الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 16th February,2004 العدد : 46

الأثنين 25 ,ذو الحجة 1424

الفتى مفتاح

عندما يتحدث المرء عن الرعيل الأول من أدبائنا يشعر بصغر حجمه أمام تلك القامات المناضلة في سبيل الحق والكلمة الصادقة، وفي الوقت نفسه يتعلم منهم ما لم يتعلمه في الجامعات والمعاهد المتخصصة، يتعلم منهم الصبر والجلد والمثابرة في طلب العلم، ومقابلة الصعاب، في وقت لم تتح فيه الفرص، ولم يتسن للإنسان من وسائل المعرفة وسهولة الوصول إليها، ما هو حاصل اليوم، فالواحد منهم بنى نفسه بنفسه، وعلم نفسه بنفسه أيضاً لم يركن للواجبات المدرسية، ولم يلقن تلقين اليوم، وأخذ الأمور بمسلماتها، بل قرأ قراءة حرة أتاحت له التفكير والمراجعة لما يقرأ ويسمع، قراءة لم تكن للحفظ، بل للفهم والمناقشة والوقوف مع الذات ومعرفة الخطأ من الصواب والرجوع إلى المصادر العلمية للتأكد من صحة ما يقرأ ويكتب، وعبدالفتاح أبو مدين واحد من هذا الرعيل القليل والنادر دائماً يكون قليلاً، درس الفتى مفتاح «هذا عنوان كتاب سيرته الذاتية» في المدرسة ولم يتجاوز الابتدائية، وتركها لتوفير لقمة العيش له ولأمه، ولم يترك الكتاب، تتلمذ على طه حسين، والعقاد ومندور، وكل أساطين الفكر والأدب، في زمانه، نهل منهم ووقف معهم وقفات طويلة، لم تتح له تلك الوقفات لو كان في مدرسة يقرأ مقرراتها يومياً، لغرض تقديم الاختبار السنوي، للحصول على شهادة الغرض منها الوظيفة، أقبل على العلم فرحب العلم به، كما رحب بالعقاد، ومن قبله علماء العرب المسلمين، عرفت عبدالفتاح أبو مدين من خلال كتاباته في الصحف، ومنها الرائد، وأعجبت بجرأته العلمية وصدقه مع نفسه، ووقوفه مع الحق، مهما كانت النتائج، لم يأسف عندما أوقفت الرائد، لقناعته بالسبب والمسببات، يهمه الصدق مع نفسه، وقناعته الخاصة بما يقول، وهو المسؤول عما يقول، لا يجامل أحداً، ثم قرأته عن قرب ولم أكن لقيته وجهاً لوجه، من خلال كتابه «الفتى مفتاح» المشار إليه، ووجدت فيه كلما كنت أجهله عن شخصية أبو مدين، درست شخصيته من هذا الكتاب، وما يحتويه من الصدق، وأقول بلا مجاملة إن أصدق كتابين في السيرة الذاتية العربية، هذا الكتاب، وكتاب «غربة الراعي» للدكتور إحسان عباس، وقد يقول قائل: كيف تحكم على صدقهما، وهما من جيل وأنت من آخر، وهما من بيئات عربية لم تعرف عنها الشيء الكثير؟؟ وأقول: إن الكلمة الصادقة ترجمان صاحبها، والحقائق العلمية تفرض نفسها، لو أن أبو مدين قال إنه من أبناء الأغنياء لما صدقته، وقرأت أسلوبه في مؤلفاته الأخرى فعرفت من هو، ثم نشأت بيننا معرفة ثم صداقة، فيما بعد، من خلال اللقاءات والمؤتمرات، وجدت فيه الحس المرهف والقسوة في آن واحد، لم يتردد في مواجهة الخطأ، فما كنت أطمئن على ورقتي بعد إلقائها إلا بعد أن أسأله بعد أن ألقيها، لأنني أعرف أنه لا يجامل أحداً، أذكر أنه وجه إلي خطاباً للمشاركة في أحد الملتقيات في النادي الأدبي في جدة، فوجدت منه الدقة في المواعيد والانضباط في العمل، فلم يتدخل في مهمة الآخرين من العاملين معه، بل أوكل كل شيء إلى من يطمئن إليه ويثق في قدراته، فالنادي يصدر عدداً من المجلات، أوكل كل واحدة منها إلى شخص يثق في قدراته على انجاز العمل، ومن أروع ما يصدره النادي مجلة «علامات في النقد» وهي المجلة المتخصصة في النقد الأدبي في المنطقة العربية، ولم تقتصر على قطر أو مجموعة بعينها، كل ما في الأمر أنها تنشر ما يراه أعضاؤها صالحاً للنشر، ولم يجامل أبو مدين أحد أعضاء النادي عندما وجد موضوعه غير صالح للنشر، وقال ما معناه: صداقتنا شيء وما يهم الآخرين شيء آخر، هذا العمل ملك القارئ، إن جيل أبو مدين جيل لم يعرف الكسل، اعتمد على نفسه فثقفها، واتخذ كل منهم خطه العلمي في الحياة، ولذلك أثمر وعلم الجيل الذي يليه طرق البحث والصبر والمثابرة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
وراقيات
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved