الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 15th December,2003 العدد : 39

الأثنين 21 ,شوال 1424

الشيخ العبودي والرحلات بصبغة دعوية!!
د.إبراهيم بن عبدالله السماري

الرَّحَّالَةُ عُمْلَة نادرة في كل مجتمع؛ لأن عَمَلَهُ يوصف بأنه متعب بدنياً وذهنياً، وإنما يخفف وطأته ما يتحلى به هذا الرحَّالة غالباً من الرغبة في توسيع الدائرة المعرفية، ولذا كانت الرحلات مصدراً مهماً من مصادر المعرفة عموماً؛ بما تتضمنه من الإشارة إلى الأحداث والوقائع والتعريف بالأمكنة والأشخاص ووصف الحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في زمن محدد هو زمن الرحلة التي تتحدث عن مكان ما، أو حادثة ما، كما تتحدث عن طبيعة العلاقات والمعاملات التي تحكم سير المجتمعات البشرية في حقبة تاريخية معينة وهكذا.
ومما يزيد أهمية الرحلات بصفتها مصدراً معرفياً مهماً أن الرحَّالة يحرص على الاتصال بالأشخاص العاديين الذين هم عادة يعبرون عن انطباعاتهم وانفعالاتهم بعفوية واسترسال لا تثقله قيود التحفظات بحكم أنهم يتحدثون في مجالسهم، ومع أشخاص يشاركونهم، حياتهم، ويزيد التألق تألقاً أن تُصارغُ الرحلةُ بأسلوب أدبي مميز، ولا سيما إذا كانت لدى كاتب الرحلة ذائقة أدبية وبلاغية ثرية.
ومعالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي رحالة متميز، وأحسب أن الله عز وجل قد ضرب له بتوفيقه بسهم وافر في أدب الرحلات حيث يملك دقة متناهية في وصف الرحلة والتعريف بدقائقها فلا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما هو في متاحات البشر إلا سجله وسلط عليه إضاءات تكفي لإشباع نهم المتلقي بما يملكه من قدرات وتوفيق في مجال تصيد تساؤلات وتوقعات المهتمين بمتابعة أخبار الرحلة، كما رزقه الله توفيقاً آخر يتمثل في أسلوبه السهل الممتنع عند عرض عناصر رحلته، وأين العجب في ذلك وهو قد حاز ميدالية الاستحقاق في الأدب عام 1394هـ، فإذا تحدث عن رحلاته بلسانه فستجد أنه يشد المستمع له بما يملكه من أدوات التأثير واللغة المحببة ونبرات صوته المميزة والترابط المنطقي بين ما يعرضه من مواقف وأحداث ورؤى، مع حرصه على نطق الأسماء والمسميات كما ينطقها أهلها، وغوصه كثيراً في تعليل مدلولاتها.
من المؤكد من وجهة نظري أن بعض الرحلات تكتسب خصوصية تضفي عليها مزيد أهمية، وهذه الخصوصية ترجع حيناً إلى طبيعة الرحلة، وأحياناً إلى صاحب الرحلة، وأحياناً إلى مكانها، وأحياناً إلى زمانها، وأحياناً إلى الظروف المحيطة بها، ولكني في رحلات الشيخ العبودي أكاد أجزم أن صاحب الرحلة يفيض على كل رحلة من رحلاته شيئاً كثيراً من ذاته وذائقته فتكتسب بذلك أهمية وخصوصية، والله يرزق من يشاء بغير حساب.
هذا عن الجانب الذاتي في تكوين شخصية الشيخ العبودي ومَلَكاتِه الشخصية، أما عن الرصيد المعرفي والثقافي عند الشيخ العبودي فإن نظرة عابرة إلى مؤلفاته عن رحلاته التي شملت كل قارات الأرض وبلغت أكثر من مائة وخمسين كتاباً بعضها مازال مخطوطاً، إضافة إلى تأليفه الموسوعي المعجم الجغرافي عن (بلاد القصيم)، ومؤلفاته الأخرى التي بلغت ستة عشر مطبوعاً استفاد فيها من رحلاته تلك سوف تنبئك حق البيان عن حجم ذلك الرصيد الضخم، حتى يكاد المتابع له يجزم بأن الشيخ العبودي قد طاف الأرض كلها، ويؤيد ذلك أن كثيراً من المثقفين ولا أقول من عامة الناس لا يعرف كثيراً من أسماء البلدان التي زارها في رحلاته على الخارطة فضلاً عن الواقع وربما لايُحسن النطق الصحيح لأسمائها، حيث ستجد في سجل زياراته استراليا وإندونيسيا والفلبين والهند والصين وجمهوريات الموز هندوراس ونيكارقوا وكوستكاريكا والبرازيل وغيانا وسورينام ودول أفريقيا ودول أوروبا وروسيا البيضاء وروسيا الحمراء وداغستان وجورجيا وسيبيريا وأقصى جنوب المحيط الهادي وغيرها، بل ستجد حديثاً ماتعاً عن مناطق نائية في تلك البلدان لم يسمع بها الكثير!
الشيخ محمد بن ناصر العبودي هذا العَلَم الجهبذ، الذي ولد في مدينة بريدة بالقصيم عام 1349ه 1930م، قدَّم لدينه ولأمته ولوطنه الكثير؛ مخلصاً نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، وفوق ذلك فهو يتزين بتواضع جَمّ يضفي على شخصيته مهابة وسمتاً، ولا غرو في ذلك فهو من حيث التلقي من تلاميذ الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي عام المملكة رحمه الله وكان من الملازمين للشيخ عبدالله بن حميد من كبار علماء المملكة رحمه الله وهو من حيث الممارسة عمل أميناً عاماً للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ثم وكيلاً لها ثم أميناً عاماً للدعوة الإسلامية برابطة العالم الإسلامي ثم أميناً عاماً مساعدا للرابطة.
ولتسليط الضوء على جانب آخر من شخصية الشيخ العبودي أقول: إن الحوار ركن ركين من خصائص كل رحَّالة؛ لأن المفترض أنه إنما يحصل على كثير من المعلومات في رحلاته عن طريق الحوار مع الأشخاص الذين يلتقيهم فيستنطقهم ليجيب عن التساؤلات التي تثيرها مشاهداته، ولذا فقد تنوعت موارد ثقافة الحوار عند الشيخ العبودي، فمع التحصيل العلمي في حجرات الدرس، ومع التلقي من الشيوخ مشافهة وسلوكاً، فإننا نجد في دفاتر سيرته الذاتية مشاركات كثيرة في المؤتمرات والندوات في الداخل وفي الخارج، فهذه الموارد التي نهل منها الشيخ العبودي لا ريب أنها صقلت قدراته الحوارية؛ ثمرةَ الدّربة والتلاقح الفكري والتواصل مع الآخرين بحكمة وإقناع، فَأثرَت رحلاته إثراءً بيِّناً، وزادت وهجَها تألقاً.
* البعيدة عن التحجر وعن الغلو، حيث يجتمع في رحابة الطهر صفاءُ العقيدة ومحبةُ كل المسلمين، وقد عبَّر عن هذه الصبغة المحمودة أبلغ تعبير من خلال روايته لجهوده في أفريقيا وغيرها بتكليف من الملك فيصل رحمه الله أكثر من مرة في كتابه (مساعدات المملكة العربية السعودية للمسلمين وبخاصة الأقليات المسلمة) وفي كتابه (وراء المشرقين: رحلة حول العالم وحديث في شؤون المسلمين).
هذا وبالله التوفيق.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved