الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 16th February,2004 العدد : 46

الأثنين 25 ,ذو الحجة 1424

عبد الفتاح أبو مدين.. هدوء التوجّه.. وريادة المبادرة!
عبد الفتاح أبو مدين
عبد الله محمد الغذامي

لكي تعرف عبد الفتاح أبو مدين حق المعرفة يجب أن تعمل معه، ولقد كنت أعرفه قبل أن ألتقي به، كنت أعرف جريدة الرائد وأرى اسم صاحبها ووجهه، وظل أثيرا عندي بما ان جريدته كانت اثيرة في نفسي وحينما كنت طالبا في المعهد العلمي بعنيزة لم أكن اعلم ان الزمن سيدور دورته ليجعل من صاحب الرائد صديقا ورفيقا في مهمات عملية وثقافية، واقتضى ذلك عشرين سنة حينما تعرفت عليه شخصياً لأسباب عملية تتعلق بطباعة جريدة الجامعة التي كنت اشرف عليها بينما أبو مدين كان مديرا لمطابع البلاد وجرى لقاء عمل تفاوضي بيننا «عام 1399/1979» وكانت ذاكرتي القديمة تصحبني وأنا أتحدث معه بأمور العمل لتتحول الجلسة إلى صداقة من جهة وإلى مشاريع علمية من جهة اخرى، ليتوج الامر بعد ذلك في دخولنا معا الى ادارة نادي جدة الأدبي عبر الانتخابات «عام 1400/1980» ومنها تعززت العلاقة لتكون فكرية إضافة إلى الصداقة والمهمة المشتركة في إدارة العمل الثقافي في النادي.
هذا وجه ظاهري بسيط جدا إذا قيس بما تحمله نفسي من رصيد عميق لهذا الرجل، ولقد قلت مرة إنه لولا ان أبو مدين هو رئيس النادي بجدة لما بقيت أنا في النادي عشر سنوات، ولكنت تركته بعد أشهر من انتخابي، لقد كان العمل صعبا والتحديات كبيرة ومعقدة، وردود فعل المجتمع علينا وعلى مشاريعنا وأفكارنا شديدة جدا، وكان من الممكن لأبو مدين أن يضحي اول ما يضحي بي أنا شخصيا، ليسلم من جهة وليكسب من جهات اخرى، بعد أن صار وجود هذا الحداثي كنائب للرئيس سببا للمشاكل وقد صارت المشاكل من كل مكان حتى جاءت أوامر بفصل ابو مدين من رئاسة النادي، وأعلن ذلك في الصحف وجرى ترشيح البديل، هذا إضافة إلى ما كان يأتيه من أذى لا يوصف وملاحقة لا تنقطع، ومع هذا لم يأبه لأي شيء من ذلك لأنه كان مقتنعا من جهة، ثم لقد كان مطمئنا لعلاقات التشاور التي تربطه بأصدقائه، ولئن كنت لم أخنه قط في مشورة فإنني أيضا لم أثبط همته في أي موقف اللهم في طلب بعض التمهل والتأني في بعض مسائل ليسهل ابتلاعها اجتماعياً ولم أكن أفلح دائماً في تهدئة سرعته، إذ كان هو من النوع الذي إذا اقتنع لم يرده راد، وهذه هي اللحظات القليلة التي كنا نختلف فيها ولقد قلت له مرارا: ارفق واصبر قليلا ولكنه كان يرفض ويصر، ولقد كان صدره على مقدار جلده من السعة والإقدام حيث لم تكن الأفكار تحتاج منه إلا لبضع كلمات نقولها له لكي يتبنى الفكرة ويأخذ بالمشورة دون تحرج أو تردد أو اصطناع مواقف، وويل للفكرة اذا ظهرت له، إنه يأخذ بتلابيبها ويلاحقها تنفيذا وتبنيا مهما كانت جريئة وقوية وجديدة، ولهذا كنت معه وكان لي من القبول لرئاسته ولزمالته ما لم أكن أطيقه مع غيره، وأنا رجل اقول عن نفسي انني قلق ولا احب مسؤوليات البيروقراطية والإدارة ولذا ظللت أرفض المناصب، صغرت أم كبرت، غير ان العمل مع ابو مدين ولسنوات لم يكن بيروقراطية ولم يكن ورقيات وروتيناً، بل كان إبداعا وفكراً ومواجهة وضرباً خاصاً من قيم العمل والأخلاق والاستنارة.
أبو مدين له صفحات عريضة وعميقة في تفتحنا الثقافي وفي تبنيه للفكر الجديد والمنفتح وفي دفاعه عنه، وفي تحمله لكل الصعاب في ذلك ولولاه لما كان لنادي جدة ما كان، ولئن كان قد سمى جريدته الخاصة بمسمى «الرائد» فإن هذا المسمى يصدق عليه، وعلينا ان نتذكر انه هو الرئيس الوحيد في الأندية الأدبية الذي جاء منتخباً بأصوات الناس وبقي بطلب من الناس ولم يكن معينا ولا عبر توسيطات شخصيةً، وإنه لرائد واستاذ.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
وراقيات
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved