همساً:
هذه اليد التي تنقل إشاراتها اليوم ما حفظته من إشارات، هذه اليد التي لا تمتد إلا لمداعبة الندى ولمس الأزاهير، هذه اليد الصغيرة الطرية سوف تصير يد جندي!!
سوف تقبض على السيف والحرية وتطلق النيران من أفواه المدافع!!
سوف تفتك بحياة البشر أشراراً كانوا أم أبراراًََ!!
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved