الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 15th September,2003 العدد : 28

الأثنين 18 ,رجب 1424

واقع الفن التشكيلي المحلي (3)
في ظل غياب القاعات المتخصصة
صالات الأندية وقاعات الفنادق أماكن احتضنت بدايات الابداع التشكيلي
محمد المنيف
تواصلا مع الحديث عن واقع الفن التشكيلي المحلي ولو بشكل مختصر وما شمله من دعم واهتمام رسمي وخاص لايمكن إنكاره إلا أننا نطمع في أن يستكمل هذا الدعم بما يسد النقص فيه مضيفين بعض المطالب المهمة في تقوية بنائه وتحديد مساره، فبعد ان تحدثنا عن أهمية وجود جمعية خاصة به وقاعات عرض معدة إعداداً هندسياً يؤدي الغرض طبقا لمواصفات قاعات العرض للفنون التشكيلية العالمية ليتم فيها عرض مختلف أساليب التشكيل ابتداء من اللوحة بأحجامها المختلفة مروراً على أعمال النحت وصولا إلى الأعمال التركيبية والفراغية المعاصرة ومكتبة وأرشيف للوحات ومركز معلومات إضافة إلى ما يحتاجه الفنان من دعم واهتمام في حال وجود آلية تفريغ لمن يستحق ذلك بناء على خبراته وجهوده ووجوده المحلي والعربي والعالمي بجانب منح بطاقة لكل فنان تم تصنيفه من قبل اللجنة المعنية المنبثقة من الجمعية التشكيلية في حال انشائها على أن تمنح هذه البطاقة بناء على أهداف مدروسة ولمن تنطبق عليه الشروط ومنها المستوى الإبداعي الحضور والمساهمة الفعالة في المعارض والخبرة والتجربة وغيرها على ان تفعل هذا البطاقة لتشمل خصم نسبة في الخدمات الطبية أو تذاكر السفر أو الإقامة خارج الوطن أو داخله عند اعتزام الفنان إقامة معرض خاص لأعماله. كما يجب ملاحظة ودراسة واقع المعارض الجماعية التي تزداد في إعدادها، وتتناقص في مستواها، ولا ننسى أيضا أهمية المتحف التشكيلي لرصد هذه المسيرة وتوثيقها بالأعمال والأسماء.
الاهتمام بالمعارض
حجب احتياجات الفنان
ومن المؤسف ان ذابت تلك المطالب في خضم الاندفاع الكبير في الدعم والتشجيع غير المحدد المرجعية ونعني بها الجهة أو الإدارة الواحدة المسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذا الفن وفنانيه حتى برزت بسببها جوانب معينة على حساب أخرى وكان نصيب إقامة المعارض ومطالبة الفنانين بالمشاركة فيها أولى من بحث حاجات الفنان ومطالبه أسوة بغيره من الفنانين في مختلف الدول القريبة منها الخليجية والعربية. وهنا تبرز إحدى سلبيات واقع الساحة التشكيلية المحلية. مع أنه غيض من فيض ينتظر حلولاً لها مع علمنا ان تحقيق كل ذلك لن يكون صعبا نتيجة ما قدم وسيقدم بإذن الله لهذا الفن من دعم، لهذا فالحاجة اليوم تحدد في الجانب الإداري وكيفية إيجاد الآلية لتنفيذ برامجه في وقت أصبح فيه عدد التشكيليين كبيراً خصوصا ممن أصبحت لهم بصمة وموقع قدم ومساهمات حققت التفوق والمنافسة السعودية على المستوى الدولي. وقبل ان ننتقل إلى جزء آخر من واقع الفن التشكيلي المحلي نؤكد بل نكرر التأكيد على أهمية تخصيص إدارة مستقلة ينبثق منها جمعية خاصة للتشكيليين يختار لها كوادر ولجان من أصحاب الخبرة من التشكيليين باعتبارهم الأدرى بشعاب فنهم والابتعاد بهذا الفن عن ازدواجية الأنشطة كما حدث له في جمعية الثقافة والفنون وما أوصلته من تراجع في مستوى الحضور والمشاركة وما نتج عنه من ابتعاد الفنانين ولجوئهم إلى جهات أخرى من القطاع الخاص استجداء للدعم إضافة إلى افتقادهم للعلاقات المباشرة مع بعضهم البعض في المدينة الواحدة لتبادل الخبرات وتقديم الجديد وتقريب مساحات التعاون والمشاركة دفعت بالكثير منهم للمقاهي والمجالس الخاصة.
إلى هنا نرى أننا لمحنا وبإيجاز كما أشرنا في بداية الحلقات عن بعض هموم الساحة التشكيلية سعيا في أن نواصل التذكير بإبداع أصبح له موقعه وتأثيره وحضوره المحلي والدولي قامت غالبية الجهود فيه على حساب فنانيه أنه في حاجة ماسة لإعادة النظر في تنظيم مساره ومسيرته حتى لا يتبعثر وتصعب لملمته وتجميع أطرافه. وما يمكن ان يؤثر مثل هذا التشتت من خلل في جسد الثقافة والإبداع المحلي عامة.
اتجاهات التشكيل المحلي
قبل ان نتحدث عن بدايات الفن التشكيلي المحلي علينا ان نتعرف على ولادته ومراحل نموه، ومنها ان ولادته جاءت في فترة لاحقة من وجوده في الكثير من الدول العربية التي سبقتنا بالتجربة وبالتحديد قبل مرحلة إنشاء معهد التربية الفنية وهو المعهد الوحيد المتخصص على مستوى المملكة في ذلك الوقت لتخريج معلمين متخصصين في التربية الفنية الذي أرى أنه الشرارة الأولى التي أضاءت منارة الفن التشكيلي وأرشدت فنانيه بما قدم فيه تجارب متميزة لها تأثيرها البارز والفاعل من معرفة كاملة بقيمة اللوحة أو العمل الفني المكتمل البناء والهدف المتكئ على بعد موضوعي يقصد به ملامسة الواقع الإنساني، واعتبار اللوحة أو المنحوتة مجالا بصريا للتعبير عن موقف أو صياغة جديدة لمعطيات الجمال في المحيط بكل عناصره إذ إن هذا التوجه لم يكن معروفا كما هو الآن أو كما يمارس اليوم بكل جدارة من قبل فنانينا المحليين متوازيا مع ما حدث ويحدث على المستوى العالمي قبل ان يصل إلينا من الآخرين ممن حددنا تواجدهم ومرحلة تأثيرهم بالمعهد كبديل وحيد للدراسة الأكاديمية للفن التشكيلي، ثم ما لحق بها من تحديث للمفهوم الجديد للعمل الفني التشكيلي بما أتى به من تم ابتعاثهم للدراسة لاحقا خارج البلاد فلأنك وغيرهم الذين درسوا الفن من منابعه الغربية بما تلقوه في أكاديميات الفنون العربية منها والأجنبية، أو بما اكتسبه الكثير من الفنانين من ثقافة ووعي وقدرة على محاكاة التوجه العام العالمي لهذا الفن عبر زيارة المعارض العالمية والمتاحف أو بما يطرح من مقالات نقدية في الصحف المحلية والعالمية أو ما أتيح لهم من صنوف المعرفة في الكتب أو المجلات، وهذا أمر لابد من حدوثه ومرحلة تحتمها متطلبات التعامل مع ماهو جديد في حدود معينة يمكن من خلالها الجمع بين ما يأتي من الخارج، وما يجب ان يصبح عليه العمل الفني من علاقة بالبيئة والواقع ارتباطا بما تشكله ثقافة وموروث ديني واجتماعي وعندما نقول: إنه لم يكن له سابق تواجد على الحال الحقيقية له، فذلك يعود إلى أمرين أولهما ان الاهتمام كان منصبا على التربية الفنية والنشاط الفني المدرسي بشمولية تنوع فروعه التي تعنى بتنفيذ أعمال هي أقرب للأعمال والصناعات المهنية باستخدام مايتوفر من خامات أو ما يمكن الاستفادة منه من الخامات المستهلكة من البيئة وما تمخض عنه من انتاج غزير في الأعمال (الصناعية المهنية النفعية) كالنجارة وتشكيل وتصنيع الأواني الخزفية وخلافها من الأعمال اليدوية فكانت المادة تجمع بين العمل الفني والمهني أصبح لها إدارة تحمل اسم إدارة النشاط الفني والمهني في وزارة التربية والتعليم حاليا وذلك يعني ان اللوحة التشكيلية لم تتحدد شخصيتها أو مكانتها وخصوصيتها إلا لاحقا إذ كانت ضمن خليط فني يشتمل على عدد من المكونات كما أسلفنا ويتم تنفيذ تلك اللوحات في مادة الرسم الغرض منه تنويع الرغبات في هذا المجال ليس إلا وكانت الدرجات لهذه المادة تمنح للرسم والأشغال وتتم ممارسة هذا النشاط وهذه المادة في حدود المدارس ومعاهد المعلمين والمراكز الصيفية يقوم على تعليمها معلمون من خريجي المعاهد التطبيقية ممن استقدموا من عدد من الدول العربية ذات الاهتمام بمثل هذا المجال إلى ان تأسس معهد التربية الفنية عام 1384، كما جاء في بداية الموضوع وفي الحلقة الأولى من هذه القراءة في واقع هذا الفن محليا فقد كشف معلمو المعهد من الفنانين التشكيليين العرب كيفية إقامة المعارض الخاصة نبهت الدارسين ممن يمتلكون المواهب البارزة في هذا المجال لخوض التجربة فكان لهم النجاح في الدخول منها إلى المجتمع منهم الفنان عبدالعزيز الحماد ومعرضه في المنطقة الشرقية والرياض وكذلك الدكتور محمد الرصيص والفنان الدكتور عبدالحليم رضوي من معارض خلال دراسته في ايطاليا، ومنها ما أقامه في مدينة جدة أو ما أقامه الفنان محمد السليم في الرياض والفنان ضياء عزيز، باعتبارهم رواداً للبدايات التشكيلية مع من شاركهم من الفنانات صفية بن زقر ومنيرة الموصلي ونبيله البسام مع ما تبعها من معارض في مرحلة لاحقة لا تبعد كثيرا عن وقت إقامتها ومرحلة التأسيس الملاحظ هنا أن غالبية المعارض كانت تقام في مواقع معينة يرى فيها الفنانون ان جمهورها أو منسوبيها أكثر فهما وتقديرا لهذه المعارض ومنها شركة أرامكو ومدارس لثغر النموذجية في جدة والأندية الرياضية وغيرها. ثم ما تبع ذلك من تطور سريع إلى أن وصل هذا الفن إلى ما وصل إليه اليوم من حضور ومساهمة مشرفة في مضمار الثقافة والابداع اكسبه الحب والتقدير والاعجاب من أعلى مستوى رسمي وشخصي.
وحين نعود لهذه البدايات أو ما تبعها من نقلات لاحقة يمكن ان نقسمها إلى مراحل ونضعها تحت المجهر لوجدنا ان الفن التشكيلي المحلي قد مر بالكثير من التغيرات والمتبدلات في مستوى الفكرة والتقنية منها ما يكشف التأثر بالفن العربي ومنها ما لحق به من تحولات الفن العالمية كان الفنان التشكيلي المحلي يتلقاها بشكل سريع إلى يومنا هذا مع ان لمثل هذا التأثر أسبابه التي سنستعرض البعض منها لاحقا ابتداء من مرحلة الدراسة في معهد التربية الفنية وما نتج عنه من تلق لأشكال وأنماط التعامل مع الفكرة بعد معرفة أبجديات التنفيذ وتقنيات اللوحة من ألوان وعناصر بناء اعتمد فيها المعلمون في المعهد على طرق أكاديمية لاتقل بأي حال عما يتم تقديمه في الأكاديميات المتخصصة العربية أو العالمية عودا إلى ان أولئك المعلمين من الفنانين التشكيليين العرب من حملة المؤهلات المتخصصة أكاديمياً (فنون تشكيلية)، ولهذا كان من حظ من تلقوا تعليمهم عند هؤلاء خصوصا الطلبة الموهوبين ان أصبحوا بالفعل فناني الساحة دون منازع ودون أي تفوق ممن جاء بعدهم من خريجي أقسام التربية الفنية بالجامعات إلا من رحم الله اعتمادا على خبراته وقدراته الخاصة.
نعود لكيفية تلقي تلك الأنماط وسبل التعبير وكيف للفنان ان يستلهم موروثه الشعبي ابتداء مما كان يتم التدريب عليه من أشكال القطع الشعبية التي توضع كطبيعة صامتة أمام الدارسين تشتمل على نماذج من الموروث الشعبي الصناعي مثل الدلة أو المصنوعات الأخرى من نسيج أو أدوات زينة وخلافها فأخذ الطلبة أثناء الدراسة وبعد التخرج شوطا كبيرا في التعامل مع تلك العناصر أو مع ما كان يشاهد من عناصر أخرى قد تكون بعيدة عن الواقع المحلي إلا أنها تستهوي الدارس ومنها رسم الحياة الريفية بما فيها المرأة وما تقوم به من مشاركة في الحياة الاجتماعية وبشكل مباشر تأثراً بأعمال الفنانين العراقيين أو المصريين وهذه المرحلة كان لها وقعها وتأثيرها على مدى مراحل طويلة مع ماتبعها بشكل ضئيل من أعمال ذات تبعية غربية أخذت في التغير والتبدل وهذا له حديث خاص سيأتي ذكره في سياق الحلقات القادمة بإذن الله.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved