الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 15th December,2003 العدد : 39

الأثنين 21 ,شوال 1424

الشيخ العبودي.. واتساع المعارف
د.محمد بن سعد الشويعر

كلمة مأثورة قالها أحد الشعراء: لا بأجدادي شرفت بل شرفوا بي، تنطبق على الشيخ محمد العبودي: الأديب الرحالة.
ذلك أن كثيراً من الناس، وخاصّة في الخارج، يعرفون الشيخ العبودي، بأنه الرجل الداعية، الذي يجوب البلاد في رحلات عالمية متتابعة، يعيد معها ذكرى: رحلات ابن بطوطه المغربي، إلا أنه أوسع منه انتشاراً، وأكثر عطاء.
فابن بطوطه زار دياراً محدودة بالنسبة لمقاييس هذا الزمان، ذكرها في رحلته المطبوعة في مجلدين، لكن الشيخ محمد العبودي، في رحلاته التي عبّر عنها فيما دون من كتبه، التي تزيد على الثمانين، وفيما قدم من ملفات إذاعية استمرت سنوات.. وما بقي في ذاكرته أكثر.
تلك المعلومات الشيقة في أحداثها، الرصينة في طريقة عرضها، لأنها تشدّ المستمع في تسلسل الأحداث وطريقة العرض.. بأسلوب هو من السهل الممتنع.
ففي هذه العطاءات يتبين للقارئ المقارن، أن الشيخ العبودي قد فاق ابن بطوطه في الكم والكيف، الكم في البلدان التي زار، والكيف بما انصهر فيه، وتابعه ووثقه من عادات الشعوب وحالة المسلمين هذا الجانب الذي يهتم به كثيراً.. ويبرز لمن يتابع ويهتم بهذا الجانب.
ويصح أن نطلق عليه تجاوزاً: ابن بطوطة القرن الحادي والعشرين، إذ ما كتب ورصد، يعطيه وصفاً مميزاً، يفوق ما تعرض له الرحالون، قديماً وحديثاً، بالرصد والتوثيق والانصهار مع الشعوب التي زار ديارهم.
ولئن جدّ في العصر الحاضر: ما أسموه بأدب الرحلات، فإن جهد الشيخ العبودي، وبما أعطاه الله من ملكة أدبية، وقدرة لغوية، فإنه قد صاغ رحلاته العديدة، بأسلوب أدبي هو من السهل الممتنع، حيث يخاطب المشارب المتعددة، بما يتلاءم معها جميعاً، بالايجاز غير المخلّ، وبالمعلومات الواضحة التي يدركها كل قارئ.. مع العرض المشوق، الذي يأسر ذهن المتابع ويشده: قراءة أو سماعاً.
فعرف لدى المتابعين لهذا الجانب عند الشيخ محمد العبودي بأنه:أديب الرحلات، بالرحالة المتنقل، وبواصف هموم المسلمين، وبالكاشف لعادات وتقاليد الشعوب... بل كل يصف رحلات الشيخ العبودي من الزاوية التي تراءت له، وهو يتابع بشغف ما طرح في كتبه، وما يذاع عن رحلاته.
أما الجانب الثاني: في شخصية الشيخ العبودي، فهو دخوله ميدان الأدب من غير تكلفّ، فهو أديب بفطرته وإحساسه، وناقد لم يقرأ تقنين النقد الحديث، المستمد من اصطلاحات علماء الغرب، الذي أخذه بعض المتأدبين عنهم: تقليدا أو محاكاة أو مترجماً مستحسناً.
بل نرى ا لشيخ الأديب العبودي يغوص في الميدان، بما ظهر للقارئ مما طبع له أو بما هو جاهز عنده ينتظر النور، بقدرة الأديب المتمرس: فكراً وخيالاً خصباً، المستمد من اطلاعه ومخزون معلوماته، صاغ ذلك بخيال خصب، يشدّ القارئ: فيكون ما عبر عنه، بأنه خيالي، كما في كتابه المطبوع: حكايات تحكى، وفي مطوّع في باريس، والمقامات البلدانية، اللذين ينتظران الخروج إلى النور.
يتراءى للقارئ أن ما رصده قلم الشيخ العبودي، وما تفتق عنه خياله، ما هو إلا حقيقة.. إنه لا يبالغ ولا يطبع بطل القصة، بأنه لا يغلب ولا يموت، ويخرج من كل حادثة مهما كانت سليماً لم يخدش بجرح.. كما في «طرزان» كما هو الشأن عند بعض الكتاب، مما يجعل القارئ في حيرة: بين حال الحكاية وواقع المجتمعات.
لكنه في عطائه الأدبي يختلف عن أولئك، يما يعطيه من تناسق فني، يتسلل في الوقائع، مما يجعله يعرض الحوادث التي تمر بكثير من الناس، وتوقع البطل في الشبكات المنتظرة لمثله في كل مجتمع أن يقع فيها فلا يزكى البطل بل يخرجه حسب حاله: فائزاً أو خاسراً.
والذي يقرأ هذا النوع من الأدب عند العبودي، يدرك تفاعله مع المجتمع، وانصهار حواسه مع البيئة التي نبتت منها الحكاية، فيرتفع خيال القارئ مع حوادث مماثله عايشها أو سمع عنها في حياة الناس ليعتقد أن هذه الحالة ما هي إلا ما حصل لفلان من الناس.
وهذا من رصانة الأديب، وتفاعله مع الوقائع، وأسلوب العرض، لأنه منصهر في حياة الناس، لإحساسه بما يدور في بيئاتهم.
ذلك أن الشيخ العبودي مهتم بربط عطائه العلمي والأدبي بطابع المجتمع عندنا قبل زمن الأمن والاستقرار، وما تبع ذلك من تغير في نمط الحياة، وبذلك يتمازج عنده: ربط الحديث في حياة الأمة، بالتاريخ الاجتماعي، الذي ينتقل فيه بالقارئ لما في مجتمع ذلك الوقت.
والجانب الثالث: في ثقافة الشيخ العبودي، نراه يستمده من بيئة القصيم، وهذا الجانب ذو شقين:
1 الأمثال الشعبية. 2 المعجم الجغرافي.
وكل منهما من أجزاء متعددة استوحى معلوماتها بجده وجهده ومتابعة أيام حيوية الشباب من منطقته التي ترعرع فيها: حباً للوطن وارتباطاً بالبيئة.
فالأول: له فيه ميزة تختلف عن غيره ممن كتب وألف في الموضوع: فهو يقارب بين المثل الشعبي والمثل العربي الفصيح، ليجد بين الحالين تلازماً، يبرهن على أن الفكر العربي لا يتغير والبيئة واحدة قديماً وحديثاً، فما يصدر من مثل أو حكمة، فهو نابع من إحساس ووقائع متماثلة عن الشعوب.
ومقارنته هذه تحكي واقع العرب: قديماً وحديثاً، وتعطي انطباعاً عن تفكيرهم وثقافتهم، وأن اللغة الفصحى والشعبية جذورها واحدة.
وكل ذلك في المماثلة والمشاكلة، يستمد من معين ثابت، وقاعدة أساسية هي قاعدة الإسلام وتعاليمه.. بحيث نرى هذا أساساً يتركز عليه عطاؤه وخياله.
والثاني: عن المسميات والمواقع في القصيم: وهذا رصد مهم، لأن أبناء هذا الزمان قد نسوا كثيراً من المسميات بعد توافر المواصلات الحديثة والطرق المعبدة.
فكانت المقاييس والمعالم بوسائل السفر السريع السائق اليوم: طائرة وسيارة، تختلف عما كانت عليه بالأمس: دابة أو ترجلاً.. مما يعني أن كثيراً من المسميات التي اهتم برصدها الشيخ العبودي، قد يأتي يوم تندرس فيه.. لو لم يقيض الله من اهتم بها ورصدها، حي تحمس الشيخ حمد الجاسر، رحمه الله في دار اليمامة للنشر والطباعة.. بهذا الجانب، وتعاون معه عن كل جهة من بلادنا، من إعانة على رصد حصيلة جيدة عن الجزيرة العربية، خرجت في سلسلة من: دار اليمامة.
وقد اختص ا لشيخ العبودي بمنطقة القصيم.
وقد كان من سمة العبودي في مؤلفه هذا الاهتمام بأمور منها:
الشواهد والوصف، وربط بأصله عند العرب القدامى، من أيام الجاهلية، وما يتعلق بالموقع من أحداث ووقائع.. كما عمل الشيخ محمد بن بليهد في كتابه: صحيح الأخبار، إلا أن الشيخ محمد العبودي، قد قصر عمله على منطقة القصيم، وهي منطقة واسعة والشيخ البليهد كان أوسع منه نطاقاً فيما مرّ به من معلومات عن بلاد العرب كلها.
وهناك جوانب عديدة في ثقافة الشيخ محمد العبودي، فهو قصصي ونسابة، وصاحب نوادر وملح، وحكايات ومسامرات..
هذه الجوانب التي ألف فيها: خرج للنور شيء، وبقي مستتراً الأكثر، مما يعطيه وصفاً، بأنه أنيس المجالس وموسوعة متحركة.. زانها ما وهبه الله له من ذاكره جيدة تختزن الشيء الكثير من المعارف مع قدرة على تصيّد ما يناسب المقام.
ولا يعدم من يجالس الشيخ العبودي: أن يجد لديه حديثاً لكل حادثة، وشاهداً على كل موقف.. وهذا من اتساع ثقافته سواء منها المقروء أو المسموع.. ويبرهن على ذلك كثرة انتاجه العلمي وتطرقه في هذا الإنتاج لجوانب عديدة، من الثقافة، ولعله آخذ في هذا بالمفهوم الإصطلاحي عند العرب، عن الأدب، بأنه الأخذ من كل جانب بطرف.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved