الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 15th September,2003 العدد : 28

الأثنين 18 ,رجب 1424

صدى الإبداع
8.8
طه حسين والفكر الآخر
دكتور سلطان سعد القحطاني

يعتبر ظهور طه حسين، الازهري، ونقده للفكر العربي، من الاحداث الجسيمة، في فكر الامة العربية الوارث الوحيد للتركة المسطحة للفكر، التقليدية في التعامل، الخاضعة للتخلف، بكل اشكاله ومعطياته المغلقة للعقل البشري، فظهور طه حسين لم يكن ظهوراً على مذهب او ملة، او فرقة من فرق المسلمين، لكنه طرح فكري مستهلك من قبل ان يقول فيه شيء، فهو مقلد للمستشرق «مارجليوث margolioth» في كتابه «الشعر الجاهلي» الذي انكر فيه ان كل الشعر الذي روي عن الجاهليين حقيقة حصلت بالفعل، وهذا ما ذهب اليه طه حسين، وقارن بين بناء الكعبة وبناء طروادة، في بلاد اليونان، وهذا امر لايهمنا كثيرا بقدر ما نتخذه وسيلة للوصول الى الفكر العربي المغترب، عند دعاة الفكر التغريبي، سلامة موسى ولطفي السيد وطه حسين، «عبدالله ابراهيم، الثقافات العربية والمرجعيات المستعارة»، ومايعنينا هنا قدرة الفكر على تحليل مواجهة خطاب الاخر، من منظور فكري، فما ظهر من ردود مندفعة من الطرف الآخر ضد كتاب «في الشعر الجاهلي» وحكم المحكمة بسحبه من الاسواق، وظهوره في العام الذي يليه بعنوان «في الادب الجاهلي» يعطي فكرة واضحة على انقسام الفكر التقليدي على نفسه، فالطعن في التراث العربي «وهو مادة الاسلام كما هو معروف» امر يدعو الى الدهشة والاستنكار والقلق، خاصة من واحد من ابنائه، ومن ناحية اخرى، قناعة الكثير من الذين جردوا اقلامهم للرد عليه بأن التراث بحاجة الى قراءة جديدة، في ضوء المعطيات العقلانية والتحليل المنطقي، فما معنى ان يشك في وجود عنترة بن شداد، ولم يشك في وجود فرجيل «شاعر الرومان» قبل الميلاد؟؟ ومن قراءة النصوص التي نقدت ما جاء به طه حسين، او ما قلنا من قبل انه قلد فيه فكر المستشرقين، نجدها نصوصا تغلب عليها العاطفة، كما هي عادة فكرنا العربي في مواجهة الآخر، ومن أشهر الذين تصدوا لكتابه هذا، مصطفى صادق الرافعي «تحت راية القرآن»، ومحمد فريد وجدي «نقد كتاب في الشعر الجاهلي» ومحمد احمد الغمراوي «النقد التحليلي لكتاب في الادب الجاهلي» ومحمد الخضر حسين «نقض كتاب في الشعر الجاهلي» ومحمد لطفي جمعة «الشهاب الراصد» ومحمد احمد عرفة «نقض مطاعن في القرآن» ومحمد محمد حسين «الاتجاهات الوطنية في الادب المعاصر» وربما يكون هذا الكتاب، هو الكتاب الوحيد الذي التزم المنهج العلمي، في نقد كتاب طه حسين، ونلاحظ ان تلك الردود في الكتب المذكورة مابين الكتاب قبل سحبه، وبعد الكتاب بعنوانه الجديد «في الادب الجاهلي»، ولولا هذه الكتب لم يصبح كتاب طه حسين بهذه الشهرة، فمرة تعطيه الحضور المميز، ومرة تقصيه عن المسار الثقافي، فحضوره المميز يجعله من ضمن اقطاب التنوير الغربي، مثل هيغل وجوته، وغيرهما، واعتبره الكثير من الباحثين العرب قمة التنوير، في الربع الاول من القرن العشرين «عاطف العراقي، العقل والتنوير، 249» ويرى البعض انه مشروع تنويري جذري وشامل يتضمن عناصر عقلانية تنويرية، لكونه نقل النظرة الى التراث من الحيز اللاهوتي الذي يقدس الماضي ويسمو به عن النقد الى الحيز التاريخي الذي يرى الماضي صيرورة موضوعية ينبغي ان تخضع لمناهج التحليل والنقد «سعد الله ونوس، قضايا وشهادات، 11ـ17» ولا نختلف بان طه حسين من التنويريين الذين ظهروا في مواجهة الفكر التقليدي المتردي، الذي يرى المدافعون عنه ان طه حسين يروج لفكر الكفر والطعن في الاسلام، والتشكيك في الفكر التراثي القائم على المسلمات ومحاكاة السابقين، وقد ذكرنا من قبل ان في التراث العربي من نقد فكر السابقين، وان الانسان قوته في نقصه، وفي الحديث الشريف «انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» بمعنى ان النقص صفة من صفات البشر، فما المانع من قراءته قراءة تتفق مع العقل والمنطق، لكن طه حسين ومن سبقه من المستشرقين لم يقرؤوا التراث قراءة نقدية علمية، فما ذكره عن امرئ القيس بانه يمني، لم يحدد اليمن، حتى يعرف ان كان من اليمن او من غيره، ثم انه ينقد استاذه الاول «حسين المرصفي» بان ينقد نقداً لغوياً، بينما هو يقع في النقد اللغوي، مثلما كان حسين المرصفي يفعل، ثم ما هو الدليل على ان الشعر الجاهلي منحول، بينما يقول عن الشعر الاسلامي انه صحيح كله؟ وهذا امر اختلف في النقد منذ القدم، وبالرغم من كل هذا وذاك، فإن طه حسين فتح باب النقد، في كل اتجاهاته، وكسر طوق الجمود، والتبعية الفكرية، وغير الكثير من آرائه السابقة، وكأنه قد تعمد ان يرمي حجرا ضخما في مياه الفكر المتقوقع على نفسه، بما اورده المستشرقون من نقد للفكر العربي القديم واعتمد على ذائقته الفنية في النقد ومناقشة الرأي الآخر في دراساته المتأخرة، بيد ان الفكر المتقوقع على الحفظ، وعدم قبول الرأي الآخر مازال مسيطرا على العقل العربي، بصفة عامة، في الوقت الذي تحتاج الامة اعادة النظر في ماقيل وكتب، ومناقشته مناقشة علمية تستند على المعطيات العلمية ومناقشة الآخر بمنطق العلم وباللغة التي يفهمها الجميع لغة التفاهم والبدء باصلاح الذات، والصدق مع النفس، اولاً، ثم مع الآخر، واتخاذ الفكر سلوكا، وليس شعارات، فنحن جزء من العالم، لنا ما له وعلينا ما عليه، وكل هذه الصفات موجودة في ديننا، الذي يدعو الى الحرية والمساواة، ولعل فيما ذكرت سابقا مايدل على ذلك، فلكل انسان ممارساته الخاصة، وما يقتنع بانه صحيح، بشرط ألا يتعارض مع مصالح واذواق الآخرين، فمناهجنا بحاجة الى تنمية العقل، ولن يكون ذلك الا بإتاحة مساحة من التفكير الحر، وقبول النقاش، بصدر رحب، والاشتراك في تعددية الرأي وقبوله، وليس من الضروري العمل به، وليس من تقدم الفكر التنقيب عن الخلافات التي حدثت بين المسلمين، وغيرهم، في قرون مضت، والشك في النصوص التي بين ايدينا، سواء كانت حقيقة او من نسج الخيال، فنحن ننظر الى فائدتها التاريخية في التنمية الفكرية الحديثة، وبناء فكر متوازن يحمي التراث ويطره ويعيد قراءته، وليس بنفسه من الوجود.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved