الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 15th September,2003 العدد : 28

الأثنين 18 ,رجب 1424

أبها: الجمال، الثقافة

سعدت يومي الاثنين والثلاثاء 20 21/6 باستضافة نادي أبها الأدبي، كانت هذه الزيارة بالنسبة لي الزيارة الأولى لمدينة أبها، كنت أذهب إلى الباحة وبلجرشي ظاناً أن هاتين المدينتين تغنيان عن أبها، لكنني حينما زرتها رأيت مدينة مختلفة.
كانت تبسط يمينها مرحبة بالضيوف وتنصب الأخرى دافعة الصيف هذا الصيف الذي فرض سلطانه هذا العام على أعتى مدن أوروبا لم يستطع أن يثني يد أبها.. فبقيت أبها باردة إلا من دفء المشاعر وحرارة الاستقبال اللتين يقابلك بهما أهلها، خاصة الأستاذ محمد بن عبدالله الحميد رئيس نادي أبها الأدبي الذي تترادف منه عبارات الترحيب مسهبة ضافية تكاد تقطر فيها نفسه.
أما السودة فكانت درة يتيمة في حلية على صدر حسناء..
كانت قمم الجبال تمج ذلك السحاب اللطيف الذي يصافح المصطافين وكأنه يريد أن يحييه فرداً فرداً، وكانت المدرجات الخضراء تبعث في النفس الراحة والسكينة.
جاءت زيارتي لها بعد أمطار غزيرة، فكانت الجميلة قد استوفت زينتها.. هذه الأجواء المبهجة استهوت الناس فراحوا يحدون بالأهازيج والأناشيد والعرضات ورأيت صبايا بدت لهجتهن النجدية من عبارات الإعجاب بهذه المشاهد الخلابة.
وأمام هذه الإبداع المتجاور والحسن المنازر لا يملك الإنسان إلا أن يعظم الله سبحانه وتعالى الذي أبدع هذا الكون وخلق الجمال الطبعي والحسن البشري.
ولا أريد أن أسهب في الحديث عن جمال أبها وأخوتها فالجمال هناك أكثر من أن تحيط به لغة الوصف، لكنني أود أن أتحدث عن الشأن الثقافي، عن المحاضرة التي ألقيتها في نادي أبها الأدبي.
وكنت قد طرحت على الأستاذ محمد الحميد الذي آثر أن ينسق معي بنفسه عدة موضوعات نختار منها ما يراه مناسباً لجمهور النادي، فرأى بفراسته وذكائه أن الحديث عن النقد الأدبي الراهن سيكون أكثر جاذبية، فأثنيت على فطنته ووافقت على اقتراحه، خاصة وأننا خرجنا للتو من أزمة سياسة حادة، ونحن نستشرف مستقبلاً ثقاقياً وأدبياً أكثر تنوعاً وغنى، فلا بد أن نعود لمنجزنا النقدي ونسائله ونحلل ما كتبه نقادنا لكي نضيف إليه ما يتلاءم مع طبيعة المرحلة، فكان أن استقر الرأي على أن يكون عنوان المحاضرة «الاتجاهات النقدية المعاصرة في المملكة العربية السعودية».
وقد تحدثت عن أربعة اتجاهات هي الاتجاه التاريخي الذي يرصد النتاج الأدبي من خلال السياق التاريخي والاجتماعي وأبرزت جهد الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين ممثلاً لهذه الاتجاه وأثنيت على جهده في إدراج شعراء نجد في سياق تاريخ الأدب الحديث بعد أن أغفلهم الكتاب العرب، والاتجاه الإسلامي الذي يركز على المضمون ومدى توافقه مع التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة.
وأشرت إلى مشرع الدكتور حسن الهويمل النقدي الذي يصب معظمه في هذا الاتجاه.
ثم تحدثت عن النقد النصي وأشرت إلى أن النقد البنيوي الذي اهتم به الدكتور عبدالله الغذامي أكثر المناهج النصية حضوراً في ساحتنا النقدية.
وتحدثت أخيراً عن النقد الانطباعي وجعلت وقفات الأستاذ علي العمير مع قصيدة الغامدي نموذجاً لهذه الاتجاه.
وقد حرصت أن تكون دراستي موضوعية تبرز الإيجابيات وتشير إلى نواحي القصور (نلاحظ أن الصحيفة التي تولت التغطية لهذه المحاضرة ركزت على الجوانب الأخيرة).
وكنت أثناء المحاضرة أتوجس خيفة لأننا ألفنا سماع الإطراء والثناء، ولم نتعود على قبول الموضوعية في الحكم والرأي، لكنني فوجئت بجمهور منفتح يقبل الرأي المخالف مع التمسك بالثوابت والأساسيات. وقد جسد هذه الحالة أحد الذين داخلوا بعد المحاضرة حيث قيل لي إنه يؤم المسلمين في الصلاة ومع ذلك يتهم بأنه علماني.
وقد جاءت هذه المحاضرة في سياق مشروع تبناه نادي أبها الأدبي يستحق الإشادة وهو جدير بأن يعمم في جميع الأندية الأدبية.
فقد كان نادي أبها يطلب من كل ناد أن يرشح شاعرين ومحاضراً لكي يشاركوا في أنشطة النادي الصيفية.
وهذه تجربة رائدة فعلت النشاط الثقافي واتاحت فرصة التواصل بين الأدباء والمثقفين.
وإن هذا الحضور وهذا التفاعل مع أنشطة النادي الصيفية يجعلاني اقترح على وزارة الثقافة أن تجعل من مدينة أبها مركزاً صيفياً للثقافة بحيث تنظم مؤتمراً أو ملتقى أدبياً يحدد له في كل صيف موضوع عام ويدعى إليه الكتاب والأدباء والمثقفون، وإن مثل هذا المؤتمر سيحقق نتائج طيبة فهو ينشط الثقافة التي تواجه عادة ركوداً في الصيف وسوف يوجد حلولاً لكثير من مشكلاتنا الفكرية.
وهذا المؤتمر سيتيح مجال التواصل بين الأدباء والمفكرين السعوديين، ويمكن أن يدعى إليه أدباء ومفكرو دول الخليج ليعمق أواصر الأخوة بين أبناء الخليج العربي. ويمكن أن يقام على ضفاف هذا المؤتمر أمسيات شعرية وقصصية ، كما ينظم في الوقت نفسه معرض للكتاب.
وإن تآزر وزارة الثقافة الفتية مع إمارة عسير التي يقف على هرمها الشاعر المثقف خالد الفيصل وطموح أدباء عسير ومثقفيها كلها مؤشرات على نجاح هذه الفعاليات.


د. حمد بن عبدالعزيز السويلم
أستاذ النقد الأدبي المساعد
بجامعة الإمام فرع القصيم
drhamad79@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved